أصدرت المحكمة العليا في بريطانيا، الأسبوع الماضي، حكماً قضائياً غير مسبوق بتمكين مئات الأمهات الأجنبيات، اللواتي أخذ الأزواج البريطانيون أطفالهن قسراً وتركوهن في الخارج، من دخول البلاد والنضال من أجل الحق في رؤية أطفالهن.
صحيفة The Times البريطانية أوضحت في تقرير لها، الأحد 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن الشابات في القضايا المماثلة، ومعظمهن من أصول جنوب آسيوية، وقعن عقوداً طويلة ضحايا لممارسة غير معروفة تسمى "التخلي عن الزواج العابر للحدود".
تتضمن تلك الممارسة عادةً إحضار الزوج البريطاني زوجة له من بلد أجنبي، مثل باكستان، إلى بريطانيا بتأشيرة زواج ضمن تدابير زواج مرتَّب.
استغلال الأمهات الأجنبيات في بريطانيا
تبلغ زوجات كثر بعد ذلك عن تعرضهن لانتهاكات عاطفية وجنسية شديدة، واستغلالهن لإنجاب الأطفال وخدمة أهل الزوج، وغالباً ما يعجزن عن الإبلاغ بسوء معاملتهن لأسباب مختلفة، منها الأمية أو الجهل باللغة الإنجليزية أو انتهاء تأشيراتهن أو مصادرة جوازات سفرهن أو غير ذلك.
بعد إنجاب الأطفال، يستخدم الأزواج الحيلة لإعادة الزوجات إلى بلدهن الأصلي، وتطليقهن في كثير من الحالات، ثم يعود الزوج إلى بريطانيا، ويمنع طليقته من رؤية الأطفال أو التحدث إليهم.
حسب الصحيفة البريطانية، لأن الزوجات ليس لديهن جواز سفر بريطاني ولا تأشيرات دخول، فإنهن يعجزن عن دخول بريطانيا ويُمنعن من النضال القانوني من أجل الحق في رؤية أطفالهن.
المرأة في القضية التي صدر الحكم بشأنها الأسبوع الماضي، كانت قد تزوجت مواطناً بريطانياً في عام 2017، وانتقلت إلى المملكة المتحدة وأنجبت طفلة في العام التالي، وتعرضت لعنفٍ أفضى إلى ضرر جسماني مستدام.
خضعت الزوجة للعلاج بأحد المستشفيات في سبتمبر/أيلول 2020 وأبلغت السلطات بما تعرضت له من سوء معاملة، وصُنفت الحالة بأنها عنف منزلي "عالي الخطورة". غير أن زوجها ابتزها بالتهديد لإجبارها على المغادرة إلى باكستان، ثم استولى على تأشيرتها بعد أسبوع وهرب مع طفلتهما إلى بريطانيا.
تعترف محاكم الأسرة بالفعل بظاهرة التخلي عن الزواج العابر للحدود وتُصنفه ضمن حالات العنف المنزلي، ومن ثم يُسمح لضحايا تلك الحالات نظرياً بالتقدم بطلبٍ للحصول على حق البقاء في بريطانيا.
حيث يمكن للمرأة بعد الحصول على تأشيرة طويلة الأجل أن تبدأ الإجراءات القضائية والقانونية اللازمة لجمع شملها بأطفالها، والتي غالباً ما تستغرق سنوات.
قيود على منح التأشيرة
مع ذلك، تقول سُليمة جهانغير، المحامية البريطانية من أصول باكستانية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، إن تلك الإجراءات كانت تتضمن قيداً شاذاً، وهو أن الزوجة يجب أن تكون في بريطانيا لتقديم طلب الحصول على تأشيرة غير محددة للبقاء في البلاد، ومن ثم فإن "الزوج يكفيه أن يُخرج زوجته من بريطانيا، فتفقد حقها في الإبلاغ عن تعرضها لعنف منزلي".
تلقت المرأة في قضية المحكمة العليا مساعدة من عدة محامين، منهم جهانغير، وتمكنت هذا العام من العودة إلى بريطانيا والاجتماع بطفلتها بعد حرمان دام 8 أشهر. غير أن مدة تأشيرتها كانت 6 أشهر فقط، وحُرمت من الأموال العامة والإقامة.
أقرَّت قاضية المحكمة العليا بأن النساء المهجورات يتعرضن للتمييز لكونهن عاجزات عن البقاء في البلاد وحرمانهن من الحق في التقاضي والنضال من أجل اجتماع شملهن بأطفالهن.
من ثم أصدرت المحكمة حكماً بحق ضحايا الانتهاكات من هذا النوع في التقدم من خارج البلاد بطلب للحصول على تأشيرة إقامة في بريطانيا. وقد وُصف هذا الحكم بأنه انتصار للمنظمات التي تناضل منذ أمد طويل من أجل الأمهات العالقات في الخارج.