بعد مرور 60 عاماً على ما يعرف بـ"أزمة الصواريخ الكوبية" التي كادت تسبب حرباً نووية عالمية، نشر أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن الأمريكية وثائق ترجمت إلى الإنجليزية لأول مرة وتضم شهادة أحد كبار الضباط الروس بخصوص "السبت الأسود".
صحيفة The Guardian البريطانية قالت في تقرير نشرته الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن الضابط الروسي كان على متن الغواصة السوفييتية "B-59" التي شاركت في محاولات فك "الحصار العسكري" الذي فرضته أمريكا على كوبا لمنع الاتحاد السوفييتي من إنشاء قواعد صواريخ نووية على أراضيها.
تأتي تلك الوثائق بعد مرور 6 عقود من اليوم الموصوف بأنه "أخطر يوم في تاريخ العالم"، وتتزامن مع ما كُشف عنه الأسبوع الماضي من إطلاق طائرة حربية روسية صاروخاً بالقرب من طائرة استطلاع بريطانية في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأسود، وهي حادثة زادت المخاوف من أن يؤدي سوء التقدير أو وقوع حادث آخر بالخطأ إلى تصعيد نووي لا يحمد عقباه.
أخطر يوم في "أزمة الصواريخ الكوبية"
يتفق كثير من المؤرخين على أن يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 1962، المعروف باسم "السبت الأسود"، كان اليوم الذي شهد أشد اقتراب للعالم من كارثة الحرب النووية، فقد فرضت القوات الأمريكية حصاراً على كوبا لوقف تسليم الصواريخ السوفييتية، وأُسقطت في اليوم نفسه طائرة تجسس أمريكية، وفُقدت أخرى فوق سيبيريا بعدما ضلَّ الطيار طريقه، فيما يعرف بـ"أزمة الصواريخ الكوبية".
تنقل الوثائق المترجمة حديثاً رواية المقدم السوفييتي فاسيلي أرخيبوف التي نشرت لأول مرة بالروسية في عام 1997 وترجمها أرشيف الأمن القومي الأمريكي حديثاً، لما عاينه بعدما رصدت البحرية الأمريكية الغواصة السوفييتية "بي 59" في منطقة البحر الكاريبي، ومباغتة الغواصة عند صعودها في وقت متأخر من الليل إلى سطح الماء لإعادة شحن البطاريات بأنها محاطة بمدمرات أمريكية وطائرات مضادة للغواصات تحلّق في سماء المنطقة.
يقول أرخيبوف: "كانت الطائرات [الأمريكية] تحلّق على ارتفاع 20 متراً إلى 30 متراً فقط فوق برج الغواصة، واستخدمت [البحرية الأمريكية] كشافات قوية، وأطلقت النار من مدافع أوتوماتيكية (أكثر من 300 قذيفة)، وقطعت المدمرات طريق الغواصة حتى [كادت] تصطدم بها".
في الحديث عن خطورة الموقف خلال أزمة الصواريخ الكوبية، قال أرخيبوف: "كان يمكن لقائد الغواصة أن يأمر دون تمهلٍ بـ(غوص عاجل)، وبعد الغوص لم يكن ليسأل أحد هل كانت الطائرة تطلق النار على الغواصة أم حولها. وكان الجميع سيظن أنها الحرب وقد اشتعلت".
بينما هوَّن أرخيبوف في روايته من دوره المزعوم في الامتناع عن إطلاق الغواصة لطوربيدات نووية؛ فالرواية السائدة تقول إن هذا القرار يستلزم موافقة جميع الضباط الثلاثة الكبار على متنها، وكان أرخيبوف هو من صوَّت بالرفض ليمنع الإذن باستخدام الطوربيدات النووية ضد بحرية الولايات المتحدة.
مع ذلك، قالت سفيتلانا سافرانسكايا، مديرة القسم الروسي بأرشيف الأمن القومي، إن ريوريك كيتوف، قائد غواصة أخرى من اللواء البحري السوفييتي نفسه، قال إن القائد الأول للغواصة "بي 59″، فالنتين سفيتسكي، كان مقتنعاً بأنهم يتعرضون للهجوم وأن الحرب مع الولايات المتحدة قد بدأت.
تطورات زادت من تصعيد الأمور
فيما قال أرخيبوف في روايته إن قائد الغواصة الروسية ذُعر لمرأى الحصار الأمريكي، فأمر بـ"الغوص العاجل" وإعداد الطوربيد الأول المزود برأس نووي، غير أن ضابط الإشارة كان في طريقه إلى سطح الغواصة، فتأخر سفيتسكي في النزول، وخلال لحظات التردد تلك، أدرك القائد الثاني للغواصة أن القوات الأمريكية كانت تطلق إشارات تحذيرية، وكانت تتعمد إطلاق النار بجانب الغواصة ولا تستهدفها مباشرة.
كما قال توم بلانتون، مدير أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، إن التحركات العدوانية التي عمدت إليها المدمرات والطائرات الأمريكية المُطاردة للغواصة السوفييتية زادت من تصعيد الأمور.
بينما قال توم كولينا، مدير السياسات في منظمة Ploughshares Fund، المعنية بمناصرة سياسات الحد من انتشار الأسلحة النووية واستخدامها، إن السبت الأسود "يذكّرنا بأننا نجونا من كوارث مثل هذه في الماضي بمحض الحظ. وصحيح أنه كان لدينا بعض الإدارة الرشيدة، وكان لدينا بعض المفكرين الحكماء، لكن ذلك لا ينتقص من أننا أوشكنا على التورط في حرب نووية، وأننا أفلتنا منها بحسن الحظ في المقام الأول".
يرى كولينا أن خطر الوقوع في كارثة الحرب النووية سيبقى قائماً ما دامت الأسلحة النووية جزءاً من معادلة المواجهة العسكرية، و"العبرة التي كان يجب أن نتخذها مما حدث في عام 1962 أن البشر معرضون للخطأ، وأن الجدير بنا ألا نسمح باجتماع الأزمات والبشر المعرضين للخطأ والأسلحة النووية، ومع ذلك، فها نحن ذا [معرضون للخطر نفسه] مرة أخرى".