في خطوة خالفت كل التوقعات قررت المحكمة الإدارية في تونس إيقاف تنفيذ قرار عزل 47 قاضياً، من 57 قاضياً كان الرئيس قيس سعيد قد قرر عزلهم، بداية يونيو/حزيران الماضي، في خطوة قوبلت بانتقادات داخلية وخارجية، واتهامات للرئيس بسعيه لوضع يده على القضاء.
الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية، عماد الغابري، أكد من خلال حديث مع "عربي بوست" أن المحكمة الإدارية قررت إيقاف تنفيذ عدد من قرارات العزل الصادرة ضدّ 57 قاضياً وقاضية، وذلك بعد بتّ القاضي المختصّ في العرائض والشكاوى التي تقدّم بها القضاة المعنيون بالعزل ومحاموهم.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "القاضي قرر إيقاف التنفيذ بعد تحقيقات حول أسباب العزل وملابساتها، كما وجه مطالب للأطراف الإدارية والجهات المقابلة (في إشارة إلى وزارة العدل ورئاسة الجمهورية)، لتمكينه من تعليلات وأسباب وتفاصيل الإعفاءات".
وكشف المتحدث أنه "بعد التحقيقات وطلب التعليل قرر القاضي المختصّ إيقاف تنفيذ عزل الـ47 قاضياً، ممن خلص إلى أن قرار العزل الذي شملهم لم يتوفر فيه الموجب الواقعي والقانوني، أما بقية القضاة فعزلهم كان معللاً وتوفر فيه الموجب القانوني والواقعي".
وخلال الفترة الماضية وجّهت هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، اتهامات للمحكمة الإدارية بتلقي تعليمات برفض تسلّم الطعون المتعلقة بتوقيف تنفيذ قرارات عزل قضاة بأمر رئاسي، وهو ما دفعها الى إيداع العرائض بواسطة البريد مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ، لضمان تسلّمها من طرف المحكمة الإدارية.
طلب تعليل وتنبيه ولكن..
وفق ما كشفته مصادر لـ"عربي بوست" فملفات الـ47 قاضياً الذين شملهم قرار إيقاف تنفيذ قرار عزلهم "فارغة"، ولم تتضمن أي مؤيّدات أو تعليلات لقرار العزل، بالتوازي مع عدم وجود قضايا جزائيّة ضدّهم.
ووفق المصادر نفسها، وجَّه الرئيس الأول للمحكمة الإدارية نسخة من عرائض وشكاوى القضاة المعزولين إلى رئاسة الجمهورية ووزارة العدل، وطلب منها تعليل قرار العزل، ولكن لم تتوصل المحكمة لأي ردّ، ما جعلها تُوجه تنبيها ثانياً، مع تمكينهما من أجل جديد للتعليل وتوضيح أسباب قرار العزل.
وأضافت المصادر نفسها، ولكن رغم التنبيه الثاني الذي وجهه الرئيس الأول للمحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارة العدل، لم يتلق جواباً إلى حين انقضاء الآجال، وهو ما انتهى بالبتّ في قرارات عزل دون تعليل لها من طرف مُتخذي القرار، ومنه إيقاف تنفيذها.
ومباشرة بعد قرار سعيد عزل 57 قاضياً، أعلنت الهياكل المهنية القضائية عن تنفيذ إضراب عام في كل محاكم تونس، انطلق في 6 يونيو/حزيران 2022، واستمرّ الإضراب الى حدود تعليقه مؤقتاً في 3 يوليو/تموز 2022.
العودة للعمل
بعد توصل المحكمة الإدارية في تونس لقرار إيقاف تنفيذ قرار عزل 47 قاضياً من جملة 57 شملهم قرار العزل من طرف قيس سعيد، تمرّ المحكمة الإدارية إلى إعلام الإدارة المعنية بقرار إيقاف التنفيذ، وهي مُلزمة بتنفيذه وعودة القضاة إلى عملهم في المناصب نفسها وبالحقوق والامتيازات نفسها.
كما ستقوم المحكمة الإدارية في تونس بإعلام هيئة دفاع القضاة المعنيين بقرارات إيقاف التنفيذ والعودة لعملهم، ومدهم بنسخ من القرارات الصادرة للمرور لطور التنفيذ، وفق ما أوضحه لـ"عربي بوست" الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري.
بقية القضاة الذين لم يشملهم قرار المحكمة الإدارية في تونس بإيقاف تنفيذ قرار عزلهم من مناصبهم، لن يتمكّنوا من العودة لعملهم، حيث رُفضت العرائض التي دفعوا بها للمحكمة الإدارية، نظراً لوجود تعليل في الملفات المتعلقة بعزلهم.
وتتمثل هذه الملفات أساساً في كونهم مشمولين بتتبعات جزائية، ولا يُمكن لهم الطعن في قرار العزل إلا بعد صدور أحكام باتّة ونهائية في القضايا الجزائية التي أدت إلى عزلهم من مناصبهم كقضاة.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”