أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة 26 أغسطس/آب 2022، أنه سيوقع مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، السبت، اتفاقاً للشراكة المتجددة بين البلدين، وهي خطوة لم تكن مبرمجة مسبقاً.
جاء ذلك في كلمة له أمام الجالية الفرنسية بمقر إقامة سفير باريس بالعاصمة الجزائر، في ثاني أيام زيارته للبلاد، حيث قال: "إنه سيعود، السبت، من وهران (غرب) إلى العاصمة الجزائرية؛ لتحية الرئيس تبون وتوقيع اتفاق للشراكة المتجددة".
وتضمّن الاتفاق الجديد جملة من التفاهمات تخص ملف الذاكرة وماضي الاستعمار الفرنسي، في الجزائر (1830-1962) والتعاون بمجال الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، والاقتصاد وتحديداً في الغذاء والموارد النادرة.
في اليوم الأول لزيارة ماكرون اتفق مع تبون على تكليف وزراء من حكومتي البلدين لصياغة مجموعة من التفاهمات في وثيقة نهائية.
الاتفاق الذي أعلنه ماكرون، سيكون ثاني وثيقة يوقعها البلدان خلال 10 سنوات بعد إعلان التعاون والصداقة الموقع عام 2012، بين الرئيسين السابقين عبد العزيز بوتفليقة وفرنسوا هولاند.
وقال ماكرون في كلمته الجمعة، إن "الأمور سارت بزخم وحماسة مع نظيره الجزائري، وسيترجم ما اتفقا عليه في اتفاقية شراكة جديدة".
اعترف ماكرون "بصعوبة المضي قدماً في تنفيذ الرؤية الجديدة للعلاقات، في ظل أطراف تنادي بالعداء المستمر للجزائر وأخرى تنادي بالعداء المستمر لفرنسا"، مستدركاً: "لكننا سنحاول أقصى ما لدينا".
وكان مقرراً أن ينهي الرئيس الفرنسي زيارته للجزائر، السبت، من وهران، حيث يزور كنسية سانتا كروز ودار إنتاج أغنية الراي الشهيرة "ديسكو-ماغراب" إلا أنه سيعود إلى العاصمة لتوقيع الاتفاقية.
يرافق ماكرون في زيارته الثانية للجزائر خلال 5 سنوات، وفد مكون من 90 شخصية، بينهم وزراء ورجال أعمال ومثقفون مختصون في تاريخ البلدين.
يقول محيط الرئيس الفرنسي إنها زيارة موجهة للشباب، وتهدف إلى تجاوز التوتر الذي ساد بين البلدين منذ قرابة سنة على خلفية قضايا خلافية، كملف الذاكرة المرتبط بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر وغيره.
صفحة جديدة
واتفق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، على فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية وإقامتها في ظل الاحترام وتوازن المصالح، بعد توتر شابها منذ سنوات واشتد قبل نحو 11 شهراً.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك أعقب محادثات ثنائية وموسعة بين الطرفين في مستهل زيارة للرئيس الفرنسي تدوم 3 أيام.
قال تبون: "تطرقت مع الرئيس ماكرون إلى جل مواضيع التعاون الثنائي وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين، ويضمن إعطاء دفعة نوعية للعلاقات، وذلك تكريساً للتوجه الجديد المتفق عليه المبني على إقامة شراكة استثنائية شاملة في ظل الاحترام وتوازن المصالح بين البلدين".
أشار إلى أنه أجرى "محادثات بناءة مع الرئيس الفرنسي بالصراحة المعهودة تنم عن خصوصية العلاقات بين بلدينا وعمقها؛ لكونها تشمل جميع المجالات انطلاقاً من الذاكرة مروراً بالتعاون التقني والاقتصادي".
من جانبه قال ماكرون، إنه "منخرط فيما قاله الرئيس الجزائري، بعناية فائقة لكلماته"، مشيراً إلى أن من أبرز أهداف زيارته "التطلع المشترك إلى المستقبل". وأضاف أن الجانبين "قررا النظر ومواجهة وفتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية".
أردف ماكرون: "نعيش لحظة فريدة، آمل أن تسمح لنا بالنظر إلى المسألة بتواضع وصدق، وليس لنا أن نتخلص من هذا الماضي، إنه أمر مستحيل، لأن الأمر يتعلق بأرواح وأيضاً بتاريخنا". وأضاف مستدركاً: "لكن أيضاً مسؤوليتنا أن نتطلع إلى المستقبل من أجلنا، ومن أجل شبابنا".
أزمة بين فرنسا والجزائر
كان ماكرون قد شكك، في 30 سبتمبر/أيلول 2021، بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، واتهم النظام السياسي الجزائري القائم بأنه "يستقوي بريع الذاكرة".
من جانبها، ردت الجزائر في 2 أكتوبر/تشرين الأول (بعد يومين)، بسحب سفيرها في باريس للتشاور، واستمرت القطيعة 3 أشهر، وحظرت مرور الطائرات الفرنسية العاملة بمالي، قبل أن تستأنف الاتصالات تدريجياً أواخر يناير/كانون الثاني 2022.
كما سبق أن قلصت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بـ50%، حيث شمل القرار مسؤولين جزائريين وذويهم، على خلفية ما أرجعته باريس إلى عدم تعاون الجزائر في ملف الهجرة غير النظامية.
أضاف ماكرون: "الهجرة غير النظامية لديها تداعيات سلبية على الأمن العام بفرنسا، ما يستدعي العمل عليه، لكن في المقابل نقدم مقاربة لتسهيل تنقّل الأشخاص المرتبطين بالبلدين لبناء التواصل والتعاون بين الضفتين".
كما أفاد بأن الغاز "لا يشكل جوهر زيارته للجزائر (..) نحن لسنا في وضعية بعض الدول، حيث إن الغاز الجزائري شيء يمكنه قلب المعادلة"، في إشارة إلى حاجة دول أوروبية إلى مصادر غاز بديلة للغاز الروسي.
في الوقت نفسه، ذكر أن فرنسا في نموذجها الطاقوي "تعتمد على الغاز بنسبة 20% فقط، يشكل منها الغاز الجزائري 8%". واستدرك: "سنحاول تحسين الأمور في المستقبل، لكن ليس صحيحاً أن غاز الجزائر هو الموضوع الرئيسي للزيارة".