نقلت وسائل إعلام تونسية عن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الإثنين 25 يوليو/تموز 2022، أن نسبة الإقبال على التصويت في استفتاء حول مشروع دستور جديد، بلغت 12% فقط، بعد 7 ساعات من فتح مراكز الاقتراع.
كانت الهيئة العليا للانتخابات، قالت في وقت سابق، الإثنين، إن نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد بلغت 6.32% خلال 3 ساعات ونصف منذ فتح صناديق الاقتراع؛ ما يشير إلى انحسار التفاعل مع الاستفتاء الدستوري الذي يجري في مناخ استقطاب سياسي تنتقده أحزاب المعارضة
وبدأ التونسيون صباحاً المشاركة بالتصويت في استفتاء حول مشروع دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيّد، وقد يعيد البلاد إلى نظام ديكتاتوري شبيه بذلك الذي كان قائماً قبل العام 2011، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ويوجد أكثر من 11 ألف مركز اقتراع مفتوحة أمام المواطنين بين الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش والساعة 21,00، بحسب هيئة الانتخابات المكلّفة تنظيم الاستفتاء، الذي من شأنه، وفق سعيّد، وضع حدّ للأزمة السياسية الناجمة عن سيطرته على كافة السلطات في البلاد قبل عام.
بحسب هيئة الانتخابات، تسجّل 9,296,064 ناخبًا بشكل طوعي أو تلقائي للمشاركة في الاستفتاء الذي ترفضه معظم الأحزاب السياسية وينتقده الحقوقيون. وبدأ المغتربون البالغ عددهم 356,291 الإدلاء بأصواتهم، السبت، ولديهم حتى الإثنين للاقتراع.
فيما تعتبر نسبة المشاركة هي الرهان الأبرز في هذا الاستفتاء الذي لا يتطلب حداً أدنى من المشاركة. ويُتوقع أن يحظى الدستور الجديد بقبول شعبي، بينما دعت المعارضة بجزئها الأكبر إلى مقاطعة الاستفتاء.
دستور سعيّد يثير المخاوف
يثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى الخبراء بتأسيسه لنظام رئاسي ويقطع مع النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 في تونس التي اعتُبرت المثال الناجح في المنطقة لما أُطلِقت عليه تسمية "الربيع العربي".
مرحلة الاستفتاء "هي الثانية ضمن مخطط تم إقراره" من قِبل الرئيس، بعد أن قام "بتعليق ثم حلّ المؤسسات الجمهورية بما فيها البرلمان"، بالإضافة إلى تغيير قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات.
حيث ينصّ الدستور الجديد على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه، ويمكن أن يقيله إن شاء، من دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من قِبل نواب البرلمان.
فضلاً عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و"المجلس الوطني للجهات" ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقاً قانون يحدد مهامه.
بينما تندّد المعارضة والمنظمات غير الحكومية بالنصّ الجديد، معتبرةً أنه "مفصّل على قياس" سعيّد ويحصر السلطات بأيدي الرئيس الذي لا يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد، خلافاً لما جاء في دستور العام 2014. في المقابل يُمنح للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
فيما تنصّل أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد الذي كلّفه سعيّد صياغة الدستور الجديد، من النصّ النهائي الذي نشره الرئيس، معتبراً أنه "يفتح المجال أمام نظام ديكتاتوري".
دعوات للمقاطعة والعزوف
دعا حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية وأبرز المعارضين للرئيس إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره "مساراً غير قانوني"، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
يمارس الرئيس التونسي منذ عام الحكم بشكل منفرد أكثر فأكثر، ويقود البلاد إلى "جمهورية جديدة" تعتبرها المعارضة "انقلاباً".
يعتبر سعيّد (64 عاماً) مشروع الدستور الجديد امتداداً لعملية "تصحيح المسار". وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 تمّوز/يوليو 2021 باحتكار السلطات في البلاد، وإقالة رئيس الحكومة السابق، وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقاً. ومن المقرر أن تُنظم انتخابات نيابية في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
فيما غيّرت مؤسسات دولية على غرار "فريديم هاوس" و"ذي إيكونوميست" تصنيفها لتونس مؤخراً من دولة "حرّة" إلى دولة "حرّة جزئياً"، حسب الباحث يوسف الشريف الذي يؤكد أن "الناس بإمكانهم التعبير بكل حرّية والذهاب للانتخاب ورفض (الاستفتاء) من دون أن يتم سجنهم، وهذا يبين أننا لسنا أمام الصورة التقليدية للديكتاتورية".
يضيف أن السؤال المطروح في هذا السياق هو ماذا بعد قيس سعيّد مع هذا الدستور الذي "يمكن أن ينتج نظاماً سلطوياً سيكون شبيهاً بما كانت عليه الحال قبل العام 2011".
أمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لإيجاد الحلول لذلك، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
كما أعلن صندوق النقد الدولي أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيراً إلى أنّ المحادثات بين الجانبين حقّقت "تقدماً جيّداً".
تتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.
فيما يقدّر خبراء بأن يبلغ حجم القرض نحو ملياري يورو. ويرى هؤلاء أن الإصلاحات التي ستقوم بها تونس ستثقل كاهل المواطنين أكثر فأكثر، خصوصاً في ما يتعلق بمراجعة سياسة دعم المواد الأساسية.