أقدمت جهات مجهولة على ردم فوهة حفرة جيولوجية ضخمة يبلغ قطرها نحو 20 متراً في مدينة الموصل العراقية، وتُدعى حفرة الخسفة، أو محلياً بالخفسة، وذلك بهياكل حديدية لشاحنات كبيرة.
الأمر الذي أثار غضباً واسعاً، بسبب ما وُصف بأنه محاولة لمحو جرائم تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما سيطر على المدينة قبل سنوات.
ما هي حفرة الخسفة؟
حفرة الخسفة العميقة، التي تسمى بـ"حفرة الجن" كما يشاع شعبياً بين المواطنين العراقيين، تكونت جيوليوجياً نتيجة التغيرات الأرضية قبل مئات السنين.
بينما لا تُعرف بداية تكوين هذه الحفرة أو عمقها المحدد حتى الآن. ويلفت موقع "صوت العراق" إلى أن متخصصي علم الأرض والجيولوجيا يقدرون عمقها بمئات الأمتار على الأقل.
ورجح بعضهم أنها نتجت عن ضرب نيزك لهذه البقعة من الكوكب الأرضي، قبل مئات أو آلاف السنوات الماضية.
وحفرة الخسفة سيئة السُّمعة التي تُعد منخفضاً طبيعياً غائراً في الأرض، تقع على بُعد قرابة 20 كيلومتراً جنوب الموصل، وتعد إحدى أكبر المقابر الجماعية في العراق إثر استخدام تنظيم الدولة إياها كمقبرة للمحكوم عليهم بالإعدام خلال فترة ولايته منذ عام 2014 وحتى تحرير الموصل من سلطته عام 2017.
هدم المقبرة الجماعية "جريمة جديدة"
وقد أكدت مديرية الدفاع المدني في نينوى، الأحد 4 سبتمبر/أيلول عام 2022، أن حفرة الخسفة محاطة بأرض هشة لا يمكن لأي جهة حكومية أن تمتلك الإمكانات اللازمة لفتحها، فيما انتقد نواب عن المحافظة "محاولات ردم الحفرة"، وطالبوا بفتح تحقيق في القضية باعتبارها جريمة لطمس الجرائم السابقة التي ارتُكبت باستخدام المقبرة.
وفي تصريح لمدير الدفاع المدني بمحافظة نينوى العراقية، العميد حسام خليل، لوكالة النبأ العراقية، فإن "حفرة الخسفة محاطة بأرض هشة تشكل خطراً على سكان القرى القريبة منها، خاصة عند سقوط الأمطار".
وأضاف أن "فرق الدفاع المدني لا تمتلك الإمكانات لفتح الحفرة؛ لكونها كبيرة جداً"، لافتاً إلى أنه "حتى الصليب الأحمر أو الفرق الدولية لم تتمكن من فتح المقبرة بعد أعوام من التحرير".
بدورها، استنكرت النائبة عن محافظة نينوى، إخلاص الدليمي، محاولات الردم، وطالبت بـ"فتح تحقيق بشأن دثر هذه الحفرة، لأن ذلك سيؤدي إلى ضياع حقوق المغدورين" ممن أُلقي بجثثهم في الحفرة.
ويأتي ذلك وسط مطالبات متجددة، منذ تحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة قبل 5 سنوات، بالتحقيق في مقبرة الخسفة ومحاولة مطابقة حمض الضحايا النووي للأعداد التي تُقدر بالآلاف من المفقودين العراقيين.
مطالبات بالتحقيق في المقابر الجماعية
من جانبهم، وجّه المسؤولون الحكوميون في نينوى مطالبات للحكومة في بغداد بالإسراع في فتح المقابر الجماعية بالعراق، خاصةً حفرتي الخسفة وعلو عنتر، اللتين تضمان "أكبر عدد لضحايا تنظيم داعش"، بحسب محافظ نينوى، نجم الجبوري.
ويضيف الجبوري، في حديث لموقع IQ NEWS العراقي، أن "المقابر الجماعية في نينوى ملف إنساني كبير، وعلى الحكومة والمنظمات الإنسانية الكشف عنها، وتعويض ذوي ضحايا هذه الجرائم".
وتقع حفرة علو عنتر في أطراف مدينة تلعفر، وتبعد نحو ستة كيلومترات عن مركز تلعفر الواقع تقريباً على بُعد 70 كم غرب مدينة الموصل، في مساحة مهجورة بعمق الصحراء.
بدوره يقول علي ميزر الشمري، نائب رئيس مفوضية حقوق الإنسان بالعراق، في تصريحاته لتلفزيون UTV العراقي: "مقبرة الخسفة واحدة من بين 72 مقبرة جماعية محددة لم تُفتح حتى الآن، كلها في محافظة الموصل وأغلبها في جبل سنجار وتلعفر وغابات الموصل".
تحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة
وفي العاشر من يوليو/تموز عام 2017، أعلنت القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة الموصل بعد شهور من المعارك المستمرة، قبل أن تفرض سيطرتها في نهاية شهر أغسطس/آب من العام نفسه على محافظة نينوى بالكامل.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب)، عثرت السلطات العراقية خلال عمليتها العسكرية لاستعادة المدينة على مقبرتين جماعيتين تضمان رفات مئات السجناء في منطقة حمام العليل، وهو مدفن جماعي بأرض زراعية مهجورة، وفي حفرة الخسفة الواقعة بقرية العذبة، وكلتاهما جنوب الموصل.
ومنذ تحرير الموصل تتواصل المطالب للحكومة بالكشف عن مصير المفقودين والضحايا، الذين تقدر المنظمات غير الرسمية أعدادهم بالآلاف، بعد الرجوع لشهادات المواطنين التي تقول إن تنظيم الدولة كان يستخدمها بصورة يومية لتنفيذ الإعدامات وإلقاء الجثث فيها.
أعداد مجهولة لضحايا المقبرة
وبحسب موقع الجزيرة.نت للأخبار، تؤكد مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، فاطمة العاني، أنه لا يوجد رقم حقيقي لأعداد من ألقي بجثثهم في مقبرة الخسفة.
إلا أنه بحسب أعداد المدنيين الذين جرى إعدامهم وأعلن عنهم تنظيم الدولة خلال سيطرته على الموصل، في منشورات دورية، فقد جاءت أسماء أكثر من 2070 مدنياً قُتلوا ورُمي بجثثهم فيها.
وبحسب الخبيرة العراقية، فإنه ومنذ استعادة المنطقة من التنظيم حدثت مجازر بحق المدنيين من قبل المجموعات المسلحة، وتم إلقاء جثثهم بمقبرة الخسفة.
ولم تقم الحكومة بالكشف عن هؤلاء الضحايا وانتشال رفاتهم أو تعويض ذويهم.
على الجانب الآخر، يؤكد نائب محافظ نينوى، حسن العلاف، في تصريحه للموقع ذاته، أن الحفرة شهدت إلقاء ما يقرب من 4 آلاف جثة لمدنيين وعسكريين خلال سيطرة التنظيم على الموصل.
وهو ما يجعلها أكبر مقبرة جماعية بالعراق إن لم يكن في العالم أيضاً.