قُبيل ساعات على موعد الاستشارات البرلمانية الملزمة لتسمية رئيس حكومة لبنانية جديدة، تبدو الصورة أكثر تشويشاً من قبل، فالضبابية الحالية في المشهد السياسي ألقت بظلالها على اختيار رئيس الحكومة المرتقب.
فعملية الاختيار لن تكون سهلة، ما لم تتوافق الكتل البرلمانية المعارضة لحزب الله وكتلة نواب التغيير على رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي.
الثنائي الشيعي وموقفه من اختيار رئيس الحكومة اللبنانية
تتضاءل فرص الرئيس الحالي نجيب ميقاتي؛ نتيجة لموقف التيار الوطني الحر، برئاسة جبران باسيل، الرافض لإعادة تسمية ميقاتي، خاصة أن باسيل أرسل أكثر من إشارة سياسية مفادها أنه جاهز للسير بنواف سلام أو أي اسم يوافق عليه النواب السنّة.
ووفقاً للمحللة السياسية والكاتبة كلير شكر، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري الأكثر حماسة لعودة نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي، لأسباب تتجاوز اسم ميقاتي، وتشير شكر إلى أنه، وعلى الأرجح، فإن الثنائي الشيعي هو الأكثر اعتقاداً بأنّ الاستحقاق الرئاسي سيجري في موعده، من دون أن يسبقه الشغور إلى القصر الجمهوري، أسوة بما حصل في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
وبالتالي، فليس هناك متسع من الوقت لإشغاله بمشاورات تشكيل حكومة، والتي قد تحتاج إلى عصا سحرية كي تنجز في أسابيع محدودة.
وتشير شكر إلى أن حزب الله منسجم مع بري في ملف التكليف؛ ليعيد تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة القادمة، مخالفاً بذلك رغبة حليفه، رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل المستعد لتسمية أي شخصية سنية إلّا ميقاتي، على خلفية التباين الحاصل بينهما حول طبيعة الحكومة ومكوّناتها، بعد إعلان باسيل في أكثر من مناسبة عن رغبته بالدفع باتجاه تأليف حكومة سياسية، وهذا شرط جوهري يباعد بين ميقاتي وباسيل.
بالتوازي تشير شكر إلى أنّ الثنائي الشيعي يفضل التصويت لميقاتي، الحاصل على دعم الإدارة الفرنسية وتأييد عدد من النواب السنّة، وذلك من باب قطع الطريق على سيناريوهات انقلابية قد تتسلل من خرم المشهد الذي يحيط بالساحة السنيّة، والذي يجعل من كل سُني مشروع مرشّح لرئاسة الحكومة، وفي ضوء التباينات الحاصلة بين الكتل النيابية إزاء الاستحقاق الحكومي.
ميقاتي خارج الإجماع السني
في المقابل، برزت تحركات السفير السعودي في لبنان، وليد بخاري، من خلال لقاءات مع رؤساء الحكومات السابقين باستثناء ميقاتي، ومن ثم دعوته النواب السنة لاجتماعات مفتوحة بغية خلق إطار سني جامع، بعد انسحاب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري من المشهد السياسي.
تشير مصادر حكومية لـ"عربي بوست" إلى أن تحركات البخاري تصب تجاه دفع بلاده لترشيح شخصية سنية قد تحظى بقبول عدد من القوى السياسية، منها حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، بالإضافة لبعض النواب المستقلين السنة والمسيحيين.
ووفقاً للمصادر، فإن السعودية تنسق مع دول إقليمية مثل مصر وقطر ويجري إشراك تركيا في هذه المشاورات، وتحديداً بعد اللقاء الذي جرى بين البخاري والسفير التركي في لبنان يوم الأحد 20 يونيو/حزيران، بغية حشد الدول الإقليمية على موقف موحد تجاه الأزمة اللبنانية.
أما فيما يتعلق برئاسة الحكومة، فيبرز اسمان يجري تداولهما من قِبل السعودية وحلفائها، بحسب المصادر، الأول هو السفير نواف سلام، والثاني هي وزير الداخلية والمال السابقة ريا الحسن، كونها شخصية من خلفية اقتصادية ولديها خبرة في الشأن العام، استطاعت إثبات جدارتها في مجالات مختلفة.
باسيل يخذل حزب الله
يشير مصدر سياسي مقرب من فريق 8 آذار لـ"عربي بوست" إلى أن هذه الأجواء دفعت حزب الله إلى تكثيف اتصالاته، وتحديداً مع التيار الوطني الحر، لقطع أي طريق أمام خصومه لإيصال مرشّح من خارج الإطار التوافقي.
حاول الحزب إقناع باسيل بإعادة تكليف ميقاتي ما دام التيار سيشارك في الحكومة ويعطيها الثقة، لكن المعلومات تشير، وفقاً للمصدر، إلى أن القرار هو عدم السير بميقاتي؛ لأن المناخ العام في البلاد كما داخل التيار لا يسمح بالموافقة على بقاء ميقاتي الذي لم يقم بشيء، ويشير المصدر إلى أن باسيل أبلغ حزب الله أنه يجري مناقشات مع كتل برلمانية من خارج القوى السياسية التقليدية للتفاهم على مرشح مع توفير الأغلبية له.
"التغييريين": نواف سلام مرشحنا
وعلى ضفة النواب التغييرين الـ13 المحسوبين على قوى ثورة 17 تشرين فانتهت النقاشات فيما بينهم؛ لتصب في دعم السفير السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة، وهذا التوافق أتى بعد أسبوعين من نقاشات مفتوحة حيال الملف.
واختيار سلام مرتبط باقتناع الجزء الأكبر من النواب بأنه الأكثر قدرة على إدارة الأزمة، وذلك لخبرته الطويلة في الإدارات العامة وأروقة المنظمات الدولية؛ حيث شغل لسنوات مناصب عالية، أهمها سفير لبنان في الأمم المتحدة وقاض في محكمة العدل الدولية، بالإضافة لموقفه القوي من حزب الله.
وتشير مصادر لـ"عربي بوست" إلى أن أحزاب القوات والكتائب وحركة الاستقلال لا تزال على موقفها المترقب لما ستخلص إليه مواقف نواب التغيير، فضلاً عن اتضاح الاتجاه الذي سيسلكه النواب السنّة في مسار عملية التكليف "قبل تحديد الموقف النهائي من الاستحقاق الحكومي".
وتؤكد المصادر موافقة الأحزاب المعارضة على أي خيار "يمكن التوافق عليه والسير قدماً به كجبهة معارضة موحدة في الاستشارات النيابية الملزمة؛ ليتم تكليف شخصية تعبّر عن التشابه المشترك بين أحزاب المعارضة والقوى التغييرية على إحداث خرق إيجابي في جدار التكليف، بما يتماشى مع التطلعات والمواصفات الإصلاحية المطلوبة في شخص الرئيس المكلف".