جاءت كأس العالم 2022 لمشجعي كرة القدم المتمرسين كالنسمة المنعشة في وسط الموسم الرياضي، وكان الحدث أكثر أهميةً للمشجعين العرب والمسلمين الذين توافدوا على قطر، لأنهم رأوا في إقامة البطولة بالمنطقة علامةً فارقة ومصدر فخر لهم.
ركزت وسائل الإعلام على مدى ملاءمة قطر لاستضافة كأس العالم 2022، أما عشاق اللعبة الجميلة فقد قدمت لهم شوارع الدوحة و"سوق واقف" التاريخي ذكريات لا تُنسى ولحظات تُبرز تأثير كرة القدم في تأليف الناس والجمع بينهم، وفق ما ذكره تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
قال رشيد وهيب، مهندس برمجيات بريطاني عراقي ومسلم: "لقد حضرت مئات المباريات في إنجلترا. لكن اصطحابي لأسرتي معي كان يتوقف على توقعاتي بشأن شدة الشغب الذي قد تشهده المباراة. إذ يشيع بين الناس شرب [الكحول] طوال يوم المباراة".
فقد أعلنت السلطات قبل افتتاح كأس العالم 2022 بيومين أن الجهة المنظمة لن تبيع المشروبات الكحولية للجماهير داخل الملاعب، وحصرت السماح بذلك في مناطق المشجعين، فأثار ذلك كثيراً من اللغط في وسائل الإعلام. لكن ذلك لم يزعج وهيب، بل استمتع بالتجربة الجديدة وملامحها غير المعتادة من توافر الطعام الحلال والمشروبات غير الكحولية.
قال وهيب: "كان من الرائع أن نشاهد الأوروبيين يستوعبون الثقافة الإسلامية والعربية، وأن نرى القطريين في الوقت نفسه يستوعبون ثقافة كرة القدم الغربية بطريقتهم الخاصة".
في قرية المشجعين التي أقام فيها وهيب بحي مسيمير، جنوب غربي الدوحة، كان يذهب إلى المسجد كل يوم ويصلي إلى جانب مشجعي كرة القدم من السعودية والمغرب وغيرهما.
كان يأكل مع رفاقه، من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، في مختلف أوقات اليوم، "فمحلات الكباب هنا تفتح أبوابها بعد الساعة الرابعة صباحاً".
كانت كأس العالم 2022 لكثير من مشجعي كرة القدم فرصة نادرة للاستمتاع بأعلى درجات المنافسة الرياضية في دولة ذات أغلبية مسلمة، تتوافر فيها مرافق للصلاة والطعام الحلال وتنتشر فيها معالم التاريخ والثقافة الإسلامية.
حرص المنظمون القطريون على تأكيد أهمية الإسلام في مجالهم العام، وشهد حفل الافتتاح حواراً على المسرح شارك فيه الممثل الأمريكي المخضرم مورغان فريمان عن درء الانقسامات ورأب الخلافات بين الناس، واستحضر محاوره الشاب القطري غانم المفتاح آية من القرآن للحديث عن "مواطن الجمال في الاختلافات بين البشر".
قال عبد الرحمن، مؤسس منظمة Nujum Sports الخيرية البريطانية التي تعمل على تمكين ومساعدة الرياضيين المسلمين: "الأذان، وأماكن الصلاة المفتوحة، واحترام الأسرة وأهميتها، و[الأحاديث النبوية] المعروضة على اللوحات الإعلانية… كلها أسهمت في تبديد الأساطير [لدى كثيرين] وإرساء الأسس لرؤية جديدة [للمسلمين] بعد كأس العالم".
في متحف الفن الإسلامي، أحد المعالم السياحية الرئيسية بقطر، احتشدت جماهير كأس العالم 2022 من مشجعي المكسيك وكوريا الجنوبية وكرواتيا وغيرها لالتقاط الصور مع المخطوطات القرآنية القديمة التي يعود بعضها إلى أكثر من ألف عام.
بينما اجتذب صوت الأذان المتردد خمس مرات في اليوم المشجعين الفضوليين إلى مساجد المدينة، ومنها مسجد الفنار الذي يقع بالقرب من سوق واقف الشعبي.
قال ماهي حسين، الذي ولد في بنغلاديش ويقيم بالدوحة: "إنه لأمر مدهش أن تكون كأس العالم فرصة للناس من جميع أنحاء العالم للتعرف على قطر، والتعرف على الإسلام. لقد أجريت للتو محادثة لطيفة مع مجموعة مشجعين من الأرجنتين عن كيفية الصلاة، وإيماننا المشترك بالله، وتحدثنا عن كرة القدم أيضاً".
كانت كأس العالم 2022 كذلك فرصة لبعض المشجعين الرجال لارتداء الثياب العربية التقليدية وللنساء اللاتي اختبرن الحجاب والعباءة.
شوهدت رموز الإسلام على أرض الملعب أيضاً، فكثير من الفرق المشاركة، خاصة من آسيا وإفريقيا، تمثل دولاً ذات أغلبية مسلمة. والتقطت الكاميرات صور لاعبي المغرب قبل ركلات الترجيح أمام إسبانيا في دور الـ16، وهو يتلون سورة الفاتحة، ثم السجود بعد المباريات سواء انتهت بالفوز أم بالهزيمة.
قال وهيب: "رؤية فريق كامل لكرة القدم يفوز ثم ينزل على الأرض للسجود أمرٌ بالغ التأثير لدى كثير من المشجعين المسلمين الشباب. ومع أني لست من المؤيدين لجعل الرياضيين المسلمين سفراء للدين… فإن ما حدث كان مهماً بلا شك".
أما عبد الرحمن، فقال: "لقد أظهر المنتخب المغربي الروح الحقيقية لمن هو مسلم، وما أجملها من طريقة أن تظهر هذا الشعور والنوازع؛ بأن ترقص مع والدتك وتظهر تقديرك وحبك لها!".
صاغت منظمة Nujum Sports ميثاقاً لخدمة الرياضيين المسلمين يفترض تقديمه إلى الأندية والبطولات للحث على تلبية الاحتياجات الدينية للرياضيين، وقد وقّعت عليه مجموعة من أندية الدوري الإنجليزي الممتاز والمنظمات الرياضية البريطانية.
قال عبد الرحمن: "لقد أثبتت كأس العالم 2022 أننا يمكننا تحدي الوضع القائم وتجربة أشياء مختلفة. يمكننا، على سبيل المثال، دمج الثقافة والطعام والاحتفالات الإيجابية بروحٍ من الاستيعاب والتعلم".
