حولت السلطات المصرية مدينة شرم الشيخ الواقعة في محافظة جنوب سيناء، إلى ما يشبه "الثكنة العسكرية" بفعلِ الإجراءات الأمنية المشددة التي لجأت إليها السلطات بدعوى تأمين مؤتمر الأمم المتحدة السنوي للتغير المناخي (Cop27).
ونقل موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عن سكان المحافظة والمناطق المحيطة، قولهم إن الإجراءات الأمنية الصارمة عطلت حياتهم بطرق مختلفة.
تزامنت هذه الإجراءات مع دعوات انتشرت عبر الإنترنت لإقامة احتجاجات مناهضة للحكومة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو سادس أيام مؤتمر المناخ المقرر عقده بشرم الشيخ في المدة من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويصعب على المصريين عادةً الوصول إلى مدينة شرم الشيخ، حتى لمن يعملون بالمدينة ورواد السياحة الداخلية، فالطريق إليها يزدحم بكمائن التفتيش العسكرية التي توقف السيارات وتفتِّش جميع الركاب الذاهبين إلى المنطقة، وفقاً للموقع البريطاني.
كما قال السكان المحليون لـ Middle East Eye، إن الإجراءات الأمنية شملت إلغاء الفعاليات المقررة بالمدينة وإجبار السكان القادمين من خارج شرم الشيخ على العودة إلى مدنهم، والمراقبة المشددة على مداخل المدينة ومخارجها، والانتشار الملحوظ لرجال أمن يرتدون الملابس المدنية.
إغلاق المحلات
إذ يقول أبانوب، صاحب متجر بقالة ومعدات غطس، إنه اضطر إلى إغلاق متجره، فقد "اتصل بي ضابطا شرطة وهدداني أن أغلقه الآن، وإلا إغلاق المحل نهائياً بذريعة عدم ترخيصه. شهر نوفمبر/تشرين الثاني هو موسم للسياحة المحلية، ويزيد عليهم الضيوف القادمون إلى المؤتمر، أي إن هذا الشهر كان فرصة رائعة لأرباح جيدة"، غير أنه قيل لأبانوب إنه يمكنه إعادة فتح متجره بعد انتهاء المؤتمر.
زعم أبانوب أن كثيراً من المتاجر الأخرى تلقت التحذير نفسه: "إما أن تغلق متجرك أثناء المؤتمر، وإما نغلقه إلى الأبد". وحين سؤاله عما إذا كان إغلاق المتاجر له صلة بآراء سياسية معارضة للحكومة أو أشياء من هذا القبيل، قال أبانوب: "لا أحد من أصحاب المتاجر ولا العمال ولا فتيان التوصيل يعرف حتى اسم رئيس الوزراء".
ترحيل أفارقة من المدينة
في غضون ذلك، فوجئت نرجس، صاحبة صالة ألعاب رياضية لديها ثلاثة لاجئين أفارقة يعملون بطريقة قانونية، بإجبارهم على العودة إلى القاهرة، لأن بطاقات لجوئهم مسجلة فيها.
وقالت: "لقد أوقفوا وهم يتناولون إفطارهم، وأودعوا في سيارة ورُحِّلوا إلى القاهرة. وقد حاولت أن أتبين تفاصيل الأمر لكني لم أتمكن حتى من الحصول على إقرار من السلطات بأن الأمر قد حدث".
كما أوضحت نرجس، التي تقيم بالمدينة منذ 20 عاماً، أن "كثرة أفراد الشرطة والجيش في المدينة هذه الأيام جعلتنا كأننا في ثكنة عسكرية".
نرجس أشارت أيضاً إلى أن السلطات لم تنذرها لإغلاق صالتها الرياضية، لكنها اشتكت إحساسها بالعجز وقلة الحيلة لما حدث مع موظفيها، "لكنني، في الوقت نفسه، لم أُرِد تصعيد الموقف، لكي لا يؤدي ذلك بي وبهم إلى التعرض لمزيد من الظلم".
التحقق من بطاقات الهوية
آية طالبة تقيم في دهب (الواقعة على مسافة ساعة بالسيارة من شرم الشيخ) معظم أيام السنة. وقد أخبرت موقع MEE أن الشرطة أوقفتها أثناء عودتها إلى المنزل وتحققوا من هويتها، و"سألوني إذا كنت أنوي زيارة شرم الشيخ، أو لدي أي نية للاحتجاج".
سُمح لآية بعد ذلك بالذهاب إلى منزلها في دهب، إلا أن السلطات احتجزت آخرين ممن كانوا على متن وسيلة المواصلات التي كانت تستقلها. وقالت آية: "لقد أوقفوا أربعة رجال بدوا لي أنهم عمال بناء، واقتادوهم إلى عربة الشرطة".
آية قالت أيضاً إن "جنوب سيناء يبدو أنها ستبقى تحت العسكرة حتى انتهاء المؤتمر. إن هذا المؤتمر ليس إلا عرضاً كبيراً لما تريد السلطات أن يراه الأجانب: (المصريون يعيشون في سعادة)، أمَّا الواقع فيختلف عن ذلك".
فنادق شرم الشيخ حُجزت بالكامل للضيوف
من جانبهم، قالت مصادر إن جميع الغرف بفنادق مدينة شرم الشيخ ونُزلها قد حُجزت لإقامة مئات الضيوف القادمين من جميع أنحاء العالم.
إذ قال عاملان بأحد الفنادق لموقع MEE إن ضباط شرطة الفندق يتحققون من جميع جوازات السفر وجميع الحجوزات، وكل فندق به ضابط من "جهاز الأمن الوطني" يراقب إجراءات وصول الضيوف ومغادرتهم.
في غضون ذلك، قالت صحفية فرنسية مستقلة تحدثت إلى موقع MEE، شريطة عدم الكشف عن هويتها، إنها وصلت إلى مصر قبل أيام من المؤتمر لقضاء بعض الوقت مع شريكها وأصدقائها المصريين. وقد أوقفها رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية في دهب، و"سألوني عن علاقتي بصديقي، وأخبرونا أنه لا توجد فنادق أو نزل متاحة للإقامة في دهب، ويمكننا، أو بالأحرى يمكنني أنا فقط، العودة إلى المدينة خلال المؤتمر".
وذكرت الصحفية الفرنسية أن رجال الشرطة سألوا صديقها المصري أسئلة عديدة، منها السؤال عما إذا كان قد اعتقل من قبل في أي احتجاجات سياسية. واستجوبوه طيلة ساعة لأنه كان لديه "ميمات" للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في هاتفه.
إجراءات أمنية "لا ترحم"
في السياق ذاته، قال مصدر قبلي من إحدى أكبر العائلات في جنوب سيناء لموقع MEE إن قوات الأمن اجتمعت بهم في الأسابيع الماضية لتكثيف التعاون وتعزيز تزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية ووقف أي "متسللين من الجبال".
المصدر أوضح: "الأمن المصري لا يرحم فيما يتعلق بتأمين المؤتمرات الدولية، وأفراد القبائل ممن في منتصف العمر وكبار السن وعائلاتهم يتذكرون وحشية النظام وقمعه للمدنيين بعد تفجيرات شرم الشيخ عام 2005".
ويرى المصدر القبلي أن "ما يحدث الآن [من عمليات تفتيش وتضييق عشوائي] نزهة يسيرة إذا قيس إلى ما كان يحدث من قبل. وكثير من القبائل تتعاون مع الأجهزة الأمنية لمنع أي هجمات أو احتجاجات، لأنهم يعرفون أنهم سيكونون كبش الفداء إذا وقع أي شيء".