زعم كتاب جديد لمراسلَيْن صحفيَّيْن صينيَّيْن، أن الحكومة الصينية في طريقها إلى إنشاء نموذج جديد من نُظم الحكم القائمة على المراقبة الرقمية الجماعية، وزعما أنها ستكون وسيلة جديدة للاضطهاد، وفق ما ذكره موقع Axios الأمريكي، الثلاثاء 6 سبتمبر/أيلول 2022.
الكتاب الجديد من تأليف جوش تشين وليزا لين، مراسلَيْ صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية في الصين، ويحمل عنوان "دولة المراقبة: خبايا سعي الصين إلى التأسيس لحقبة غير مسبوقة من الضبط الاجتماعي".
يقول المؤلفان إن المراقبة الرقمية الجماعية قد تكون وسيلة للاضطهاد، لكنها قد تلبي أيضاً الوعود بمدن أكثر ملاءمة للعيش وخدمات رقمية سهلة، وهو ما يجعل "الاستبداد الرقمي" نموذجاً "فتَّاناً" في الحوكمة لدى بعض الناس.
المراقبة الجماعية "نظام قمعي"
يقول الكتاب إن الإعلام الغربي يميل إلى وصف نظام المراقبة الرقمية الجماعية للحكومة الصينية بأنه نظام قمعي بحت، لكن الواقع أن الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكنها أيضاً إنشاء مدن أنسب للعيش، وأنماط معيشة أيسر للناس.
تعتمد السلطات الصينية حالياً على مئات الملايين من كاميرات المراقبة المنتشرة في شوارع البلاد، وتجمع قدراً هائلاً من المعلومات عن مواطنيها من مليارات المدفوعات الرقمية أسبوعياً، وتراقب التعليقات والدردشة عبر الإنترنت، علاوة على تعقبها لتحركات الناس من خلال أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية المتصلة بهواتفهم.
لكن الكتاب الجديد يزعم أن الحكومة الصينية لم تعد خططها لجمع البيانات تقتصر غايتها على مجرد التخلص من الجرائم والمعارضة السياسية، بل إن الحكومة الصينية تسعى إلى استبدال العقد الاجتماعي القائم على النمو الاقتصادي، والذي بدأت الشكوك تنال من إمكانية استمراره، والاستعاضة عنه بعقد اجتماعي قائم على المراقبة الرقمية الجماعية.
يرى المؤلفان في كتابهما أن الحزب الشيوعي الصيني كان قد عقد اتفاقاً ضمنياً مع الناس، يقتضي ضمان النمو الاقتصادي وازدهار المعيشة بديلاً عن الإصلاح السياسي الليبرالي، وقد أوفى هذا العقد الاجتماعي بكثير من وعوده لأكثر من عقدين، فقد أخذت البلاد تشهد نمواً مطرداً للناتج المحلي الإجمالي.
مع ذلك، بدأ المحرك الاقتصادي للبلاد في التباطؤ في السنوات الأخيرة، ومن ثم خلص زعماء الحزب الشيوعي إلى أن البلاد في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد، أو وسيلة جديدة للضبط الاجتماعي.
نموذج صيني للحكم
"الحل الصيني" الذي تعمل الصين على إنشائه، وبدأت في ترويجه للعالم بوصفه نموذجاً بديلاً وسامياً في الحوكمة هو: الضبط الاجتماعي القائم على المراقبة الرقمية الشاملة.
يزعم المؤلفان أن "الحزب يرى أن بإمكانه الاعتماد على بيانات المراقبة الرقمية الكثيفة للتنقيب عن أفكار الناس واستقصاء رؤاهم، ومن ثم التنبؤ بما يريده الناس بلا داعٍ إلى منحهم حقاً في التصويت ولا رأياً في أمورهم. ويتصور الحزب أنه إذا حل المشكلات الاجتماعية قبل حدوثها وقمع المعارضة قبل أن تتسرب إلى الشوارع، فإنه بذلك قادر على وأد أي معارضة له في مهدها".
يعرض الكتاب لوجهي نموذج المراقبة الجماعية في الصين، بين "الوجه الشمولي المظلم [للمراقبة] في إقليم شينجيانغ، والوجه المستبشر الواعد بالطوبيا التكنولوجية الضامنة للازدهار في الساحل الثري للبلاد، للتدليل على أن ضوابط الخوارزميات الرقمية نفسها يمكنها أن تكون مصدر شقاء أو نعيم، والأمر كله يتوقف على هويتك ومحل ميلادك".
أشار المؤلفان في لقاء مع موقع Axios إلى أن فكرة الكتاب بدأت بزيارةٍ أجرياها لشركة ناشئة طموحة آنذاك، هي شركة SenseTime، والتي أصبحت الآن من أكبر شركات تكنولوجيا التعرف على الوجوه في العالم، وقد فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات عليها، لمشاركتها في انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ.
قال موظفو الشركة إن الشركة تبيع تقنياتها إلى مراكز الشرطة، وسرعان ما أدرك المؤلفان أن الشركة في طليعة المساعي الجديدة التي تستحثَّها الدولة لربط تكنولوجيا المراقبة بضبط الأمن في البلاد على نطاق واسع.
كما يتساءل المؤلفان في الكتاب عن مستقبل المجتمع البشري ونظم الحكم إذا انتشرت هذه التقنيات في جميع أنحاء العالم؛ ويقولان: "هل نتجه جميعاً إلى عالم يسود فيه الحل الصيني الأسمى؟ أم أن هناك طريقة ما للتوفيق بين اعتماد الحكومات على الذكاء الاصطناعي لضبط السلوك البشري، والحفاظ على الحرية الفردية في الوقت نفسه؟".