خلال الندوة التثقيفية التي دشنتها القوات المسلحة للاحتفال بذكرى نصر 6 أكتوبر، قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقيادات القوات المسلحة، "التحية العسكرية"، لأبطال معركة "أبو عطوة"، التي جرت أحداثها في مدينة الإسماعيلية.
خلال الاحتفال وبعد تكريم الأبطال الذين شاركوا في نصر أكتوبر، وغابوا عن حفلات التكريم السابقة خلال فترة ولاية الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحديث لهم قائلاً: "لا أريد أن أطيل عليكم، لكن أرجو أن تقبلوا اعتذارنا إذا لم نأخذ بالنا منكم من قبل".
كان من ضمن الأبطال المكرمين، اللواء ماجد محمد حسن شحاتة، الذي سرد لنا بدوره أحداث واحدة من أهم المعارك التي دارت خلال الحرب وغفل عنها التاريخ.
حدثنا عن لحظة التكريم والاحتفاء من الرئيس السيسي؟
كانت لحظة فخر كبيرة جداً، ولم نكن نتخيل أن يحدث ما حدث، أن يؤدي رئيس الجمهورية التحية العسكرية على مرأى ومسمع من الجميع وأمام عدسات الكاميرات. هذا فخر كبير لنا، وسيظل محفوراً في تاريخي لسنوات، أنا أشعر بسعادة طفل قدمت له لعبة كان يتمناها منذ سنوات.
هل شعرت بمرارة لتجاهل أبطال معركة أبو عطوة خلال السنوات الماضية؟
في الحقيقة لا، لم أشعر بأي حسرة أو حزن، ولا أعلم لماذا تم تجاهلنا، ولكن الأهم أن التكريم جاء وفيه اعتراف من رأس الدولة بالتضحيات التي قدمناها.
نحن قدمنا أرواحنا فداءً للوطن، ولم ننتظر كلمة شكر، وكنا مستعدين للموت من أجل بلادنا، ومن أجل ذرة تراب من أراضينا، والآن بعد مرور 49 عاماً جاء التكريم. طلب الرئيس السيسي التصوير معنا شرف كبير ودلالة على مدى احترامه وتقديره لنا، كانت لحظة فخر واعتزاز لا تضاهيها أي لحظة في حياتي كلها.
حدثنا عن متحف دبابات معركة أبو عطوة بالإسماعيلية؟
الأمر كان محض صدفة، خلال أحد لقاءات قادة القوات المسلحة والمحاربين القدامى، طرحت الفكرة من أحد الحضور، خاصة أن حالة من الإهمال ضربت ما تبقى من معركة أبو عطوة، ولم يعد لها ذكر في التاريخ.
ولأننا من حارب واستشهد أصدقاؤنا وزملاؤنا، كان لزاماً علينا أن نحاول حفظ التاريخ، لذا كان التحرك منا بشكل شخصي وبمجهود ذاتي ودفعنا من أموالنا الخاصة، في محاولة حفظ لحظة انتصار غالية وعزيزة.
في عام 2018، بدأنا في وضع اللبنة الأولى لعملية تجديد المتحف، وبجهود ذاتية نجحنا في إتمام المشروع على أكمل وجه، حيث تم تسليط الضوء عليه، وعمدت الهيئة الهندسية إلى رفع كفاءته، كان بمثابة انتصار جديد لنا.
ماذا فعلتم بالشظايا الناتجة عن تدمير دبابات العدو؟
خلال فترة الحرب زارنا شخص يدعى محمد عبده هاشم، كان في المقاومة الشعبية منذ 67، وجاء في زيارة إلينا ليطلب بعض الشظايا المتبقية من الدبابات الإسرائيلية، وبالفعل تواصلت معه ومنحته بعض الشظايا.
عمد هاشم إلى إقامة تمثال من الشظايا، وبعد قرابة 15 يوماً جاء مرة أخرى وطلب بعض الشظايا. وبعد قرابة 3 أشهر وجدته مقبلاً علينا وفي يده صورة فوتوغرافية ليخبرنا أنه صنع من الشظايا تمثالاً أسماه بـ"تمثال الصمود"، وتم وضعه في معسكر الجلاء ومن ثم نقل إلى أحد ميادين الإسماعيلية.
البعض لا يعرف الكثير عن معركة أبو عطوة.. اسرد لنا بعض أحداثها؟
تلك المعركة تعد معجزة حقيقية، كنا نحو 300 جندي من القوات المسلحة في مواجهة فرقة مدرعة ولواء مظلات من قوات العدو. بدأت المعركة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، واستمرت نحو 3 أيام.
كنا نعرف جيداً قوة العدو وجاهزيته وتطور الأسلحة التي يستخدمها، لذا اعتمدنا على نمط مختلف ومغاير عما اعتدنا عليه سابقاً. في البداية قسمنا القوة التي لدينا إلى مجموعات، حاوطنا بها المنطقة التي نتمركز بها، وعمدنا إلى حفر خنادق برميلية لنتفادى طلقات المدافع الإسرائيلية.
كان هدفنا أن نمنع قوات العدو من التوغل داخل مدينة الإسماعيلية، حتى لو اضطررنا لأن نضع أجسادنا تحت عجلات الدبابات، فكنا مثل فرقة انتحارية أمام قوات العدو، وبفضل من الله وفطنة الجندي المصري نجحنا في تحقيق الهدف المطلوب.
مساء يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، كان التقدم الأكبر، عندما عدنا بعد مناوشات مع قوات الجيش الإسرائيلي، بعد أن اشتبكنا مع بعض النقاط المتمركزة للعدو. أثناء العودة إلى نقاطنا التمركزية فوجئنا بقوة مظلات إسرائيلية مترجلة، تعاملنا مع الأمر بسرعة وفطنة وفضل من الله، إذ عمدنا إلى عمل كمين لهم وحاصرناهم من 3 جهات وفتحنا النيران عليهم وأوقعنا قرابة 50 ما بين جرحى وقتلى.
مشهد لن ينسى من ذاكرتك وسيظل محفوراً طوال حياتك
هناك العديد من المشاهد التي لن تنسى ولو مرت على الحرب مئات السنين. المشهد الأول كان خلال مرحلة الاشتباك الأولى، حين تقدمت الدبابات الإسرائيلية تجاه الإسماعيلية، وكانت إحدى المجموعات القتالية المصرية مكلفة بتعطيلها لحين وصول دعم من باقي المجموعات.
كانت الأسلحة المصرية ضعيفة مقارنة بالأسلحة الإسرائيلية، خاصة بعد أن حصلت على دعم أمريكي. الشهيد إبراهيم الدسوقي كان يرأس 5 مجموعات قتالية، كل مجموعة تتكون من 10 جنود يرأسهم ضابط.
كانت تلك المجموعات تغطي منطقة صحراوية مكشوفة للعدو، وأثناء عملية التقدم تجاه قوات العدو، ولقوة الأسلحة والدبابات الإسرائيلية بدأت القوات الإسرائيلية في التقدم، فما كان من الشهيد إبراهيم الدسوقي إلا أن لجأ إلى سلاح "آر بي جي"، وواجه دبابات العدو مباشرة ليسقط شهيداً بعد أن تم توجيه سيل من الطلقات على جسده.
المشهد الثاني عندما بدأت قوات العدو في التقدم بسيارات مجنزرة، وكنا وضعنا بعض الكمائن، وكانت العملية تتم وسط ظلام دامس. خلال وقت وقف إطلاق النار، وضعت بعض الألغام التي ترتبط بخيط يشع نوراً فسفورياً عند لمسه، ومن ثم تبدأ القوات الإسرائيلية باستهدافه بالطلقات النارية.
هنا لجأنا إلى حيلة مختلفة، إذ جمعنا عدداً من الكلاب الضالة، وبدأنا نلقي لهم الطعام في المناطق التي نشك في أنها تضم ألغاماً. وفور أن يفتح العدو النار عليهم نكتشف نحن أماكنهم ونبدأ إطلاق النار عليهم، فكان ذلك العمل مثالاً على فطنة وذكاء الجندي المصري، الذي على الرغم من ضعف المعدات إلا أن الذكاء وحده كان سبيلاً للانتصار.
أيضاً، هناك العديد من المشاهد التي ستظل محفورة في تاريخي خلال معركة أبو عطوة، فهي دليل على مدى جسارة الجندي المصري في مواجهة الأسلحة المتطورة والمتقدمة.
اللحظة الأصعب خلال المعركة
خلال وقف إطلاق النار، فوجئنا باقتحام 3 دبابات وفرق مترجلة للمنطقة الآمنة، وبدأت عملية إبادة كاملة وإطلاق نار عشوائي لإلحاق أكبر ضرر ممكن في الجنود المصريين.
هنا بدأنا الانسحاب والاختباء في الخنادق لحين انتهاء عملية القصف، كانت لحظة صعبة وفقدنا عدداً من الجنود المقاتلين. صعوبة اللحظة أنها كانت لحظة غدر في المقام الأول، وليس لأن البعض استشهد، فهو في جنة الخلد.
ماذا بعد أن هدأت وتيرة المعركة؟
كان اتفاق وقف إطلاق النار بدأ في السريان، ظللت برفقة جنودي لثلاثة أشهر في المنطقة على سبيل التأمين، لأننا لم نكن نأمن غدر الإسرائيليين، وكان الانتصار يزيد من جسارتنا وقوة تحملنا.
رسالتك الأخيرة بعد أن وضعت الحرب أوزارها
كنا رجالاً، وقضى الآلاف من أبناء الشعب المصري، كانوا مستعدين للتضحية بكل ما هو غالٍ ونفيس من أجل كل ذرة تراب في أرض مصر. حرب أكتوبر واحدة من أكثر المعارك التي تدرس في الكليات العسكرية لنفخر بهذا النصر ما حيينا.
معركة أبو عطوة
وتعد معركة أبو عطوة واحدة من أبرز قصص التضحية خلال حرب أكتوبر 1973. وقعت معركة كمين أبو عطوة عبر المجموعة 139 صاعقة، الذين تصدوا للقوات الإسرائيلية بقيادة الجنرال أرئيل شارون، والتي كان هدفها الاستيلاء على محافظة الإسماعيلية أثناء ثغرة الدفرسوار.
كانت القوات الإسرائيلية نجحت في التسلل إلى غرب قناة السويس ليلة 16 أكتوبر 1973، بعدد 30 دبابة برمائية وحوالي 300 جندي مظلي. لتختبأ تلك الدبابات في منطقة الدفرسوار التي تكثر بها زراعات المانجو. أحدث ذلك فجوة في حائط الصواريخ المصري، مما منح سلاح الجو الإسرائيلي حرية الحركة في قطاعات بعيدة عن مدى الصواريخ المصرية.