قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير نشرته الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن جورجيا ميلوني ألقت أول خطابٍ لها كرئيسة وزراء أمام البرلمان، ووعدت فيه بـ"وقف عمليات الخروج غير الشرعي" من ليبيا، وطالبت بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لمكافحة تهريب البشر.
جاء خطاب ميلوني قبل ساعات من قيام سفينة تحمل اسم أوشان فايكينغ Ocean Viking، وتديرها منظمة SOS Mediterranee الخيرية، باستضافة 234 مهاجراً على متنها بعد أن جرى إنقاذهم في سلسلةٍ من عمليات الإنقاذ، حيث يتنوع المهاجرون الذين تم إنقاذهم، بين سوريين، وإريتريين، وبنغلاديشيين، وتبحث عن ميناء إيطالي لترسو فيه.
عشرات الآلاف يهاجرون لأوروبا عبر البحر
جاء ارتفاع أعداد العابرين خلال عام 2022 إلى نحو 80 ألف شخص -مقارنةً بـ53 ألفاً في الوقت نفسه من العام الماضي- ليتصادف مع انتخاب أكثر الحكومات يمينيةً في تاريخ إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية. وترى الحكومة الجديدة أن سفن الإنقاذ الخيرية تمثل عامل جذبٍ يُشجع المهاجرين على الإبحار، ويزيد أعداد الوفيات بطول البحر الذي مات فيه 20.000 شخص خلال السنوات الثماني الماضية.
بينما تقول المنظمات الخيرية العكس، وتزعم أن المهاجرين سيبحرون باتجاه أوروبا بغض النظر عن فكرة وجود مهمات لإنقاذ الأرواح.
إبان إنقاذ "أوشان فايكينغ" مزيداً من الأطفال الثلاثاء 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تلقى فريق منظمة Alarm Phone طلبات مذعورة لمساعدة زورقين كبيرين أبحرا من طبرق في ليبيا، ويحملان على متنهما أكثر من 1000 مهاجر.
جرى إنقاذ أولئك المهاجرين بواسطة خفر السواحل الإيطالي وسفينة إسبانية تعمل لصالح الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس). وقال فلافيو دي غياكومو، المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية: "شاركت السفن الخيرية في 15% فقط من عمليات إنقاذ الواصلين إلى إيطاليا خلال 2022، ولا يُمكن اعتبار هذه النسبة بمثابة عامل جذب".
رفض إعادة المهاجرين إلى ليبيا
لكن وزير الداخلية الجديد ماتيو بيانتيدوسي يُجادل بالعكس. إذ أعد قائمةً بالأسباب التي تبرر منع السفن الخيرية من إنزال المهاجرين في الموانئ الإيطالية. واستشهد بقاعدة بحرية للأمم المتحدة تحظر على السفن "تحميل أو إنزال" الركاب في المياه الأجنبية دون الحصول على إذن. وأوضح أن السفينة "أوشان فايكينغ" مسجلة في النرويج، ولهذا فإن مسألة استضافة المهاجرين تخص النرويج في هذه الحالة.
كما قال إن سفينتي الإنقاذ لم تُبلغا الدول التي جرى تنفيذ عمليات الإنقاذ داخل مياهها الإقليمية. لكن أليساندرو بورو، رئيس منظمة SOS Mediterranee، نفى تلك المزاعم.
ذكر بورو أن المنظمة ترفض إعادة المهاجرين إلى ليبيا، رغم قيامها بإخطار خفر السواحل الليبي في كل مرة. ويرجع السبب إلى أن العديد من المهاجرين يتعرضون للتعذيب، والاغتصاب، والابتزاز في السجون الليبية.
تدريب خفر السواحل الليبي لمواجهة المهاجرين
كما تُعارض المنظمات الخيرية سياسة تدريب وتسليح خفر السواحل الليبي، التي تُكلف الاتحاد الأوروبي وإيطاليا ملايين الدولارات. إذ اعترض خفر السواحل الليبي نحو 100.000 مهاجر في البحر خلال السنوات الخمس الماضية وأجبرهم على العودة إلى ليبيا، قبل أن يُجبرهم المهربون على دفع تكلفة رحلة تهريبٍ ثانية.
أما في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2022، فسيّرت منظمة Sea Watch الخيرية طائرة مراقبةٍ رصدت زورقاً تابعاً لخفر السواحل الليبي -حصل عليه من إيطاليا- وهو ينتشل المهاجرين من قاربٍ صغير. لكن عناصر خفر السواحل فحصوا القارب للتأكد من سلامته، بدلاً من تدميره وفقاً للسياسة المتبعة. وقال المتحدث باسم Sea Watch: "بعد ثلاثة أيام من الواقعة، رصدنا القارب الصغير نفسه محمَّلاً بالمهاجرين في البحر مرةً أخرى".
كذلك وفي يوم الثلاثاء، هدّد زورق آخر تابع لخفر السواحل الليبي بإسقاط طائرة منظمة Sea Watch داخل منطقة بحث وإنقاذ في مالطا، وقالوا للطيار بلغةٍ إنجليزية ركيكة: "ابتعد عن الأراضي الليبية وإلا أطلقنا عليك بعض الصواريخ".
تعطيل عمليات الإنقاذ
يُذكر أن صفقة تدريب خفر السواحل الليبي جرى توقيعها عام 2017 بواسطة حكومة يسار الوسط التي كانت تحكم إيطاليا آنذاك. واستشهدت جورجيا بـ"عملية صوفيا"، عندما قالت أمام البرلمان إنها تريد تدخلاً مباشراً في ليبيا. ويُذكر أن عملية صوفيا كانت عملية مكافحة تهريب تابعة للاتحاد الأوروبي، وشهدت نشر قوات على الأرض في الدولة الواقعة بشمال إفريقيا، قبل إنهائها.
كما يستغل مسؤولو الموانئ في إيطاليا الروتين الحكومي العقيم لتقييد السفن الخيرية في الموانئ، وتعطيل عمليات الإنقاذ، منذ عام 2019.
تُشير هذه الأمثلة إلى أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي ويسار الوسط الإيطالي كانوا يبذلون ما في وسعهم لمنع المهاجرين، وذلك قبل فترةٍ طويلة من تولي جورجيا المنصب، لكن ما تغيّر الآن هو أن جورجيا ستحصل على دعايةٍ أكبر لجهودها من أجل وقف أنشطة السفن الخيرية.