يثير صعود المتشددين في الكرملين، قلقاً لدى رجال النخبة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يخشون من أن يستجيب بوتين لمطالب المتشددين بمواجهة أكبر مع الغرب، وتنفيذ "قمع كاسح" داخل البلاد، ويُعد مؤسس مرتزقة "فاغنر" يفغيني بريغوجين من بين أبرز الشخصيات المسببة للقلق.
وكالة Bloomberg الأمريكية، قالت الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن كبار المسؤولين التنفيذيين والحكوميين راقبوا بقلق متنامٍ بعض الشخصيات التي كانت هامشيةً في السابق تتقدم إلى الواجهة، مثل بريغوجين، حيث أصبحوا يمثلون القوى العامة التي تدفع بوتين إلى تعزيز جهود حربه الشاملة.
طالب بريغوجين علناً بـ"قمع ستاليني عاجل" لأباطرة الأعمال الذين لا يبدون حماسة كافية لدعم جهود الحرب، الأمر الذي أثار مخاوف لدى بعض الأثرياء الروس حيال سلامتهم وسلامة ذويهم.
في هذا الصدد، نقلت الوكالة عن "بعض المطلعين"- دون أن تذكر أسمائهم- قولهم إن هناك خشية من عودة عمليات التطهير والاعتقالات التعسفية، ومع استدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط، بدأ المسؤولون في سؤال بعضهم بعضاً خلسةً عن سلامة بقية أفراد عائلاتهم؛ لقلقهم من الاعتراف علناً بأنهم أرسلوا أولادهم الذين بلغوا سن التجنيد إلى خارج البلاد.
أحد المسؤولين البارزين في روسيا، وصف الوضع الراهن بأنه "يشبه الديكتاتورية العسكرية"، لكن دون انقلاب عسكري يسبقها، وقالت مصادر الوكالة الأمريكية: إن "القلق العميق حيال المستقبل لم يُترجم حتى الآن إلى أي مقاومةٍ داخلية لتصعيد بوتين المتواصل".
كذلك وعلى الرغم من إعلان بوتين أن التعبئة العسكرية بالبلاد انتهت في الوقت الراهن، فإن كثيرين في أوساط نخب رجال الأعمال والبيروقراطيين يشعرون بالقلق من تسارع وتيرة عسكرة الاقتصاد والمجتمع.
ازداد مخاوف هؤلاء بعدما شكّل بوتين لجنةً خاصة من كبار المسؤولين الحكوميين والأمنيين لتنسيق السياسة الاقتصادية، من أجل دعم صناعة الدفاع والجيش، وشبه البعض تلك اللجنة بحكومة الحرب في عهد ستالين.
بحسب الوكالة الأمريكية، يعارض كثيرون الحرب في صمتٍ حتى داخل الحكومة، لكنهم يخشون الحديث علناً، بحسب أشخاص مقربين من القيادة، فيما سعى أباطرة الأعمال للبقاء بعيداً عن السياسة؛ أملاً في أن يحافظوا على علاقتهم الجيدة بالكرملين، وحتى تستمر أعمالهم التجارية.
رجُلا بوتين
تنقل Bloomberg أيضاً عن أحد المسؤولين، قوله إنه ليس أمام بوتين خيار سوى الاعتماد على الشخصيات الهجومية مثل بريغوجين ورمضان قديروف، الزعيم الشيشاني؛ نظراً إلى سوء أداء الجيش الروسي في الحرب بأوكرانيا حتى الآن، والدعم الفاتر للحرب من حكومته.
كذلك يمتلك كل من بريغوجين وقديروف قوات موالية لهما ومدججة بالأسلحة الثقيلة، وتشارك في الحرب بأوكرانيا.
يقول أندري كوليسنكوف، من مؤسسة "كارنيغي": "يتصرف بريغوجين كأنه حكومة موازية. وربما يكون قادراً على التنافس من أجل السلطة. وإذا لم يحدث ذلك في عهد بوتين، فسوف يحدث من بعده مباشرةً".
كان بريغوجين قد افتتح ناطحة سحاب من الزجاج والفولاذ في سانت بطرسبرغ يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وأطلق عليها اسم "مركز فاغنر"، كما أعلن أن مجموعة فاغنر تخطط لإنشاء مراكز تدريب لـ"الميليشيات" في المناطق الحدودية القريبة من منطقة الحرب.
في مؤشر آخر على قوة بريغوجين، تقدم الأخير بشكوى نادرة إلى المدعين العامين ضد محافظ سانت بطرسبرغ، الذي يُعتبر من حلفاء بوتين ومن أقدم منافسي بريغوجين، ورأت الوكالة الأمريكية أن صمت الكرملين العلني عن هذه القضية قد صدم المطلعين.
ظهر بريغوجين أيضاً في أكثر من مناسبة وهو يرتدي وسام بطل الاتحاد الروسي، لكن لم يتضح ما إذا كان يلتقي بوتين بشكلٍ متكرر أم لا، إذ يقول بعض المطلعين في الكرملين إن بريغوجين يلتقي الرئيس الآن أكثر من ذي قبل، بينما يقول آخرون إنه ليس عضواً في مجموعة المتشددين الصغيرة والمقربة من بوتين.
يُنظر إلى بريغوجين باعتباره حليفاً للقائد العسكري الجديد الذي نصّبه بوتين لقيادة العملية الأوكرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهو سيرغي سوروفيكين، حيث اشتهر سوروفيكين بتكتيكاته الوحشية في سوريا، التي قاتل فيها إلى جانب قوات فاغنر.
كما اشترك بريغوجين في الرأي مع قديروف، حيث انتقد الثنائي مهارة قيادات الجيش، خاصةً في أعقاب استرداد القوات الأوكرانية للأراضي في خاركيف خلال شهر سبتمبر/أيلول 2022.
من جانبه، قال ميخائيل خودوركوفسكي، المنشق الروسي البارز والسجين السياسي السابق، إن قادة مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر"، صار لديهم من النفوذ السياسي في الكرملين ما يساوي النفوذ السياسي لوزراء بارزين في نظام الحكم بروسيا، مثل وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو.
جاءت تصريحات خودوركوفسكي في حديث للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الثلاثاء 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
كذلك يصف المطلعون الرئيس الروسي حالياً بأنه "منعزل بصورة متزايدة"، ولا تحيط به سوى مجموعة صغيرة من المتشددين، بينما لا يقبل أي آراء ناقدة.
يتوقع العديد من المسؤولين إعلان جولة تعبئة جديدة مطلع العام المقبل، وتقول تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة R Politik للاستشارات السياسية: "أصبحت مشاعر اقتراب الهلاك قويةً بعد أن جرت كل الأمور بهذه الشاكلة".