أثار قرار حركة "حماس" إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا، بعد أكثر من 10 سنوات من القطيعة، جدلاً وانقساماً بالآراء حول موقفها، فيما كشف مصدر من داخل الحركة عن كواليس المباحثات بين حماس والنظام، والشرطين اللذين وضعهما الأخير لإعادة العلاقات.
موقع Middle East Eye البريطاني نقل، الأحد 18 سبتمبر/أيلول 2022، عن مصدر مطلع من داخل حركة "حماس" -لم تذكر اسمه- قوله إن قرار إعادة العلاقات مع سوريا وافق عليه جميع أعضاء مكتبها السياسي باستثناء عضو واحد.
أضاف المصدر أن "النقاش كان مستمراً بين مؤسسات حماس الداخلية حول هذا القرار، واتخذ مجلس الشورى العام قراره بالدخول في مفاوضات لإعادة العلاقات مع سوريا".
هذه الخطوة لإعادة العلاقات بين نظام الأسد وحركة "حماس" كانت قيد الإعداد منذ عدة سنوات، إذ أكد نائب رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية لجريدة "الأخبار" اللبنانية في يونيو/حزيران 2022 أنه تم اتخاذ قرار بـ "إعادة العلاقة مع دمشق".
أشار الحية إلى أن هذا القرار جاء بعد "نقاش داخلي وخارجي" شارك فيه قادة، وكوادر ومؤثرون "وحتى معتقلين داخل السجون الإسرائيلية".
مصدر بارز أيضاً في "حماس" قال للموقع البريطاني، إن إيران و"حزب الله" بذلا جهوداً مضنية لإعادة العلاقات بين حماس والأسد على مدى الأشهر والسنوات الماضية.
أشار المصدر إلى أن نقطتي الخلاف الأساسيتين بالنسبة لنظام الأسد لإعادة العلاقات كانتا: أن تقدم حركة حماس اعتذاراً عن موقفها من الحرب في سوريا، وأنها لن تسمح لبعض أعضائها بدخول البلاد مرة أخرى، وأبرزهم خالد مشعل.
أوضح المصدر أن "حماس رفضت الاعتذار رفضاً قاطعاً، واتفقت على إصدار بيان يؤكد دعمها للقيادة السورية، وهذا ما عبَّر عنه بيانها الأخير"، إذ أدانت الحركة تعرض مواقع في سوريا لقصف من قِبَل إسرائيل.
توّقع المصدر أن يزور وفد من "حماس" نظام الأسد في الأيام المقبلة، بقيادة موسى أبو مرزوق أو خليل الحية، وليس رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، في هذه المرحلة.
بحسب الموقع البريطاني، لا تتوقع "حماس" أن تعود قيادتها للإقامة في سوريا، بسبب الوضع الأمني الناتج عن القصف الإسرائيلي، وانعدام الاستقرار في مناطق مختلفة من سوريا، بين نظام الأسد والقوى الأخرى الموجودة في سوريا.
في هذا الصدد، قال المصدر من "حماس" إن "سوريا لم تعد كما كانت من قبل، ووضعها الأمني صعب، والقيادة لن تعود للإقامة فيها، وإعادة العلاقات قرار سياسي ولوجستي لتعزيز التحالفات في المنطقة".
انقسام في المواقف
قرار "حماس" بإعادة العلاقات مع الأسد أثار مواقف متناقضة حيال هذه الخطوة، وأعرب عدد من الأشخاص والجماعات الداعمة للحركة عن استيائهم من قرار التطبيع مع الأسد.
نائب رئيس "الحركة الإسلامية" في فلسطين، كمال الخطيب، انتقد إعادة العلاقات مع نظام الأسد من قِبَل "حركات ودول"، دون أن يلمح بطريقة مباشرة إلى حركة "حماس".
الخطيب قال في منشور على صفحته في "فيسبوك: "أما أنا، فسيظل بشار الأسد ونظامه في عيني، مجرمين وقتلة، قتلوا قريباً من مليون وهجروا أكثر من 12 مليوناً من أبناء الشعب السوري الشقيق، ولن يتغير موقفي هذا حتى وإن غيّرت موقفها منه جماعات وحركات ودول".
أضاف الخطيب: "إن من وقف إلى جانب شعبنا الفلسطيني هو الشعب السوري الشقيق منذ نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1984 بل وقبل ذلك، وما استشهاد الشيخ السوري عز الدين القسام عام 1936 على أرض فلسطين إلا خير شاهد، أما موقف النظام الدموي الطائفي، فلم يكن إلا قائمة من المجازر، بدءاً من مجـزرة تل الزعتر 1976 ومروراً بتواطئه في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، وانتهاءً بمجـزرة تدمير مخيم اليرموك".
من جانبه، وصف صالح النعامي، الكاتب السياسي المقرب من "حماس" في غزة، خطوة إعادة العلاقات مع نظام "الطاغية الصغير" بشار الأسد بـ "الخطيئة الأخلاقية".
النعامي قال إن "هذا القرار لا يتعارض فقط مع سقف توقعات الأمة من الحركة، بل لا يعبر أيضاً عن موقف قواعد الحركة والأغلبية الساحقة من نخبها".
أضاف النعامي: "كان يمكن تفهُّم هذه الخطوة وفق حسابات الواقعية السياسية والاستراتيجية، لو كانت تمنح الحركة قواعد جديدة لإطلاق عملها المقاومة بشكل يخفف العبء عن ساحات عملها الحالية، لكن في وقت يستهدف فيه الصهاينة باستمرار النظام والوجود الإيراني في سوريا، فلا يمكن أن يكون هذا الرهان واقعياً".
بدوره، كتب الكاتب الفلسطيني محمد خير موسى المقيم في تركيا على حسابه على تويتر أن بيان حماس "مؤسف وموجع"، وأن ما تم "تقديمه في سياق التبرير لإعادة العلاقة لا يعدو أن يكون مصالح موهومة غير حقيقية".
غير أن بعض المحللين السياسيين يرون أن "حماس" لا تملك رفاهية رفض إعادة العلاقات مع سوريا، فحماس تربطها علاقات وثيقة بإيران، الحليف الرئيسي لنظام الأسد، والذي يمده بالمال والأسلحة وغيرهما من الدعم اللوجستي.
كذلك لا تزال علاقات "حماس" بـ"حزب الله"، الحليف الرئيسي للأسد في لبنان، قويةً أيضاً.
في الوقت نفسه، وقَّع عدد من الدول العربية، بعض منها كان داعماً للقضية الفلسطينية في السابق، اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، فيما أعادت تركيا العلاقات مع إسرائيل أيضاً بعد سنوات من التوتر.
في هذا السياق، قال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، لموقع Middle East Eye، إن حماس عالقة "بين خيارين: إما أن تظل وحدها في مواجهة التطبيع العربي الإسرائيلي وعودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل، أو تعود إلى التحالف بين إيران وسوريا وحزب الله".
أضاف أبو سعدة أن "حماس ترى أن النظام أنهى المعركة داخل سوريا، وأن النظام بدأ يعود إلى جامعة الدول العربية، وكذلك يعود سفراء بعض الدول العربية إلى دمشق، وهذا يشير إلى أن النظام باقٍ، ولذلك تخشى حماس أن تبقى وحدها".