كشفت مصادر مقربة من الحكومة التونسية لـ"عربي بوست" أن وزيرة العدل في تونس، ليلى جفال، أصبحت من المغضوب عليهم بسبب ما خلص له قيس سعيّد من خلوّ ملفّات القضاة الذين أمضى على عزلهم من أي تهم، كما جاء في التقرير الذي قدمته له.
وأضافت المصادر نفسها أن قيس سعيد لم يخف خلال عدد من اللقاءات المهمة أنه يرى أن وزيرة العدل في تونس قد ضربت صورة ومصداقية الحرب على الفساد التي أعلنها ضمن الإجراءات الاستثنائية.
وكان الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية، عماد الغابري، قد قال في تصريح سابق لـ"عربي بوست" إنه "بعد التحقيقات قرر القاضي إيقاف تنفيذ عزل الـ47 قاضياً ممن خلص إلى أن قرارات العزل التي شملتهم لم يتوفر فيها الموجب الواقعي والقانوني".
وأضاف المتحدث أن المحكمة الإدارية وجهت مطالب للأطراف الإدارية المعنية والجهات المقابلة للقضاة المعزولين (وزارة العدل ورئاسة الجمهورية) لتمكينها من تعليل العزل، إلا أنها لم تتلقَ أي ردّ، رغم تمديد آجال تلقي الردود بطلب من وزارة العدل.
تقارير تُكذِّب الوزيرة
كشف مصدر مقرب من الحكومة التونسية أن الرئيس توصل أياماً بعد توقيعه قرار العزل لـ57 قاضياً إلى تقريرين من جهتين مختلفتين عن ملف القضاة المعزولين، تقاطعا في وجود ملفّات تخصّ نحو 10 قضاة فقط وليس 57 قاضياً كما جاء في تقرير الوزيرة.
وكان مصدر التقرير الأول المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، الذي كلّفه الرئيس سعيد بعد تنصيبه بملف تطهير القضاء من الفاسدين، وكان جرده مبنياً على بيانات وإجابات التفقدية العامة بوزارة العدل والجهات القضائية.
أما التقرير الثاني فكان مصدره اللجنة المشتركة بين وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية التي كلّفها سعيّد بمتابعة الملفّ من جهتها كذلك، والتي أكدت أيضاً عدم وجود أي أدلة ضد لائحة القضاء المقترحة من وزيرة العدل، ليلى جفال، في بداية يونيو/حزيران الماضي.
وتتابع نفس المصادر لـ"عربي بوست"، أن التقريرين خلصا إلى أنه لا توجد أي أدلة أو تتبعات جزائية أو قضايا بخصوص ما ورد في التقارير المتعلقة بأكثر من 40 قاضياً من معلومات واتهامات.
واتهم سعيد، بناء على تقرير من الوزيرة، القضاة المعزولين بالفساد، والتواطؤ، والتستر على متهمين في قضايا إرهاب، وانتقد علاقتهم بأحزاب سياسية، بالإضافة إلى استعمالهم لنفوذهم لمنع اتخاذ إجراءات جزائية ضدّهم في قضايا بعضها أخلاقي.
ليلى جفال والرئيس.. القطيعة
كان آخر لقاء مُعلَن بين الرئيس التونسي، قيس سعيد، ووزيرة العدل، ليلى جفال، في 6 يونيو/حزيران 2022، ولم يتطرّق الرئيس سعيد منذ ذلك التاريخ تقريباً إلى ملفّ الفساد في القضاء، ولم يعلّق على قرار المحكمة الإدارية.
كشفت مصادر مقربة من الحكومة لـ"عربي بوست" أن ديوان الجفال وجّه مراسلة رسمية لقصر قرطاج نهاية يونيو/حزيران لطلب إدراج لقاء بروتوكولي للجنة العفو مع سعيّد بمناسبة عيد الأضحى، للتوقيع على لائحة المساجين الذين سيتمتّعون بالعفو، كما هو مُعتاد في الأعياد والمناسبات.
فالمتعارف عليه في تونس، هو عقد رئيس الجمهورية لقاءً مع وفد عن لجنة العفو بوزارة العدل، ويرأسه وزير العدل في عدد من المناسبات والأعياد لتوقيع عفو رئاسي عن مئات المساجين، في قضايا عادة ما تتعلّق باستهلاك المخدّرات.
لكن هذا العيد كان الاستثناء، إذ رفض قيس سعيّد عقد لقاء تحضره وزيرة العدل بصفتها رئيساً للوفد، الأمر الذي جعل عيد الأضحي يمرّ فعلاً دون إعلان تمتيع مئات المساجين بعفو رئاسي خاصّ، حسب ما أكده مصدر مقرب من الحكومة لـ"عربي بوست".
الأمر نفسه انطبق على ذكرى إعلان الجمهورية في تونس في 25 يوليو/تموز الماضي، إذ لم ينعقد اللقاء المُعتاد بين وفد لجنة العفو برئاسة وزيرة العدل ورئيس الجمهورية للنظر في ملفّ العفو الرئاسي الخاصّ، كما هو المعتاد في هذه المناسبة.
وسائط بين الرئيس والوزيرة
من جهتها، أكدت مصادر مقربة من الحكومة لـ"عربي بوست" أن رئيس الجمهورية قيس سعيدّ أصبح يتطرّق للملفات المتعلقة بوزارة العدل مع رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، ووزيري الداخلية، توفيق شرف الدين والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي.
وأضافت المصادر نفسها أن الوزراء الثلاث تحولوا إلى ما يُشبه همزة الوصل بين الرئيس قيس سعيد ووزارة العدل منذ أكثر من شهر ونصف على القطيعة غير المعلنة بين قصر قرطاج وليلى جفال.
ورغم ذلك، ما زالت وزيرة العدل في تونس، ليلى جفال مستمرة في التمسك بعزل القضاة الـ57 كما طلب المرة الأولى، إذ أكدت نهاية الأسبوع الماضي، أن القضاة المشمولين بالإعفاء محل إجراءات وتتبعات جزائية.
من جهتهم، أكد القضاة الذين حكمت لهم المحكمة الإدارية بالعودة لعملهم، أن الوزيرة أعطت تعليمات باستبدال أقفال أبواب مكاتبهم، وبمنعهم من العمل رغم قرار المحكمة بإيقاف تنفيذ قرار العزل.
وضمت قائمة القضاة المعزولين أسماء معروفة، كيوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قام سعيّد بحله، ورئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي، وعدة قضاة عارضوا توجهات الرئيس التونسي في الشأن القضائي مؤخراً.
من هي وزيرة العدل في تونس؟
ليلى جفال، هي قاضية تونسية ظهر اسمها لأول مرة خلال الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس عام 2019، فبعد استقالة حكومة إلياس الفخفاخ كلّف قيس سعيد هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة كان له اليد في تعيين عدد من أعضائها.
وكانت ليلى جفال من بين الوزراء في حكومة المشيشي الأولى، حيث تقلدت حينها حقيبة وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بفضل علاقة الصداقة التي تجمعها بزوجة سعيّد، إقبال الشبيل.
ومنذ حصول حكومة المشيشي على ثقة البرلمان في أغسطس/آب 2020، وظهور الشرخ في العلاقة بين سعيّد والبرلمان من جهة وبين سعيّد ورئيس الحكومة من جهة أخرى، تحوّلت ليلى جفال إلى أحد أعين رئيس البلاد في الحكومة وأكثرهم زيارة لقصر قرطاج.
تحركات ليلى جفال جعلتها في مرمى اتهامات الأحزاب المساندة لحكومة المشيشي ونوابها في البرلمان، منها النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، الذين اتهموها بدفع الأزمة مع الرئيس ومغالطته لمزيد من توسيع الشرخ مع هشام المشيشي والإطاحة به.
بعدها، كانت ليلى جفال، وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية حينها، أحد الوزراء الخمس المحسوبين على قيس سعيّد، الذين شملهم قرار هشام المشيشي بالإقالة من حكومته في منتصف فبراير/شباط 2021.
إقالة ليلى جفال و4 وزراء آخرين بتهمة "الولاء للرئيس" زاد آنذاك في منسوب الأزمة السياسية التي بلغت حدّ تعليق سعيّد لعمل البرلمان وصلاحيّاته، وإقالة حكومة المشيشي في 25 يوليو/تموز 2021.
وبعد تكليف الرئيس قيس سعيد لنجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة، عادت ليلى جفال من جديد لتتولى هذه المرة منصب منصباً أقوى، وتقلدت حقيبة العدل منذ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ليلى جفال هي قاضية، من مواليد 29 أغسطس/آب 1960 بمدينة رادس، من محافظة بن عروس، وحصلت على إجازة في القانون الخاص عام 1985، وشهادة أهلية لمهنة المحاماة عام 1986 ودخلت سلك القضاء عام 1987.
شغلت ليلى جفال منصب مستشارة بمحكمة التعقيب، ورئيسة الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بمحافظة نابل، كما عُيّنت رئيسة للمحكمة الابتدائية بقرمبالية، ورئيساً أولاً لمحكمة الاستئناف بمحافظة نابل.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”