كشفت صحيفة إسرائيل اليوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو يسعى لتهدئة مخاوف المجتمع الدولي من حكومته المرتقبة، من خلال منح نائب "مثلي الجنس" موقعاً وزارياً متقدماً في حكومته.
يدور الحديث، وفقاً للصحيفة المقربة من نتنياهو، عن تعيين النائب عن حزب الليكود أمير أوحانا في منصب وزير الخارجية، ليكون أول وزير خارجية من فئة مثليي الجنس يرأس هذا المنصب الوزاري الحساس.
يدرك نتنياهو أن إقدامه على هذه الخطوة، سيُساهم في تخفيف الضغط الممارس عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الغربي في أوروبا، في ظل حكومة سيطرت عليها الأحزاب ذات التوجه اليميني المتطرف.
ليس ذلك فحسب، بل يسعى نتنياهو عبر هذه الخطوة لتوجيه ضربة لخصومه في المعارضة، من خلال كسب تأييد الشارع اليهودي، وتحديداً من جمهور العلمانيين، واليسار الذي تتمرس خلفه أحزاب المعارضة وتشكل قاعدته الانتخابية.
كيف تشكل مجتمع المثليين في إسرائيل؟
تتباهى إسرائيل بأنها أكثر الدول انفتاحاً تجاه مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم، كما يطلق على العاصمة -تل أبيب- أنها عاصمة المثليين في الشرق.
ويحظى مجتمع المثليين في إسرائيل بدعم حكومي قلما تجده في دول العالم، إذ توفر الدولة مخصصات مالية لدعم هذا الجمهور، ضمن قوانين وتشريعات تنطلق من افتراضات ساقها المشرعون الإسرائيليون بإجازة حرية الاختيار للفرد.
ومنذ منتصف الثمانينيات، وهي الفترة التي ظهرت فيها بوادر نشوء مجتمع "مثلي الجنس" في إسرائيل، أصدر الكنيست والوزارات المختلفة عشرات القوانين والتشريعات التي لم تتوقف حتى الآن، لتسهيل حياة مجتمع المثليين.
ومن أبرز هذه القوانين ما صدر عام 1988 من سن تشريع في الكنيست لإلغاء قانون تجريم المثلية دون اعتراف بزيجات المثليين رسمياً، وفي عام 1992 تم إلغاء التمييز في الوظائف للمثليين، وفي عام 1993 سُمح لهم بالالتحاق بالجيش.
أما التحول الأبرز الذي شكل منعطفاً في تحول إسرائيل لقبلة المثليين، هو السماح بتدشين مسيرتهم السنوية عام 1998، وهو كرنفال سنوي يقام تحت مسمى "فخر المثليين" يشارك به عشرات الآلاف من داعمي المثلية من جميع أنحاء العالم.
بالإضافة لهذه الامتيازات سُمح للأزواج المثليين بالاستفادة من المنافع نفسها التي يحصل عليها الأزواج من جنسين مختلفين في القطاعين العام والخاص، وتشمل حقوق الزيارة في المستشفيات، وصولاً للضرائب والميراث، وتبني الأطفال، وتسجيل واقعة الزواج حال تم عقد القران في الخارج.
وكانت آخر التشريعات ما أصدرته المحكمة العليا في يوليو/تموز 2022 بالسماح بتأجير الأرحام كطريق للأبوة، وللنساء غير المتزوجات اللاتي لديهن ارتباط وراثي بالأطفال.
المثليون والوصول للسلطة
مع مرور الزمن، تحولت المثلية في إسرائيل لما يشبه ثقافة سائدة، بعد أن حظيت بقبول شعبي، لاسيما في المدن الكبرى، وهذا القبول الشعبي تُرجم في وصول نواب من مجتمع الميم لمراكز صنع القرار السياسي في الكنيست والحكومة.
في عام 2002، يعتبر عوزي إيفين أول مُشرّع إسرائيلي عن مجتمع المثليين، وفي انتخابات عام 2020، وصل عدد أعضاء الكنيست من المثليين لرقم قياسي بستة نواب، أما الكنيست الحالي فيمثله 3 نواب.
ولم يتوقف الطموح السياسي لمجتمع المثليين عند الكنيست، بل وصلوا إلى مراكز صناعة القرار داخل الحكومة، وشكل تعيين المثلي نيتسان هورويتز وزيراً للصحة في حكومة بينيت – لابيد، علامة فارقة في فرض المساواة بين المثليين وغيرهم.
ولعل أبرز إنجازات المثلي نيتسان هورويتز السماح للمثليين بالتبرع بالدم، ليتباهى بهذا القرار قائلاً: "لا فرق بين دم وآخر، فقد انتهى التمييز ضد المثليين في التبرع بالدم".
الصدام بين المتدينين ومجتمع المثليين
تتحفظ الأوساط الدينية، أو ما يمكن تسميتها بالمؤسسة الحاخامية في إسرائيل، على الحرية الجنسية للمثليين، باعتبارها تتعارض مع الشريعة اليهودية، وقد يشكل هذا الموقف إحراجاً لنتنياهو؛ كون حكومته ستتشكل من التيار اليميني الديني.
فور الانتهاء من جولة الانتخابات الأخيرة أثار زعيم حزب "نوعم" (تحالف الصهيونية الدينية) الذي يقوده الحاخام آفي ماعوز قضية المثليين، حينما أشار في تصريحات لإذاعة الجيش بأنه يدرس الإمكانات القضائية لإلغاء "مسيرة المثليين".
ويرى ماعوز أن المثليين يشكلون تهديداً حقيقياً لاستمرار دولة اليهود، كما يتبنى حزبه شعار "إسرائيل تختار أن تكون طبيعية".
سرعان ما أصدر نتنياهو تصريحات جاء بها أنه لن يتم إلحاق أي ضرر بمسيرات فخر المثليين في المدن الإسرائيلية أو بالوضع الراهن المتعلق بمجتمع المثليين، وأضاف: "أنا من يقود الحكومة، وأنا من يحدد سياستها".
وقد يشكل الصدام بين المؤسسة الدينية ومجتمع المثليين إحدى العقبات التي ستواجه حكومة نتنياهو القادمة، حال لم يستطع كبح جماح التيارات الدينية في حكومته، ما سيضعه في مأزق مع الجمهور الإسرائيلي من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى.