للمرة الخامسة يخفق نواب البرلمان اللبناني في اختيار رئيس للجمهورية ليكون خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون، ما ينذر باستمرار فترة الفراغ الرئاسي وامتدادها لشهور أخرى، إلا أن حركة سياسية رصدها "عربي بوست" توحي بإمكانية حصول اتفاق خلال الأشهر القادمة يحل أزمة اختيار الرئيس.
وتشير المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" إلى أن وفداً فرنسياً زار بيروت مطلع الأسبوع المنصرم، والتقى مسؤولين في حزب الله، على رأسهم نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، والمعاون السياسي للأمين العام، الحاج حسين الخليل، وجرى نقاش بين الطرفين حول الملف الرئاسي.
وبحسب المصادر المطلعة، فإن الحزب أبلغ الفرنسيين التزامه بمبدأ الإتيان برئيس تتوافق عليه كل الأطراف السياسية، انطلاقاً من تجربة الحزب خلال عهد الرئيس ميشال عون.
فيما تشير المعطيات إلى أن الحزب أكد للجانب الفرنسي أنه يريد رئيس جمهورية "لباقي الأطراف حصة به"، كي لا يتحمّل الحزب منفرداً مسؤولية اي أزمة سياسية أو اقتصادية.
فيتو لرفض فرنجية
تؤكد مصادر سياسية مطلعة على سير الاتصالات الجارية في كواليس المشهد السياسي اللبناني لـ"عربي بوست" أن ثمة قناعة باتت واضحة لحزب الله، باستحالة الإتيان بحليفه سليمان فرنجية للرئاسة، انطلاقاً من "فيتو" مسيحي من الكتل المسيحية الرئيسية على فرنجية، وهي كتلة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب.
إضافة إلى إعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، رفضه انتخاب فرنجية، كونه يمثل أحد أطراف النزاع الداخلي، كذلك فإن باقي أركان المعارضة من التغييرين والمستقلين لا يمكنهم القبول بصيغة فرنجية، كونه امتداداً لعهد سابق حليف لحزب الله ونظام بشار الأسد، وتشير المصادر إلى استبعاد القبول العربي والأوروبي والأميركي به، منعاً لتكرار تجربة القوى الدولية مع ميشال عون وجبران باسيل.
اجتماعات ومبادرات وأسماء
يصرح مصدر حكومي رفيع لـ"عربي بوست" أن حراكاً سياسياً في الكواليس يعمل على تنسيق الجهود بين كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بهدف التوصل لخارطة طريق مرتقبة تتيح الإتيان برئيس توافقي للجمهورية من خارج نادي الأقطاب المسيحيين (جبران باسيل – سليمان فرنجية – سمير جعجع).
هذا الحراك يجري ربطه بحزب الله والبطريركية المارونية، والتي تتحرك رئاسياً مع أطراف عديدة بحسب المصدر، وأبرز هذه الأطراف هي فرنسا والفاتيكان والولايات المتحدة الأميركية، إضافة لأطراف عربية، على رأسها السعودية.
وبحسب المصدر، فإن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ينطلق من مجموعة أسماء لرئاسة الجمهورية، ويقوم بنقاشها مع الأطراف السياسية، وهم قائد الجيش جوزيف عون، ووزير الخارجية السابق ناصيف حتى، والذي يحظى باحترام قوى المعارضة، كذلك يجري نقاش اسمين وهما الوزير السابق روجيه ديب، والعميد جورج خوري، المدير السابق للمخابرات، ووفقاً للمصدر نفسه، فإن هذه الأسماء هي نتاج نقاشات مستمرة محلية وخارجية.
ويشير المصدر إلى أن هذه الأسماء كانت محط نقاش بين الراعي وبين المعاون السياسي لبري، الوزير السابق علي حسن خليل، والذي زار الصرح البطريركي منذ أيام موفداً من بري لبحث إمكانية التوافق على أسماء رئاسية، كذلك يؤكد المصدر أن الراعي أجرى مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل جولة حول هذه الأسماء، فيما لم تتضح مواقف باسيل منها حتى اللحظة.
بين باسيل وحزب الله
بالمقابل يشير الصحفي والمحلل السياسي، عماد مرمل، أن حزب الله لن يتنازل بسهولة عن خيار فرنجية، خصوصاً أن الوضع الإقليمي – الدولي المتشنج يتطلب وجود رئيس للجمهورية من فريقه في الرئاسة.
أما بالنسبة إلى باسيل، فليس معروفاً إلى أي درجة يستطيع أن يمضي في مخالفة مقاربة حزب الله للأسباب الاستراتيجية التي تُملي انتخاب فرنجية، وبحسب مرمل فإن باسيل كان قد استبق أي ضغط مُحتمل بالتأكيد أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، لا يمون عليه في مسألة انتخاب رئيس غير مقتنع به.
ويشير مرمل إلى أن باسيل يحاول الدفع نحو استبدال فرنجية باسم آخر يتم التفاهم عليه مع رئيس حزب الله وفرنجية نفسه ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ويمكنه أن يجمع بين طَمأنة حزب الله استراتيجياً وملاقاة التيار الوطني الحر في نظرته إلى مشروع إصلاح بناء الدولة.
ويعتقد مرمل أن رافضي هذه المقاربة التي يطرحها باسيل، داخل فريق 8 آذار يلفتون إلى أن تجارب التيار مع اختيار الأسماء في مواقع الدولة لا تشجع على تكرارها في رئاسة الجمهورية، إذ إن أغلب الذين اختارهم في مراكز متنوعة، على قاعدة أنهم قريبون منه، انقلبوا عليه لاحقاً.
وبالتالي ما الذي يضمن أن أي رئيس يتم اختياره من خارج نسيج 8 آذار لن ينقلب على الحزب والتيار بعد حين، كما فعل سابقاً رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان.
عزلة سياسية لا تسهل له مهمة رفع السقف..
بالتوازي، تعتقد الكاتبة السياسية، جوزفين ديب، أن باسيل رغم الموقف المناور الذي يمكن أن يتبناه في سياق رفضه لفرنجية، إلا أنه غير قادر على فك حلفه مع حزب الله، لأنه غير قادر على الاجتماع مع أحد من القوى السياسية الداخلية، وبالتالي فإنّ عزلته السياسية لم تسهل له مهمة رفع السقف تجاه الحزب لقطع الطريق على فرنجية.
وتشير ديب إلى أن حزب الله يدرك أن أي تقاطع سياسي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وجنبلاط والتمثيل السني في البرلمان، لن يستطيع خرق قراره النهائي، غير أنّ تمسّكه بفرنجية يبقى أداة "تعطيل سياسي"، وسياسة مواجهة قد تنتهي بقوله لفرنجية "إنّنا فعلنا ما بوسعنا، ولم يعد بإمكاننا القيام بشيء"، وقد تنتهي وفق ديب بأزمة سياسية لا مثيل لها قد تطيح بالتوازنات السياسية التي نعرفها اليوم.
من جانبه، أكد المحلل السياسي اللبناني، ربيع دندشلي، أن حزب الله يعيش أزمة سياسية كباقي الأطراف الأخرى، لا سيّما أن حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أبلغ الحزب أنه لا يفضل هذه المرة فتح الباب أمام تعطيل رئاسي طويل حتى من أجل حليفهم سليمان فرنجية.
وكان ذلك انطلاقاً من حقيقة ثابتة مهمة هي أن الظروف اليوم مختلفة عن مرحلة 2014-2016 والتي فتحت الباب أمام معركة سياسية فرضت على الأطراف حينها التوافق على مرشحه ميشال عون.
فيما وفقاً لدندشلي، فإن الظروف باتت مختلفة، وأن لبنان في أزمة انهيار مالي تحتم انتخاب رئيس سريعاً في ظل التقاطع الدولي والإقليمي على مساعدة لبنان بعيداً عن الأزمات الكبرى، وهذا الرئيس مطلوب منه إعادة فتح أبواب العلاقة مع العرب والغرب. من هذا المنطلق يعتقد دندشلي أن حزب الله لا يمانع حصول تسوية محلية وخارجية على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في إطار سلة متكاملة تحفظ له حضوره وسلاحه.
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، أخفق نواب البرلمان 5 مرات أحدثها الخميس، في انتخاب خلف لميشال عون الذي انتهت ولايته الرئاسة بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط توقعات باستمرار الفراغ الرئاسي عدة أشهر.
على مدى 79 عاماً لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، وبعد استقلال لبنان حصل شغور رئاسي 3 مرات.