عند غروب شمس يوم الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، استقل المواطن يوسف عبد الله مركبته عائداً برفقة زوجته من زيارة في مدينة أريحا، متجهاً عبر طريق المعرجات إلى مدينة رام الله، في مسار كان آمناً تماماً منذ عقود طويلة حتى العام الجاري، فكيف أصبح الطريق في قرى الضفة ملغوماً بكمائن تجعل حركة السكان شبه مستحيلة؟
في الطريق الذي يعد أحد المنافذ الرئيسية للفلسطينيين تجاه جسر الملك حسين مع الأردن، وتسلكه المركبات على مدار الساعة، فوجئ عبد الله بوابل من الحجارة ينطلق من الظلام الدامس الذي يحيط بجانبي الطريق شبه الصحراوي، ويرتطم بزجاج ونوافذ مركبته.
"كانت لحظات مرعبة، أوقفت المركبة بصعوبة لكن رشق الحجارة استمر، أدركت حينها أنه هجوم مخطط"، يقول عبد الله.
ويضيف لـ"عربي بوست": "أظركت أنهم مستوطنون عندما سمعت صراخهم في أثناء ضرب الحجارة.. حطموا المركبة من الخارج بشكل شبه تام".
تمكن المواطن وزوجته من الفرار من المركبة باتجاه الظلام المقابل لجهة ضرب الحجارة، واختبآ إلى حين مغادرة المستوطنين الذين رشقوا عدة مركبات مارة أخرى بالحجارة في تلك اللحظات.
المستوطنون يحولون حياة "الضفاوية" إلى جحيم
بشكل شبه يومي تكمن جماعات من المستوطنين الإسرائيليين للفلسطينيين على الطرقات الخارجية في الليل، وتهاجم مركباتهم بالحجارة، ما جعل مهمة تنقُّل الفلسطينيين بين قراهم ومدنهم بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر.
لم يعهد الفلسطينيون مثل هذا الوضع من قبل، لكن يد الإرهاب الإسرائيلي طالت الفلسطينيين وبغطاء من أصوات تطرف آخذة في التصاعد بالحكومات الإسرائيلية الأخيرة، جعلت من كمائن الإرهاب الليلية ظاهرة قائمة باتت تحكم على الفلسطيني بعدم الخروج من بيته ليلاً عبر طريق يمر بجانب إحدى المستوطنات أو عبر طريق خارجي يربط مدينة فلسطينية بمدينة أخرى.
يقول محمد عابد الذي بات يخشى تعرضه لهجوم من المستوطنين وهو في طريقه إلى أصدقائه الذين اعتادوا الاجتماع في كل ليلة لقضاء وقت سعيد: "إنه وضع صعب، كنت معتاداً الخروج عند المساء للقاء أصدقائي على بعد بضعة كيلومترات من مكان سكني، لكن هذه الحالة الجديدة جعلت من وصولي لهم أمراً خطيراً".
وخلال الأسابيع الأخيرة تكثفت الهجمات بشكل كبير، على خلفية التوتر المتصاعد في الضفة والاشتباكات مع الاحتلال في نابلس وجنين، لكن الكمائن على طرق حيوية محددة أصبحت غير مرتبطة بالأحداث في الضفة ولا تحمل طابعاً انتقامياً، بل تحولت لعمل ممنهج.
قُطاع طرق..
صار المستوطنون أشبه بقُطاع طرق، ينتشرون على شوارع الضفة ويتعمدون إلحاق أكبر أذى بالمواطنين ومركباتهم، إذ يكمنون باستمرار على امتداد طريق ألون الاستيطاني الذي يربط شمال الضفة بجنوبها، وأيضاً على طريق المعرجات، كذلك الحال في شمال الضفة.
يقول الدكتور عدوان عدوان، وهو محاضر في جامعة النجاح بنابلس، إنه نجا من هجوم مجموعتي مستوطنين على الطريق الواصل بين مدينتي طولكرم ونابلس، لكن زجاج مركبته تحطم وتضررت الهيئة الخارجية بفعل الحجارة.
وتعيد هذه الهجمات إلى الأذهان استشهاد عائشة الرابي، وهي أم لثمانية أبناء، من سلفيت، إثر إصابتها بجروح خطيرة أحدثتها حجارة ألقاها مستوطن على سيارة كانت تستقلها برفقة زوجها وطفلتهما، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ويقول مدير البحث الميداني في منظمة بتسيلم كريم جبران، لـ"عربي بوست"، إن هذه الهجمات تصاعدت في الفترة الأخيرة مع تغير في طبيعتها، إذ أصبحت تتم في جنح الظلام وبشكل سري ومباشر، من قبل مجموعات كبيرة من المستوطنين من شمال الضفة حتى جنوبها.
ويضيف جبران أن هذه الهجمات تتم تحت مرأى قوات الشرطة الإسرائيلية التي لا تحاول بشكل حقيقي منعها.
"هجمات لا يمكن حصرها.."
"لا يمكن حصر عدد هذه الهجمات، لأنها كبيرة جداً.. وقد تقود لسقوط ضحايا"، يتابع جبران، لافتاً إلى أن عشرات المواطنين تعرضوا لإصابات من جراء هذه الهجمات خلال الآونة الأخيرة.
وتقول صحيفة هآرتس نقلاً عن مسؤولين في جهاز الشاباك الإسرائيلي، إنه خلال عشرة أيام في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفذ المستوطنون أكثر من 100 اعتداء على الفلسطينيين، لافتة إلى أن شرطة الاحتلال تفضل مواجهة الفلسطينيين وتجنب الدخول في صدام مع المستوطنين.
وينتمي قسم كبير من المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين على الطرق، إلى جماعة شبيبة التلال الإرهابية وهي جماعة نشطت خلال العقد الأخير وسيطرت على أراضٍ في الضفة بقوة الإرهاب، وبنت بؤراً استيطانية بمحاذاة غالب الطرق الرئيسية التي تربط مدن الضفة بعضها ببعض، وسرعان ما أصبحت هذه الجماعة أداة في يد حكومة الاحتلال لطرد الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية وكذلك القضاء على حياة البادية الفلسطينية الممتدة على جبال وتلال الضفة الغربية ومساحاتها الرعوية الفارغة.