قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه لن يطلب "الصفح" من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم، مشدداً على أن "عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب… (وأنه) يعني الاعتراف بأن في طيّات ذلك أموراً ربما لا تُغتفر"، وذلك بحسب تصريحات أدلى بها في مقابلة مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، مساء الأربعاء 11 يناير/كانون الثاني 2023.
في مقابلة مطولة أجراها معه الكاتب الجزائري كامل داود، ونشرتها أسبوعية "لوبوان" الفرنسية، مساء الأربعاء، أعرب ماكرون عن أمله في استقبال نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون في باريس هذا العام، لمواصلة العمل معاً على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين، بحسب ما نقلت فرانس 24.
"التاريخ ليس جردة حساب"!
أضاف ماكرون: "لست مضطراً لطلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كلّ الروابط"، مشيراً إلى أن "أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول "نحن نعتذر وكلّ منّا يذهب في سبيله"، وشدّد على أن "عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، إنّه عكس ذلك تماماً".
فيما لفت إلى أن عمل الذاكرة والتاريخ "يعني الاعتراف بأنّ في طيّات ذلك أموراً لا توصف، أموراً لا تُفهم، أموراً لا تُبرهَن، أموراً ربّما لا تُغتفر".
يُذكر أن مسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر (1830-1962) هي في صميم العلاقات الثنائية والتوترات المتكررة بين البلدين.
وفي 2020، تلقّت الجزائر بفتور تقريراً أعدّه المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا بناءً على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين، وخلا التقرير من أية توصية بتقديم اعتذار أو بإبداء الندم، وهو ما تطالب به الجزائر باستمرار.
يأمل بلقاء تبّون في فرنسا
وفي مقابلته، قال الرئيس الفرنسي: "آمل أن يتمكّن الرئيس تبّون من القدوم إلى فرنسا في عام 2023" لمواصلة "عمل صداقة… غير مسبوق"، بعد الزيارة التي قام بها ماكرون نفسه إلى الجزائر في أغسطس/آب 2022.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان بالإمكان أن تتخلل هذه الزيارة المرتقبة لتبّون إلى فرنسا مشاركة الرئيس الضيف في مراسم تكريم أمام نصب الأمير عبد القادر الجزائري، في مقبرة أبطال مقاومة الاستعمار ببلدة أمبواز (جنوب غرب باريس)، قال ماكرون إن مثل هذا الأمر سيكون "لحظة جميلة جداً وقوية جدّاً.. أتمنّى حصول ذلك".
واعتبر ماكرون أن إقامة مراسم كهذه "سيكون لها معنى في تاريخ الشعب الجزائري. وبالنسبة للشعب الفرنسي، ستكون فرصة لفهم حقائق مخفيّة في كثير من الأحيان".
والأمير عبد القادر (1808-1883) اعتُقل في أمبواز مع العديد من أفراد عائلته من 1848 وحتى 1852.
الجزائر تنتظر اعتذاراً
وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفاً بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" عام 1957، ومندداً بـ"جرائم لا مبرّر لها" ارتكبها الجيش الفرنسي خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن استعمارها لم تأتِ أبداً، ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم بين الجانبين.
وساعدت الرحلة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس/آب على إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها بعد الأزمة التي أشعلتها تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، واتهم فيها "النظام السياسي العسكري" الجزائري بإنشاء "ريع للذاكرة"، وشكّك كذلك بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
وفي مقابلته مع "لوبوان"، أقر ماكرون بخطأ تصريحاته تلك. وقال: "قد تكون عبارة خرقاء، وقد تكون جرحت مشاعر" الجزائريين، معتبراً في الوقت نفسه أن "لحظات التوتّر هذه تعلّمنا أن عليك أن تعرف كيف تمدّ يدك مجدّداً".
كما دعا ماكرون إلى "تهدئة" التوترات بين الجزائر والمغرب، مستبعداً نشوب حرب بين الجارين اللّدودين. وقطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية بينها وبين المغرب في أغسطس/آب 2021، متهمة الرباط بارتكاب "أعمال عدائية"، في قرار اعتبرته الرباط "غير مبرر بتاتاً".