كشف مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"عربي بوست"، أن فرنسا تقود اتصالات مستمرة مع دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا وسويسرا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إطلاق مبادرة إيجاد مخرج سريع وعاجل للفراغ الرئاسي والحكومي في لبنان.
وتهدف هذه المبادرة التي تسعى إليها باريس مع دول غربية أخرى إلى المساهمة في بدء إطلاق ورشة إصلاح داخلي كممر إلزامي للسير في خطة التعافي المالية والاقتصادية الحادة التي يواجهها لبنان منذ مدة طويلة.
من جهته كشف مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست"، أنه لا مؤشرات حقيقية حتى اللحظة داخل لبنان توحي بإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد في وقت قريب، بسبب غياب أي بوادر لتوافق حول شخص الرئيس المستقبلي.
وأكد المصدر نفسه أن ظروف التوافق لاختيار الرئيس الجديد مازالت غائبة، في ظل عدم وجود توافق إقليمي ودولي حتى الساعة حول الموضوع، وهو أمر الضروري، لأن الأطراف الداخلية تنتظر الضوء الأخضر الخارجي لإجراء هذا الاختيار.
اجتماع أوروبي في بروكسل
كشف مصدر دبلوماسي غربي لـ"عربي بوست" أن خلية أوروبية-أمريكية اجتمعت منذ أيام في بروكسل، لتداول الأزمة السياسية في لبنان، وتوصلت إلى أن المرشحين المسيحيين وهم سليمان فرنجية، وجبران باسيل، وسمير جعجع) لن يتمكن أي شخص منهم من إقناع الآخر بوصوله للرئاسة.
وطالبت الخلية بضرورة إيجاد أسماء بديلة للتوافق عليها للرئاسة محلياً وحتى إقليمياً، في ظل التحولات الجارية في المنطقة مؤخراً، وذلك ربطاً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية، والحرب الأوكرانية وتبعاتها على منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً لبنان.
بحسب المصدر الدبلوماسي الغربي فإنه جرى التوافق على خارطة طريق للإتيان برئيس في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة من خارج نادي التنافس الحزبي، يستطيع العمل على حل المعضلات بشكل سريع من خلال طمأنة المجتمع الدولي والعالم العربي.
وتقول الخلية إن الرئيس المقبل يجب أن يتوافق مع رئيس الحكومة لإدارة الأزمة والإحاطة بها اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي تآكلت نتيجة الانهيار المالي، والإمساك بالوضع الأمني، وضمان الاستقرار في ظل الخوف الأوروبي المستمر من تدفق اللاجئين غير الشرعيين.
وترى الدول الغربية، حسب مصدر "عربي بوست"، أن قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، هو الأقدر على إدارة هذه المرحلة، انطلاقاً من الثقة التي يتمتع بها الرجل داخلياً حتى من حزب الله، كذلك فإن قائد الجيش حظي بدعم عسكري ومالي ولوجيستيكي للجيش من قبل واشنطن وباريس والدوحة.
قائد الجيش.. مرشح الغرب
بالتوازي، يؤكد المصدر نفسه أن باريس تعمل على خط إيران وحزب الله، لإقناعها بضرورة التنازل عن فكرة ترشيح أي حليف للحزب للرئاسة، وذلك لتجنيب البلاد أي قطيعة دولية وعربية، خاصةً السعودية ودول الخليج.
ويشير المصدر الذي تحدث لـ"عربي بوست"، إلى أن الأوروبيين كما هم حريصون على تبديد الهواجس العربية للإتيان بدعم مالي واقتصادي للبنان، كذلك سيعملون على ورقة التزامات وضمانات لحزب الله لإزالة مخاوفه.
أسماء أخرى مقترحة
بالتوازي، قال مصدر حكومي لبناني، إن باريس طرحت أسماء أخرى يمكن أن تشغل منصب رئيس الجمهورية اللبنانية، وذلك في لقاء وزراء خارجية فرنسا والسعودية وأمريكا، سبتمبر/أيلول المنصرم، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، تقترح باريس كلاً من الوزير السابق زياد بارود، ومدير الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، ووزير الخارجية اللبناني السابق ناصيف حتي لشغل منصب رئيس لبنان القادم.
بالمقابل، يؤكد المحلل السياسي، منير الربيع، أن القوى الداخلية والخارجية تُجمع على أنه لا بد من الوصول إلى درجة من درجات التوافق لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يبدأ لدى اقتناع اللبنانيين كافة بأنه لا مهرب من التوافق والتنازل، الشيء الذي لم يحصل إلى الآن.
ما موقف حزب الله وحلفائه؟
مازال حزب الله يُحاول إقناع حليفه، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بالتوافق على دعم سليمان فرنجية، ليكون الرئيس اللبناني المقبل، إلا أن جبران مازال يدعم نفسه، ويرفض أن يتبنى نفس موقف نصر الله.
وقال جبران باسيل، عقب خروجه الإعلامي بعد اللقاء مع نصرالله، إن هذا الأخير حاول إقناعه بدعم ترشيح سليمان فرنجية لمنصب رئيس الجمهورية اللبنانية، إلا أنه يرفض ذلك، والحزب لن يقول له ماذا سيفعل.
الصحفي السياسي طارق ترشيشي قال إن هناك تطوراً نوعياً برز على صعيد النقاش الدائر بين فريق تحالف التيار الوطني الحر وقوى 8 آذار، منذ اللقاء الأخير بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وجبران باسيل.
وأضاف المتحدث أن حزب الله حتى وإن لم يُعلن إلى الآن عن اسم مرشحه، إلاّ أنّه يسعى إلى توحيد موقفه هو وحلفاؤه خلف مرشح واحد، للحصول على أكبر عدد من الأصوات النيابية اللازمة للوصول إلى عتبة الـ75 صوتاً لدعم مرشحه سليمان فرنجية.
الصحفي السياسي طارق ترشيشي قال إن حزب الله استند في محاولة إقناع جبران باسيل على رغبته في حماية ما يسميه "ظهر المقاومة"، نظراً للتطورات الإقليمية السلبية المقبلة، وإقناع التيار الوطني الحر بأن سليمان فرنجية يخدم مصلحته الشخصية.
نبيه بري يدعم حزب الله
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن نبيه برّي، رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل الشيعية، الحليفة لحزب الله، يتبنى خيار سليمان فرنجية، وقد توافق مع الحزب على أن يكون توجههما موحداً إزاء الاستحقاق الرئاسي بخلاف ما حصل في العام 2016.
وأشار المتحدث إلى أن نبيه برّي أبدى قدرته على إقناع فرقاء متعددين بخيار ترشيح سليمان فرنجية ليكون الرئيس القادم للبنان، بحال نجح حزب الله في إقناع باسيل بتبني نفس الخيار والتصويت عليه في البرلمان.
من جهته يؤكد المحلل السياسي المقرب من حزب الله، قاسم قصير، أنه في المعركة الرئاسية ما زال حزب الله يعتمد قاعدة إبقاء كلّ الخيارات مفتوحة، بحيث لا يحسم القرار النهائي بتبنّي أيّ مرشّح قبل وضوح الرؤية داخلياً وخارجياً.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن حزب الله حريص على حليفَيْه الرئيسين، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وأيّ قرار سيتّخذه مستقبلاً سيكون من خلال التنسيق معهما وبالتوافق بينهما.
ويرى قصير أن حزب الله مطمئنّ للتغيّرات الداخلية والخارجية، وعلى الرغم من انتهاء عهد حليفه القويّ ميشال عون، فهو يعتمد استراتيجية أساسية؛ كي يكون الأقوى في المرحلة المقبلة وشريكاً أساسياً في صوغها بكلّ تفاصيلها.
وأشار المتحدث إلى أن حزب الله يمتلك الآن الأوراق القوية التي سيستعملها ويقدر على الاستفادة منها لتحقيق أهدافه، وحاضر للتسويات والتوافقات الداخلية عندما يحين وقتها.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”