بعد 7 أعوام من إغلاقها في ليبيا، قرّرت الجمعية العامة للمحكمة العليا في إعادة تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة الدستورية العليا، المغلقة منذ عام 2016، في خطوة يرى خبراء دستوريون أنها ستنهي الجدل القائم حول الملفات القانونية والدستورية في البلاد، والصراع الجاري بين أجسام الدولة ومؤسساتها، الذي قاد البلاد نحو الانقسام السياسي، وخصوصاً فيما يتعلق بملف الانتخابات والقواعد الدستورية المشرعة لها.
فخلال اجتماعها اليوم، تعهدت الدائرة الدستورية بالنظر في كل الطعون التي وردتها، كما تعهدت بعدم الانحياز لأي طرف في البلاد.
لماذا عادت المحكمة الدستورية؟
كان رئيس المحكمة العليا الليبية، محمد الحافي، كان قد قدم استقالته من منصبه كرئيس للمحكمة عام 2021 للترشح للانتخابات الرئاسية، وظل منصب رئيس المحكمة الدستورية شاغراً، وعليها أعاد البرلمان تشكيل المحكمة، فكلف 40 مستشاراً لإعادة هيكلة المحكمة الدستورية من جديد وانتخاب رئيس لها بدلاً من الحافي.
لم يتمكن الـ40 المعينون من حلف يمين الدستوري بعد استمرار الخلافات بين المعينين، وظلت المحكمة دون رئيس ولا هيكلة جديدة، يقول محمد الحافي في تصريحات لـ"عربي بوست" إن الجمعية العمومية دعته للاجتماع من جديد وأعادته بدورها رئيساً لها ليعود إلى منصبه القديم، في 11 من أغسطس/آب الجاري.
وبعد استلام الحافي لمهامه قامت الجمعية العمومية بالاجتماع، وقررت تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا.
أعادت المحاكمة الحافي في محاولة منها، لتذويب حالة الانسداد الدستوري الحاصل بين المجلسين التشريعيين في البلاد (مجلس الدولة، والبرلمان).
وقبل يومين اجتمع رئيس المجلس الرئاسي ورئيس المحكمة العليا ورئيس جهاز المخابرات؛ لمناقشة سبل حلحلة الأزمة الدستورية الحاصلة، وخلصوا إلى تفعيل الدائرة الدستورية لحسم الطعون المقدمة في مشروع الانتخابات والقاعدة الدستورية، لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب وقت ممكن.
يقول المحامي والخبير القانوني، مهدي كشبور، لـ"عربي بوست"، إن عودة المحكمة الدستورية سيجعلها تفصل في الطعون التي أجلت بخصوص قانون الانتخابات، وأنها ستراجع كل التشريعات والقوانين التي قام البرلمان بتشريعها والنظر في نصاب جلساته والحد من القوانين غير الدستورية، فيما يخص المحكمة العسكرية التي كان من أبرزها محاكمة المدنيين أمام تلك المحاكم بالمخالفة للقانون.
ونوه كشبور إلى أن المحكمة ستتعامل مع كل الاتفاقات والقواعد الدستورية السابقة، وعلق كشبور موضحاً الفرق بين الشرعية والمشروعية، قائلاً "إن اتفاق الصخيرات يعتبر غير دستوري، وما نتج عنه غير شرعي، ولكن بنظرية أن يبقى الوضع كما هو عليه، فإن المحكمة عليها إصدار جملة من القوانين والتشريعات لإجراء عملية إحلال وتبديل بين الموظفين الفعليين في الدولة المعينين بعد اتفاقات دولية، بموظفين آخرين يملكون الشرعية التي منحتها لهم الانتخابات".
عودة المحكمة لا تحل الأزمة..
وعلى العكس من ذلك، يقول الخبير القانوني، أنس أبوشعالة، إن عودة المحكمة الدستورية للرقابة القضائية على القوانين لا تعتبر انفراجة في الأزمة الحاصلة، لأن الفصل في القضايا الدستورية يأتي باجتماع رؤساء دوائر المحاكم العليا مجمتعة، وليس قاصراً على الدائرة الدستورية في المحكمة.
يضيف أبو شعالة أنه وطالما أعادت المحكمة عمل الدائرة بنفس هيكلها القديم، لماذا لم توضح سبب إيقافها كل هذه المدة، ولماذا عادت من جديد بنفس الإدارة القديمة، لاسيما أن الأزمة الحاصلة كانت تقارب على عام تقريباً، فلماذا الآن بالتحديد؟
وتشهد ليبيا منذ فترة طويلة، خلافاً على قوانين الانتخابات الصادرة عن مجلس النواب في طبرق، دون التوافق بشأنها مع المجلس الأعلى للدولة كما ينص الاتفاق السياسي، كان ذلك أحد أهم أسباب فشل الانتخابات التي كانت من المفترض أن تنعقد في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتختص الدائرة الدستورية في الفصل بالقضايا والطعون ذات الجانب الدستوري والقانوني، والقضايا والخلافات حول القوانين والتشريعات والقرارات التي تصدر عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأيضاً أي مخالفة أو طعن في الإعلان الدستوري.
ويأتي تفعيل الدائرة في وقت حرج للغاية من مسار أزمة البلاد، خاصة تعثر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي لأسباب دستورية مرتبطة بقوانين الانتخابات التي اتهم رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح بالانفراد في إصدارها، دون تصويت النواب، أو التوافق مع المجلس الأعلى للدولة.
وفي 5 مايو/أيار 2016، أصدرت الجمعية العمومية للمحكمة العليا، قرارها رقم (7)، القاضي بتأجيل النظر في القضايا المنظورة أمام الدائرة الدستورية إلى حين إشعار آخر، تحدده الجمعية العمومية.