تعيد بكين حالياً النظر في برنامجها الذي أطلقته لتوسيع نفوذها عبر آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تحت اسم "الحزام والطريق"، وكلفها قرابة تريليون دولار، وفق ما قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية الثلاثاء 27 سبتمبر/أيلول 2022.
بحسب أشخاص مشاركين في صنع السياسة أفادوا للصحيفة الأمريكية، فإن تباطؤ الاقتصاد العالمي، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع التضخم، قد عطل من مسيرة البرنامج الاستراتيجي المبني على إقراض دول العالم الثالث لإقامة مشاريع بنية تحتية.
ممارسات الإقراض الصينية، انتقدها قادة غربيون، ووصفت بـ"دبلوماسية فخ الديون"؛ مما وضع بكين في موقف حرج.
فيما قال العديد من الاقتصاديين والمستثمرين إنَّ ممارسات الإقراض في البلاد ساهمت في أزمات الديون في أماكن مثل سريلانكا وزامبيا.
وقال الأشخاص المعنيون إنَّه بعد عقد من الضغط على البنوك الصينية لتكون سخية في تقديم القروض، يناقش صانعو السياسة الصينيون الآن برنامجاً أكثر تحفظاً، يُطلَق عليه في المناقشات الداخلية اسم "الحزام والطريق 2.0″، الذي من شأنه تقييم المشروعات الجديدة تقييماً أكثر صرامة للتمويل. بل صاروا منفتحين لقبول بعض الخسائر على القروض وإعادة التفاوض بشأن الديون، وهو أمر لم يكونوا مستعدين لفعله في السابق.
تراجع عن مشروع القرن
وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ المبادرة ذات مرة بأنها "مشروع القرن"، لكن الإصلاح الأخير يفضح حدود رؤيته لإعادة تشكيل النظام العالمي.
في اجتماع عُقِد في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مع كبار المسؤولين، أشار شي إلى أنَّ البيئة الدولية للحزام والطريق "ازدادت تعقيداً"، وشدد على الحاجة إلى تعزيز ضوابط المخاطر وتوسيع التعاون، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الحكومية الصادرة عن الاجتماع.
وقد خفّضت البنوك الصينية بالفعل الإقراض انخفاضاً حاداً للمشروعات الجديدة في البلدان منخفضة الدخل، لأنها تركز على تنظيف محافظ قروضها الحالية.
وفقاً لخبراء الاقتصاد، سيباستيان هورن وكارمن راينهارت وكريستوف تريبيش، الذين كتبوا عن الديون الدولية، ما يقرب من 60% من قروض الصين الخارجية مملوكة الآن لبلدان تعتبر في ضائقة مالية، مقارنة مع 5% في عام 2010.
قد تجبر هذه العملية البنوك الصينية على قبول الخسائر، وهو أمر طالما عارضته. إذ على مدى سنوات، فضّلت بكين تمديد استحقاق القروض المتعثرة، وهي ممارسة معروفة في صناعة التمويل باسم "التمديد والتظاهر". وتخاطر هذه الاستراتيجية بإطالة أمد مشكلات ديون البلدان بدلاً من إصلاحها.
إضافة إلى ذلك، خفّفت بكين من حدة خطابها في وسائل الإعلام الحكومية. يقول ويفينغ تشونغ، زميل باحث كبير يتتبع دعاية الحكومة الصينية في مركز أبحاث السوق الحرة Mercatus Center في جامعة جورج ميسون، إنَّ وسائل الإعلام الحكومية الصينية اعتادت سابقاً الترويج للفوائد الاقتصادية للإقراض الصيني للبلدان المتلقية، لكنها تركز الآن على إدارة المخاطر وتحسين التعاون الدولي. وأضاف تشونغ: "الصين تحاول تصحيح المسار".
في بيان مكتوب، قالت وزارة الخارجية الصينية: "سنعمل مع المجتمع الدولي لتعزيز التنمية عالية الجودة للتعاون في مبادرة الحزام والطريق".
برنامج استراتيجي
تعود جذور المبادرة إلى ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان، عندما رأت الصين فرصة للمؤسسات المالية المملوكة للدولة لتوسيع نطاق وصولها وكسب عوائد أفضل على ممتلكاتها النقدية من خلال الاستثمارات في الخارج.
وشجعت السلطات المقرضين على تمويل مشروعات مثل المناجم والسكك الحديدية لتمكين البلدان النامية ذات الموارد الطبيعية من تحسين إمداداتها لسوق الصين، وخلق فرص عمل للمقاولين الصينيين.
بعد توليه السلطة في عام 2012، وسع شي تلك الجهود وعزز المبادرة ضمن خطته لتوسيع نفوذ الصين وبناء أسواق للسلع الصينية.
ووفقاً لوزارة الخارجية الصينية، قدمت الصين في غضون عقد واحد فقط نحو تريليون دولار في شكل قروض وأموال أخرى لمشروعات التنمية في ما يقرب من 150 دولة؛ مثل الإكوادور وأنغولا. وصارت الصين، لأول مرة، أكبر دائن رسمي في العالم.
بحلول عام 2017، كشف مسؤولون تنفيذيون مشاركون في المناقشات أنَّ المسؤولين التنفيذيين في البنوك الصينية يشكون إلى بكين من أنه طُلب منهم تمويل مشروعات لديها احتمالية عائدات ضئيلة. وهدد بعض المقرضين بالتوقف عن دعم مشروعات معينة ما لم يسمح لهم المنظمون بتوضيح أنَّ تلك القروض كانت "بتعليمات سياسية"، كما قال المسؤولون التنفيذيون؛ لذلك لن تكون البنوك مسؤولة عن التخلف عن السداد.
بدافع من حماس بكين، قدمت البنوك الصينية قروضاً لدول ذات قدرة محدودة على سدادها. ففي سريلانكا، فشل مشروع ميناء مدعوم بأموال صينية في توليد حركة مرور كافية لخدمة الدين. وتعثرت باكستان عن سداد تكلفة الكهرباء من مشروعات الطاقة الصينية الجديدة؛ مما أدى إلى أزمة طاقة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مع إضافة تأثيرات الوباء مزيداً من الضغط على المقترضين، وافقت بكين على التوقيع على الإطار المشترك، وهو جهد دولي لتخفيف الديون أقرته مجموعة العشرين يساعد في تنسيق مفاوضات الديون بين الدائنين.
صرحت المصادر بأنَّ ما دفع الصين إلى الموافقة على التوقيع هو الاعتقاد بأنَّ المقرضين الصينيين سيكونون في وضع أفضل للدفاع عن مصالحهم إذا كانوا ينسقون مع دائنين آخرين.
وأشار بعض المسؤولين في بنك الشعب الصيني إلى أنَّ الزيادة السريعة في معدل رفع الاحتياطي الفيدرالي هي من الأسباب التي تدفع الصين إلى التحرك. إذ تؤدي زيادة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى ارتفاع قيمة الدولار وجعله أعلى تكلفة على البلدان النامية لخدمة الديون الخارجية.
وتمضي الصين قدماً في المفاوضات التي تشمل الدائنين في تشاد وإثيوبيا وزامبيا، التي يرى بعض المسؤولين الصينيين أنها حالة اختبار للنهج الجديد.
من غير المرجح حدوث انسحاب كامل لمبادرة الحزام والطريق. إذ لا يزال الرئيس شي، الذي يسعى لتمديد حكمه لولاية ثالثة في اجتماع للحزب الشيوعي الشهر المقبل، يعتقد أنَّ المبادرة لها دور مهم في تعزيز دور الصين على المسرح العالمي، وفقاً للأشخاص المشاركين في صنع السياسات، وقراءات من الخطب الأخيرة التي ألقاها.