لأول مرة منذ أكثر من قرن، تخلّفت روسيا عن سداد ديونها الخارجية، بعد أن عجزت عن الوفاء بموعد نهائي كان مقرراً الأحد 26 يونيو/حزيران 2022، وفق ما ذكره موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
كما ذكرت وكالة Bloomberg الأمريكية، الاثنين 27 يونيو/حزيران، أن روسيا تخلَّفت، مساء الأحد، عن الموعد النهائي لمدة السماح البالغة 30 يوماً لسداد 100 مليون دولار من مدفوعات الفائدة على سندات دولية كانت مستحقة عليها في الأصل في 27 مايو/أيار.
فيما أشار موقع "بي بي سي" إلى أن روسيا تمتلك المال اللازم لدفع فوائد بقيمة 100 مليون دولار، وهي على استعداد للدفع، ولكن العقوبات المفروضة عليها جعلت من المستحيل دفع المبالغ إلى الجهات الدولية الدائنة.
روسيا في وضع غير مسبوق
وبينما كان الكرملين مصمماً على تجنب التخلف عن السداد، الذي يمثل ضربة كبيرة لهيبة الدولة؛ وصف وزير المالية الروسي الوضع بأنه "مهزلة".
تقارير إعلامية أشارت إلى أن آخر مرة تتخلف فيها روسيا عن سداد ديونها الخارجية كانت في 1918، أثناء الثورة البلشفية، عندما رفض الزعيم الشيوعي آنذاك، فلاديمير لينين، سداد ديون الإمبراطورية الروسية.
كما أنه في عام 1998، كانت آخر مرة تتخلف فيها موسكو عن سداد ديون من أي نوع، حين هزت البلاد أزمة الروبل، خلال النهاية الفوضوية لنظام بوريس يلتسين.
في ذلك الوقت، فشلت موسكو في الاستمرار في سداد مدفوعات سنداتها المحلية، لكنها تمكنت من سداد ديونها الخارجية.
فيما بدا أن روسيا تتجه في مسار حتمي للتخلف عن السداد، منذ أن فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات عليها في أعقاب غزو أوكرانيا.
أدى ذلك إلى تقييد وصول موسكو إلى الشبكات المصرفية الدولية، التي تنظم المدفوعات من روسيا إلى المستثمرين في جميع أنحاء العالم. وقالت الحكومة الروسية إنها تريد تسديد جميع مدفوعاتها في الوقت المحدد، وكانت قد نجحت حتى الآن.
كان على روسيا دفع الفائدة، البالغة قيمتها 100 مليون دولار، في 27 مايو/أيار الماضي. وتقول روسيا إن الأموال أرسلت إلى "يوروكلير"، وهو مصرف يقوم بعد ذلك بتوزيع المدفوعات على المستثمرين.
لكن هذه المدفوعات ظلت عالقة هناك، وفقاً لشبكة بلومبرغ، ولم يتسلمها الدائنون. ولم تصل الأموال في غضون 30 يوماً من تاريخ الاستحقاق، أي مساء الأحد، وبالتالي يُعتبر ذلك تخلفاً عن السداد. ولم يذكر "يوروكلير" ما إذا كان قد منع تسديد الأموال، لكنه قال إنه يلتزم بجميع العقوبات.
تأثير العقوبات الغربية على موسكو
بدا التخلف حتمياً مع قرار وزارة الخزانة الأمريكية عدم تجديد الإعفاء الخاص بقواعد العقوبات، والذي يسمح للمستثمرين بتلقي مدفوعات الفائدة من روسيا، والذي انتهت صلاحيته في 25 مايو/أيار.
لكن يبدو الآن أن الكرملين قد قبل هذه الحتمية أيضاً، وقد أصدر مرسوماً في 23 يونيو/حزيران ينص على أن جميع مدفوعات الديون المستقبلية ستتم بالروبل من خلال مصرف روسي، حتى في حال كانت تنصّ العقود على تسديدها بالدولار أو بعملات دولية أخرى.
كما أقر وزير المالية، أنطون سيلوانوف، أن المستثمرين الأجانب "لن يتمكنوا من تلقي" المدفوعات، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء "ريا نوفوستي".
قال إن ذلك يعود لسببين: "الأول هو أن البنية التحتية الأجنبية، البنوك المراسلة وأنظمة التسوية والمودعين، ممنوعة من إجراء أية عمليات تتعلق بروسيا". والثاني هو "منع المستثمرين الأجانب من تلقي مدفوعات منا".
لكن نظراً لأن روسيا تريد الدفع ولديها الكثير من المال للقيام بذلك، نفى وزيرا المالية أن يكون هذا بمثابة تخلف حقيقي عن السداد، والذي يحدث عادةً عندما ترفض الحكومات الدفع، أو عندما تكون اقتصاداتها ضعيفة جداً بحيث لا يمكنها إيجاد المال.
حيث نقلت وكالة ريا نوفوستي عنه قوله: "جميع من يعرفون، يدركون أن هذا ليس تقصيراً على الإطلاق". وأضاف أنّ "هذا الوضع برمته يبدو وكأنه مهزلة".
وعلى الرغم من أن التخلف عن السداد يمثل ضربة رمزية، إلا أنه لن يكون له سوى القليل من التداعيات العملية المباشرة بالنسبة لروسيا.