مع اقتراب كل موسم صيف في المغرب، يبدأ نشطاء بمجال البيئة، خصوصاً في جنوب المملكة، بالحديث عن أزمة المياه والتصريح بخطر العطش الذي يواجههم ليكون حديثاً متجدداً عن أزمة المياه في المغرب.
لم يعد هذا الخطاب مدنياً وحقوقياً فقط، بل أصبح رسمياً بإعلان الحكومة "حالة طوارئ مائية" خلال الأيام الأخيرة، وإطلاق حملة لتوعية مختلف المواطنين بضرورة الحد من تبذير المياه، بالنظر إلى وضعية "الإجهاد" المائي الذي تواجهه المملكة.
وكان المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة دستورية دورها مراقبة تدبير الأموال العمومية)، قد نبه في تقريره حول أزمة المياه في البلاد، إلى وجود المغرب ضمن الدول العشرين التي تصنف عالمياً في "وضع إجهاد" من حيث توافر الموارد المائية.
إلى ذلك تبحث الحكومة من جهتها عن حلول مستدامة وبديلة لتجاوز تداعيات الجفاف ومشكلة ندرة المياه بشكل عام؛ وعلى رأسها حلول مندمجة تمزج بين استعمال المياه السطحية والمياه الجوفية، وكذا تحويل المياه بين الأحواض المائية والمياه غير الاعتيادية، إضافة إلى الاقتصاد في الماء، ثم معالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر.
أرقام مفزعة وفترة جفاف
في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، قدّم وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أرقاماً مفزعة حول الوضع المائي بالمغرب، ضمن عرض قدمه يوم الأربعاء 6 يوليو/تموز الجاري، أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة، مشيراً إلى أن الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022، من أشد الفترات جفافاً على الإطلاق في المملكة.
بلغة الأرقام، كشف بركة أن المملكة شهدت منذ بداية 2021 وإلى غاية اليوم سقوط أمطار تراوحت في المعدل بين 11.5 ملليمتر و325 ملليمتراً، وهو ما يشكل عجزاً يقدر بـ50% مقارنة مع معدل الأمطار للفترة نفسها من العام الماضي.
كما سجَّل الوزير الوصيّ، في العرض نفسه، انخفاض إجمالي الواردات المائية عندما بلغ حجمها منذ الأول من سبتمبر/أيلول 2021 نحو 1.83 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل عجزاً يقدر بـ85% مقارنة بالمعدل السنوي.
وعلى مستوى المخزون المائي للسدود، أوضح المصدر ذاته أنه بلغ إلى غاية 5 يوليو/تموز الحالي نحو 4.87 مليار متر مكعب؛ أي ما يعادل 30.2% كنسبة ملء إجمالي مقابل 46.5% سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.
توزيع مختلٌّ واستغلال مفرط
قال المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره حول الوضعية المائية بالمغرب، إن ثمة استغلالاً مفرطاً للمياه الجوفية، إذ تبلغ كمية الموارد المائية المستنزفة وغير القابلة للتجديد 1.1 مليار متر مكعب، مقابل كمية تناهز 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من المياه السطحية المعبأة مسبقاً بواسطة السدود دون أن تُستعمل.
وكشف التقرير ذاته، أن السدود تعاني من ظاهرة التوحل التي تؤدي إلى تناقص سعتها التخزينية الإجمالية للمياه بما يقدر بـ75 مليون متر مكعب سنويا.
كما سجل تقرير المجلس، أن الوضع المائي في المغرب الذي يتوفر على موارد مائية تقدر بنحو 22 مليار متر مكعب في السنة، يتسم بتوزيع غير متوازن بين الأحواض المائية من حيث الإمدادات السنوية بالمياه.
وأشار إلى وجود فائض في بعض الأحواض المائية يتم تصريفه أحياناً في البحر دون الاستفادة منه، بالمقابل تعاني بعض المناطق الأخرى من صعوبة توفير موارد مائية من أجل السقي وفي بعض الحالات من أجل الشرب.
حصص المياه في تناقص
هو الأمر نفسه الذي يؤكده الأكاديمي والخبير في المناخ والتنمية المستدامة، فؤاد زهراني، بقوله إنه "ليس هناك توزيع متكافئ لهذه الموارد المائية على مستوى التراب الوطني، إلى جانب نقص في المياه بتعرض الفرشة المائية للاستنزاف".
في حديثه لـ"عربي بوست"، يعتقد زهراني أن "الأسباب التي ساهمت في ندرة المياه بالمغرب، ترتبط بشكل أساسي بالموارد المائية الضعيفة في الأصل. فالمملكة من بين الدول التي تتوفر على أضعف الموارد المائية في العالم، بالنظر إلى موقعها الجغرافي في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تتميز بمناخ موسوم بقلة التساقطات".
وتابع أنه من خلال الوضع الحالي "فحصة المواطن المغربي آخذة في التناقص كل سنة؛ لأن بلادنا تعرف زيادة سكانية، ومن ثم زيادة الحاجة إلى الاستهلاك المفرط للمياه في جميع القطاعات الفلاحية والصناعية إلى جانب الاستهلاك اليومي للمواطنين".
هنا أوضح الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، أن "تناقص حصة المواطن من الماء في السنة، والتي تراجعت عن 1000 متر مكعب في العام، يعني أن بلادنا تشهد إجهاداً مائياً ودخلت في مشكلة ندرة المياه".
سياسات ذكية وحوكمة جيدة
أمام هذا الوضع، يجب على السلطات العمومية المختصة "وضع سياسات ذكية لمشكلة الأمن المائي والغذائي، من أجل الرفع من تثمين وتأمين إنتاجية المياه دون الاعتماد على الأمطار التي تشهد انخفاضاً في المعدلات"، يدعو المهندس الاستشاري في مجال الماء، محمد أحماماد.
ضمن تصريحه لـ"عربي بوست"، يقترح أحماماد على السلطات المختصة، "كإجراء لتجاوز تراجع نقص المخزون المائي وتفادي أزمة مائية، وضع وتطبيق استراتيجية تظهر بجلاءٍ مفهوم الحوكمة الجيدة للموارد المائية، والبحث عن موارد مائية غير تقليدية؛ مثل إعادة استعمال المياه العادمة، واستغلال مياه الأمطار، ثم اللجوء بشكل خاص لتحلية مياه البحر، وتشبيك الأحواض المائية ونقل المياه من منطقة الوفرة إلى الأحواض التي تسجل عجزاً في المخزون".
ويؤكد المصدر ذاته، في السياق نفسه، "أهمية اعتماد مقاربة الديمقراطية في إعداد البرامج والمخططات، من خلال الإنصات العميق لأولويات المواطنين عبر تفعيل آليات الحوار والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين".
كما أشاد المهندس الاستشاري في مجال الماء بمشروع تزويد مدينة الداخلة جنوب المغرب بمياه الشرب والسقي، من خلال إنشاء محطة لتحلية مياه البحر، مشدداً على أن المشروع "يندرج في إطار النموذج الجديد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية".