تخلَّت حكومة حزب المحافظين البريطانية، دون إعلان صريح، عن قرارٍ سابق بالعمل على وضع تعريف رسمي للإسلاموفوبيا؛ ما أثار استنكاراً من منظمات إسلامية واحتجاجات من معارضين بريطانيين، حسب ما نشره موقع Middle East Eye البريطاني.
يأتي ذلك بالتزامن مع بداية الذكرى السنوية العاشرة لـ"شهر التوعية بالإسلاموفوبيا"، وهي حملة أطلقتها منظمات إسلامية بريطانية في عام 2012، لكن تقريراً نشرته صحيفة The Independent البريطانية قبل بضعة أيام من حملة هذا العام، أكَّد أن مايكل غوف، وزير شؤون الإسكان والمجتمعات، يعارض وضع تعريف رسمي للإسلاموفوبيا وينوي التخلي عن قرار طال انتظاره من الحكومة البريطانية بالإعلان عن تعريف رسمي للظاهرة والعمل به.
"استهتار" من الحكومة البريطانية
في معرض التعليق على ذلك، قالت خديجة الشيال، الباحثة في جامعة إدنبرة والمعنية بدراسة الإسلام في بريطانيا، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "المؤيِّد لقرار وضع تعريف رسمي والمعارض له، كلاهما لديه حجج جديرة بالنظر فيها، لكن الجاليات والمنظمات الإسلامية كانت ترى أن اعتماد تعريفٍ يثقون به سيكون إشارة إلى أن الحكومة تأخذ قضية الإسلاموفوبيا على محمل الجد، فضلاً عن إمكان اتخاذ هذا التعريف مرجعية لإنصاف المتضررين من الإسلاموفوبيا الكامنة في المؤسسات، وموضع إحالة لدعاة التوعية المناهضة لها".
وكانت المجموعة البرلمانية لنواب الأحزاب المعنيين بشؤون المسلمين البريطانيين قد خلصت في بيان أصدرته عام 2019، بعد 6 أشهر من المشاورات، إلى أن "الإسلاموفوبيا تستمد جذورها من العنصرية، وهي نفسها نوع من العنصرية التي تسعى إلى مهاجمة المظاهر الحقيقية للإسلام في المجتمع والمتصورة عنه".
وقد تبنّى كل من حزب العمل والحزب الديمقراطي الليبرالي التعريف الوارد في هذا البيان، إلا أن حزب المحافظين الحاكم رفض إقراره، وأعلن جيمس بروكنشاير، وزير المجتمعات المحلية آنذاك، أن الحكومة ستضع تعريفها الخاص للإسلاموفوبيا "من أجل الوقوف على طبيعة هذه الظاهرة المثيرة للتعصب والانقسام".
فيما استعانت الحكومة بالعالم المسلم محمد عاصم في يوليو/تموز 2019 لتقديم المشورة لها بشأن تعريف للإسلاموفوبيا، لكنه قال لاحقاً إن مسؤولي الحكومة البريطانية ووزير المجتمعات تجاهلوا تماماً جميع الخطابات ورسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها بشأن هذه القضية، ثم أقالته الحكومة في يونيو/حزيران 2022، من دون إخطار مسبق، بدعوى "مناهضته لحرية التعبير" لمزاعم بمساندته الاحتجاجات ضد عرض فيلم مثير للجدل بشأن فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهو أمر ينفيه.
فيما قالت الشيال: "هذه القصة المحزنة [التي آلت إلى التخلي عن] تعريف الإسلاموفوبيا توضح أن الموقف لا يتعلق بعدم اكتراث حزب المحافظين بهذه القضية فحسب، وإنما يتعلق بازدراء حقيقي لمشاركة المسلمين في المجتمع المدني والنشاط الإسلامي عموماً".
مسؤول بريطاني يعلق
من جانب آخر، رفضت وزارة الإسكان والمجتمعات المحلية الردَّ بالتأكيد أو النفي على استيضاح من موقع MEE لمزاعم تخليها عن وضع تعريف رسمي للإسلاموفوبيا. وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: "نحن لا نزال متمسكين بمساعي القضاء على الكراهية ضد المسلمين، وجميع أنواع التعصب الديني، وسوف نعلن عن خطواتنا التالية في الوقت المناسب".
في المقابل، لاقى تخلّي الحكومة عن إعلان تعريف للإسلاموفوبيا استنكاراً شديداً من معارضين بريطانيين، فكتبت سارة أوين، وزيرة الظل لشؤون المجتمعات الدينية المحلية، في تغريدة على موقع تويتر: "إنها بداية شهر التوعية بالإسلاموفوبيا، وقد ازدادت جرائم الكراهية ضد المسلمين أثناء جائحة كورونا، وما زالت تلك الجرائم تؤذي المجتمعات المسلمة اليوم. لا يمكن التصدي لأمرٍ لا تعريف له، يجب أن تتوقف الحكومة عن ترددها وتتبنى التعريف الذي وضعته المجموعة البرلمانية لشؤون المسلمين البريطانيين @APPGBritMuslims للإسلاموفوبيا".
لطالما واجه حزب المحافظين اتهامات ومزاعم بكراهية الإسلام، وقد دعا المجلس الإسلامي البريطاني مراراً إلى إجراء تحقيق بشأن تلك الاتهامات وقدم أدلة عليها إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان.
وكان البروفيسور سواران سينغ نشر بحثاً العام الماضي خلص إلى أن المحافظين "لا يبدون الحساسية اللازمة" لشؤون المسلمين البريطانيين، لكنه برّأ الحزب من مزاعم الإسلاموفوبيا المنهجية في مؤسساته، إلا أن كثيراً من قادة المجتمع المسلم في بريطانيا وصفوا التقرير بأنه "تبرئة لسُمعة" الحزب.
وجاء بعض الاستنكار لتخلّي الحكومة عن تعريف الإسلاموفوبيا من صفوف حزب المحافظين أيضاً، فقد قالت الوزيرة السابقة، البارونة سعيدة وارثي: "يأتي ذلك في وقت تجاوزت فيه الهجمات ضد المسلمين نظيرتها ضد كل الجماعات الدينية الأخرى، ومن ثم فالحكومة كأنها تزيد النار اشتعالاً بهذا القرار، فهي تزيد التمييز برفضها حماية [المسلمين في بريطانيا]".