تعمل الحكومة الأردنية على مواجهة موجة احتجاجاتتتصاعد في البلاد بالإضافة إلى الإضرابات والاعتصامات التي تتصاعد منذ أكثر من 10 أيام في البلاد، والتي باتت تتركز بوضوح في مناطق الجنوب الأردني
اعتصامات أصحاب الشاحنات..
تكشف مصادر سياسية عن أّنّ الحكومة الأردنية عمدت على تطويق تطور الحراك، في ظل تزايد حالة التوتر التي تشهدها عدة محافظات في البلاد، إثر إعلان سائقي شاحنات ووسائل نقل مختلفة إضراباً منذ أكثر من 10 أيام على خلفية قرار حكومي برفع أسعار المحروقات.
وتبلغ أعداد شاحنات وصهاريج النقل البري بالأردن نحو 21 ألف شاحنة، بحسب أرقام وزارة النقل، منها نحو 60% عاملة بالنقل الداخلي والخارجي، ويقدر الفائض في أسطول النقل البري نحو 40%، ما يتسبب بزيادة المعروض وانخفاض أجور النقل بالأردن.
الاعتصامات التي يقودها (أصحاب الشاحنات)، تتم في كل منطقة على حدة، إذ ينضم مالكو الشاحنات إلى الاعتصامات الأقرب لهم.
يقول علي الحويطات، وهو من سكان قرية رأس النقب، التابعة لمحافظة معان لـ"عربي بوست"، إن الإغلاق يشمل مدينة معان والحسينية والمريغة والشوبك، وإن الحركة باتجاه العقبة مغلقة تماماً أمام الشاحنات مع السماح للمركبات الصغيرة والسيارات الخصوصية بالمرور بشكل طبيعي.
يقول الحويطات: "لم يرجع أخي من عمله في مطار الملكة علياء الساعة الثانية والنصف فجراً، لكن لا أستطيع الحضور لأخذه إلى المنزل، إلا خلال ساعات النهار، لصعوبة التحرك ليلاً بعد مقتل العقيد عبدالرزاق الدلابيح إثر تعرضه للإصابة بعيار ناري في منطقة الرأس، وإصابة الضابطين أثناء تعاملهم مع مخربين قاموا بأعمال شغب في الحسينية.
ويشير الحويطات إلى أنّ قوات الدرك والأمن العام تنتشر في لواء القويرة كاملاً، وتحديداً من منطقة رأس النقب بمحافظة معان؛ وصولاً إلى المظفر بمحافظة العقبة جنوباً، فيما تنتشر قوات من الجيش في محافظة معان.
تشكيل خلية أزمة
رئيس المنظمة الأردنية للتغيير د. حسام العبد اللات، يقول لـ"عربي بوست"، إنّ هناك خلية أزمة قد تشكلت ضمت الديوان الملكي ورئاسة الحكومة والأجهزة الأمنية، والتي تعمل على مواجهة موجة الإضرابات والأحداث التي تشهدها البلاد، والحد منها والسعي إلى تطويقها في مناطق الجنوب الأردني على وجه الخصوص.
وذلك مخافة أن تتصاعد موجة الاحتجاجات لتشمل أرجاء مختلف في وسط وشمال البلاد، مشيراً إلى أنّ الحكومة لا تخشى استمرارية الاحتجاجات بالجنوب الأردني بقدر إبداء مخاوف وهواجس من انتقال العدوى لتشمل مناطق الوسط والشمال الأردني، خاصة قرى وريف محافظة إربد، التي تعدّ ثاني أكبر مدينة في الأردن بعد محافظة العاصمة عمان.
وتخشى الأجهزة الأمنية من انتشار موجة الاحتجاجات لتشمل طريق عمان-البحر الميت، والذي تلجأ إليه الشاحنات في الوقت الحالي لضمان استمرارية حركة الاستيراد والتصدير، ومنها إلى مدينة العقبة بعد توقف الحركة تماماً أمام الشاحنات بين العاصمة الأردنية عمان والعقبة.
ملف الاحتجاجات بأيدي الجيش
تكشف مصادر أمنية خاصة لـ"عربي بوست" أنّ إدارة ملف احتجاجات واعتصامات الجنوب، بات بيد مؤسسة الجيش و جهاز الاستخبارات الأردنية بحكم معرفته الدقيقة بالجغرافيا في تلك المناطق، وقدرته على التعامل مع هذه الأحداث، إضافة إلى أن سكان تلك المناطق من الصعب عليهم التعرف على عناصر الاستخبارات بخلاف عناصر المخابرات المعروفين للسكان وقدرتهم على التحرك بصعوبة، وبالتالي فإنّ المخابرات الأردنية سلمت هذا الملف لجهاز الاستخبارات بحكم قدرتهم على التحرك بسهولة.
وتكشف المصادر ذاتها أنّ من يلقي الحجارة على الجيش وعناصر الأمن الأردني ليس من المعتصمين الذين أكدوا على سلمية المظاهرات والاعتصامات من اليوم الأول لها، حيث جرت اجتماعات بين الشيوخ والمخاتير والوجهاء في مدينة معان والمناطق التابعة لها بهذا الخصوص، ومنها اجتماع مع متصرف لواء القويرة، وأكدوا أهمية المحافظة على الأمن والسلم المجتمعي، مع حفظ حق التعبير السلمي الذي كفله الدستور الأردني، وقد جرى هذا الاجتماع قبل بداية الأحداث الأخيرة بأسبوع.
الخيار الأمني لحل الأزمة
يؤكدّ عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية، محمد أحمد الروسان، في حديث لـ"عربي بوست"، عندما يكون هناك عجز لإدارة المشهد السياسي الداخلي الأردني، يزيد الأمر احتقاناً، مشدداً على أّنّ الدولة الأردنية فشلت في إدارة المشهد، وسمحت للبعد الأمني بالتدخل فزاد الاحتقان الشعبي.
ويرى الروسان أنّ الأردن تعاني نقصاً حاداً وعميقاً في مهارات المرونة السياسية الاستراتيجية، ولم تدرك مغزى ما يدور في بيئتها الخارجية، فوجدت نفسها بلا حلول ولا قوة بشكل مفاجئ، كاشفاً عن أنّ هناك أكثر من طرف خارجي، دولي وإقليمي، وبعض الأطراف العربية، تريد الدفع بالأردن نحو الانفجار لإسقاط الدولة.
وفي سياق متصل، يرى عضو مجلس النواب الأردني النائب، موسى هنطش، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ الذي يحدث في الأردن كان مقدمة من حوالي عامين للأمر، وكان كل عقلاء البلاد يحذرون من أّنّه سيكون هناك انفجار للشعب الأردني لا تُحمد عواقبه.
مشدداً على أنّه ما يجري هو أنّ الحكومة الأردنية لم تستوعب المشكلات التي يعاني منها المواطنون، من حالة الغلاء المعيشي وتزايد البطالة، ومؤخراً من رفع أسعار المحروقات، الذي لا مبرر لرفعها.
مشيراً إلى أنّ قيمة الضرائب على المحروقات التي تدخل إلى موازنة الدولة الأردنية تصل إلى مليار و200 مليون، وهذه تدفع من جيب المواطن، مشيراً إلى أنّ هذا مؤشر خطير جداً، فقد يصمت الناس على رفع أسعار البنزين، فإنّهم لن يصمتوا على رفع أسعار الديزل والكاز، مؤكداً أنّ العديد من النواب الأردنيين حذروا الحكومة الأردنية من عدم رفع هاتين المادتين، لأنهما تمسان حياة الفقراء مباشرة.
ويُلقي هنطش بالمسؤولية الكاملة على الحكومة الأردنية بسبب موجة التصعيد الحالية بالأردن في ظل إصراره على رفع أسعار المحروقات، بالرغم من أنّ أسعار النفط العالمية تنخفض الذي وصل فيها قيمة البرميل إلى 130 دولاراً، إلى أن انخفض على 78 دولاراً، أي ما يقارب انخفاض 40% من قيمته العالمية.
الشعب الأردني فقد ثقته بالجميع
المشكلة بدأت في أنّ الشعب الأردني فقد ثقته بمجلس النواب وبالمعارضة الداخلية والخارجية، وفقد ثقته بالحراك الأردني، وأصبح أمام واقع مؤلم جداً، وصمد لسنوات، على الرغم من كل المؤامرات التي تمت عليه.
وهذا ما يذهب إليه الناطق باسم الحركة الفكرية الأردنية عمر النظامي، الذي يؤكدّ في حديث خاص لـ"عربي بوست"، بأنّ المنظومة السياسية بالأردن تسعى لإذلال وتفريق الشعب ودس العنصرية واللعب على وتر القبلية والعشائرية الجهوية
مشيراً إلى انّ هذا الشعب واعي وواجه الكثير من الإهانات سواء من الحكومة أو مجلس النواب وأيضاً المعارضة الأردنية تتهم الشعب بأنّه شعب يجب توعيته، وكأنّه شعب لا يفهم ولا يفقه شيئاً.
لماذا تمّ التخطيط لجريمة مقتل العقيد الأردني في معان، يجيب النظامي بأنّ معان تعدّ قنبلة موقوتة، ومعها الكرك، والطفيلة، والجنوب الأردني بشكل عام، إذا تصاعدت الأحداث فيه فإنّ النظام الأردني لن يحتمل الاستمرار، فليس لديهم القدرة على مواجهة أهل معان، لا بالسلاح ولا بالقوات الأمنية ولا بقوات الدرك.
فقرروا أنّهم يجدوا ذريعة ليجعل الشعب الأردني في الشمال والوسط ليلتف حول القيادة الأردنية، ويتخلى عن مطالب سكان الجنوب ويسكت هذه الحراكات والاعتصامات ليتم إنهائها، مشدداً على أنّ تلك الجريمة جريمة مفتعلة -على حد تعبيره- مشدداً على أنّه لو كان الشخص الذي قام بقتله من مسافة قريبة لكان رقبته تطايرت من مكانها، لكنّ عملية الاغتيال تمت عن بعد عبر قناص بمعداته الكاملة وعرف تحديد هدفه وضربه برصاصة مجرد إصابة الجسد تستقر في أقل من جزء من الثانية حتى أنّها يمكن أن تؤذي من حوله من مرافقين.