أكد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، تطلعه للعودة إلى الحياة السياسية من جديد، كما تحدث عن قضايا عديدة على رأسها محاولة اغتياله والعلاقة مع واشنطن، وذلك في مقابلة مطولة مع مجلة Foreign Policy الأمريكية، الإثنين 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
المجلة قالت إنها أجرت المقابلة معه داخل منزله "المحصّن" في مدينة لاهور، حيث تحدث عن إرثه وتطلعاته، وعلاقاته مع واشنطن، والطريقة التي سيتعامل بها مع التضخم والبطالة وارتفاع الدين القومي إذا عاد إلى إلى السلطة.
"فرض سيادة القانون"
واستهلت المجلة الأمريكية مقابلتها بسؤال خان عما حققه كرئيس للوزراء بين عامي 2018 و2022، والكيفية التي سيتعامل بها مع مشكلات البلاد المذكورة أعلاه. فأجاب عمران قائلاً إن "الاقتصاد قد تراجع في الأشهر السبعة الماضية منذ تركه للمنصب". حيث فقدت الأسواق المالية ثقتها، كما أظهر استطلاعٌ حديث من Gallup أن الشركات فقدت ثقتها في الحكومة.
فيما أوضح خان أنه سيفعل ما كان يحاول فعله طوال الـ26 عاماً الماضية -إذا حصل على فرصةٍ أخرى-، ألا وهو "فرض سيادة القانون". حيث يعتمد الاقتصاد على سيادة القانون التي تعني إتاحة فرص متكافئة للجميع، والسماح للصناعات الصغيرة والمتوسطة بالازدهار، على حد تعبيره.
ويرى خان أن سيادة القانون والاقتصاد مرتبطان. لكنه يشعر بالأسف لأنه عجز عن فرض القانون على عصابات المافيا النافذة خلال فترته السابقة، لأن الحكومة كانت ضعيفةً للغاية، وكانت مجرد حكومة ائتلافية بأغلبية هشة.
العلاقة مع واشنطن
وتطرقت المجلة الأمريكية بعدها إلى مسألة توجيه خان اللوم للولايات المتحدة على انتهاء ولايته الأولى قبل موعدها. وسألته عما إذا كان هناك أمل لإقامة علاقات ثنائية طبيعية بين البلدين أم لا. فأجاب خان قائلاً إن بلاده "ترغب بالتأكيد في إقامة علاقة كريمة قائمة على الاحترام المتبادل مع الولايات المتحدة، كما هو حال علاقة الولايات المتحدة بالهند".
إذ لطالما كانت علاقة الولايات المتحدة بباكستان قائمةً على تبادل المعاملات. حيث كانت الولايات المتحدة تقدم المعونات لباكستان في الماضي، بينما دفعت باكستان ثمناً باهظاً في المقابل، حسب المجلة.
وأكّد خان أنه لطالما أعرب عن رغبته في وجود علاقة بين البلدين مستقبلاً، كشركاء في السلام. كما تنصب أولويته على انتشال شعبه من الفقر، في بلدٍ يواجه عدد كبير من سكانه خطر الفقر.
لكنه لن يستطيع انتشال شعبه من الفقر إذا دخلت بلاده في صراعات مثل الانضمام إلى "الحرب على الإرهاب"، التي راح ضحيتها 80 ألف باكستاني دون ذنب.
محاولة اغتيال عمران خان
ثم انتقلت المجلة إلى الاتهامات التي وجهها خان لرئيس الوزراء الحالي شهباز شريف بمحاولة اغتياله في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وسألته عما إذا كانت لديه أدلة تدعم ذلك الاتهام.
ورد خان قائلاً إنه كان على علمٍ بالخطة، وكان يعرف بها في وقت التخطيط لها. وأوضح أن القيادة السياسية توقعت أن الشعب سيحتفل بعد إبعاده عن الحكومة، وأن حزبه سيضعف وربما يتفكك. لكن ما حدث هو أن الشعب خرج إلى الشوارع احتجاجاً للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بحسب قوله.
ثم أردف أنهم حاولوا حرمانه من المنافسة، واتهموه بالإرهاب، وفعلوا كل ما بوسعهم لإيقافه. ولم يعد أمامهم سوى حل واحد في النهاية. حيث "فبركوا" مقطع فيديو بصوته واتهموه بالكفر.
بينما شدّد خان على أنه كان يعلم بالمؤامرة مسبقاً، ويعرف أنهم سيقتلونه ثم يلقون باللوم على أحد المتعصبين الدينيين لارتكابه تصرفاً فردياً.
وأوضح خان أنهم وضعوا خطةً متكاملة تتضمن اثنين من مطلقي النار، حتى يضمنوا القضاء عليه في حال فشل أحدهما. لكن أحد الحاضرين في الجمهور رأى المسلح على بعد أقدام من خان ودفع ذراعه إلى الأسفل، فاستقرت ثلاث طلقات في ساق خان. وانهار خان بعدها على الفور، لتمر طلقات المسدس الآخر فوق رأس خان مباشرةً. ولهذا يعتبرها خان محاولة اغتيال واضحة.
العلاقة مع الجيش
أثارت المجلة الأمريكية بعدها مسألة وصول خان إلى منصب رئيس الوزراء بمساعدة الجيش الباكستاني، وتحوّله بعدها إلى واحد من أشد منتقدي سلطة الجيش. وتساءلت عما إذا كان بحاجةٍ للجيش من أجل العودة للسلطة أم لا، وعما إذا كانت لديه خطط لتقييد دور الجيش المتضخم في إدارة البلاد.
وأجاب خان عن ذلك قائلاً إن تطور المؤسسة العسكرية يمثل "حقيقةً واقعية". واصفاً الجيش بأنه "المؤسسة الوحيدة السليمة داخل البلاد"، بينما تعيش بقية المؤسسات الأخرى حالةً من الفوضى. إذ عاشت باكستان نصف الـ60 عاماً الماضية تحت حكم عائلتين ملتويتين، والنصف الآخر تحت حكم الجيش.
ويرى خان أن الجيش يمكنه التعاون بفاعلية مع إدارةٍ مدنية إذا استُخدِم بالشكل الملائم. وأوضح أن "ما تحتاجه البلاد هو تحقيق التوازن الصحيح. ولن ينجح أي نظام إدارة في العالم إذا كان يتحمل المسؤولية دون سلطة. بينما تحتاج باكستان إلى الموازنة والتوازن حتى تتمكن من الحصول على حوكمةٍ أفضل".
كما أردف خان أنه يشعر بوجود حالة إعادة تقييم متواصلة لطريقة إدارة البلاد داخل باكستان. وذكر أن هناك نقاشاً هائلاً حول تحقيق ذلك التوازن، وتحقيق سيادة القانون. ولهذا يؤمن بأن الأمور ستتغير، وأن البلاد ستعثر على التوازن الجديد.
العلاقات مع روسيا والصين
واختتمت المجلة الأمريكية أسئلتها بالتطرق إلى قضية الصين، التي تعتبر شريكاً تجارياً مقرباً لباكستان منذ سنوات. إذ لم يتحدث خان من قبل عن معاملة الحكومة الصينية لإخوانه المسلمين من الإيغور، وهو الأمر الذي وصفته الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية.
فأوضح خان أن الإدلاء بتصريحات أخلاقية عن البلدان الأخرى يُعَدُّ "رفاهيةً" للدول الغنية. أما الدول الفقيرة مثل باكستان فلا يمكنها تحمل تكلفة مثل تلك التصريحات بسبب تداعياتها الاقتصادية.
من جانب آخر، أفاد خان بأنه زار روسيا للحصول على نفط رخيص، واشترى منها مليوني طن من القمح لأنها منحته سعراً مخفضاً.
وأكد مرةً أخرى أن لديه 120 مليون مواطن باكستاني يواجهون خطر الفقر. لهذا "لم يُدِن الهجوم الروسي، بل امتنع عن الإدلاء برأيه، كما فعلت الهند".
لكنه لفت إلى أن ذلك "لا يرجع إلى دعم مثل تلك الدول للهجوم، بل لأن انتقاد السياسات والتصرفات الأجنبية الخاطئة للحكومات الغنية له تداعياته الاقتصادية على الشعوب الفقيرة".