وصف لاجئون كانوا على متن رحلة الترحيل من بريطانيا إلى رواندا، والتي أوقفت في اللحظات الأخيرة بقرار من المحكمة الأوروبية، لحظات مريعة عن طريقة التعامل التي تلقوها، حيث قال أحدهم إنه "رُبط بحزام مثل كلب!"، وكانوا يصرخون من ألم الاعتداءات التي تلقوها.
صحيفة The Independent البريطانية نقلت الخميس 16 يونيو/حزيران 2022، شهادات لأول مرة من على متن رحلة الترحيل المثيرة للجدل قبل إيقافها في اللحظة الأخيرة بعد تدخل قضاة أوروبيين ليلة الثلاثاء 14 يونيو/حزيران.
رُبطوا بأحزمة
زوران، الكردي البالغ من العمر 25 عاماً، دُفع إلى أرض الطائرة وثُبِّت رأسه لأسفل، وقيل له إنه سيُنقَل إلى رواندا مهما حدث، بعد أن رُبِط بحزام تقييد "مثل الكلب"، على حد وصفه.
يقول زوران: "شعرت كأنني سأموت. انتابتني مشاعر لم أختبرها من قبل". وأضاف أنه توسل إلى حراس الأمن؛ حتى لا يجبروه على الصعود إلى الطائرة. وفي مكالمة هاتفية تمكن من إجرائها مع صديق، يمكن سماع زوران وهو يصرخ من الألم، كما قال إنَّ آخرين كانوا يصرخون أيضاً.
يقول زوران، الذي وصل إلى بريطانيا بالقارب قبل 40 يوماً بعد فراره من الاضطهاد السياسي: "أخبرني الضباط بأنه إذا حاولت الهروب، فإنَّ وضعي سيزداد سوءاً".
في اللحظة الأخيرة، صدر أمر قضائي بوقف خطة رئيس الوزراء البريطاني لردع المهاجرين عن عبور القناة إلى المملكة المتحدة، لكن بالنسبة للرجال الذين كانوا على متن الرحلة، فقد كان ذلك تتويجاً ليوم مليء بالشكوك والصدمات والإرهاب، ولحظة استراحة قصيرة فقط قبل أن يثير جونسون مرة أخرى خطر الترحيل إلى رواندا.
"شعرت بأنني سأُعدَم"
كانت الساعة نحو الساعة الـ2:30 ظهراً، الثلاثاء 14 يونيو/حزيران، عندما طرق الضباط باب زنزانة محمد في مركز كولبروك لإزالة اللاجئين، وأخبروه بأنه سيُنقَل إلى رواندا، وهي اللحظة التي كان يأمل ألا تأتي أبداً.
قال محمد: "فعلوا ذلك في سرية تامة. لم أرَ أي شخص آخر حتى وصولي فعلياً إلى متن الطائرة".
وصل الرجل البالغ من العمر 45 عاماً، إلى بريطانيا في مايو/ أيار 2022، بعد فراره من الاضطهاد الديني في إيران، لكنه لا يزال قلقاً على سلامة زوجته وبناته اللائي بقين في الجمهورية الإسلامية. وقبل لحظات من طَرق زنزانته، تحدَّث إلى زوجته.
يصف محمد المكالمة: "كما لو كنا نودّع بعضنا للمرة الأخيرة. كان الأمر مؤلماً للغاية".
يقول عن الرحلة التي استغرقت 90 دقيقة إلى موقع اختبار الطائرات العسكرية: "شعرت كأنني على وشك أنَّ أُعدَم".
عند وصوله، قال إنه احتُجِز في الشاحنة لساعات، مع وجود كاميرا تسجل كل حركاته. وأوضح: "جلست هناك دون إذن بالحصول على بعض الهواء النقي إلا إذا أردت الذهاب إلى الحمام".
فيما يقول رسول، وهو كردي عراقي يبلغ من العمر 25 عاماً، إنه شعر برغبة في الانتحار عندما جاءت قوات الأمن في نحو الساعة الخامسة مساءً لنقلهم إلى المطار.
يتذكر "رسول" شعوره قائلاً: "لا يمكنك مقارنته بالموت، الموت أفضل. لم أتصور قط أنَّ هذا سيحدث لي، وأنهم سيأخذونني إلى بلد آخر بعيداً جداً عن كل ما أعرفه".
أضاف: "قالوا إنهم سيأخذونني بالقوة إذا لم أحضر. ثم هاجمني ثلاثة ضباط، وشدوا يدي وعنقي. وأخبروني بأنني إذا قمت بأي حركة أو حاولت الهروب فسوف يقيّدونني ويكبّلونني. ذكَّرونني بالمُتاجِرين بالبشر".
وتابع: "نحو الساعة الـ9.45 مساءً -في اللحظة الأخيرة بينما نستعد لركوب الطائرة- جاءني أحدهم وقال لي إنَّ رحلتي قد أُلغِيَت. لمْ أصدّق ذلك!".
حاصروهم من كل الجهات
قبل الساعة الـ9:20 مساءً بقليل، كان محمد أولَ طالب لجوء يصعد إلى الطائرة. عندما اقترب من الطائرة، حاصره ضباط الحراسة؛ واحد على كلٍّ جانب وآخر خلفه. وكانوا من بين كثيرٍ من الحراس شاركوا في العملية.
قال محمد: "كان بإمكاني سماع أشخاص آخرين يقاومون ويصرخون. وسمعت شخصاً يقول: يدي تؤلمني! اتركوني!".
قبل الساعة العاشرة مساءً بقليل، حلّت اللحظة المصيرية؛ إذ أعلن أحد أعضاء طاقم الطائرة أنها لن تُقلع.
يقول محمد: "كان بعض حراس الأمن وآخرون سعداء بالفعل، ويعانقوننا. كان من الواضح أنهم كانوا يحاولون فقط إطاعة الأوامر، فحتى هم لم يكونوا مرتاحين لما يحدث".
حيث يصف مزيجاً من المشاعر التي غمرته أثناء نزوله من الطائرة: "كنت أشعر بالسعادة والارتياح. وفي الوقت نفسه عدم اليقين مما يخبئه المستقبل".
بحسب كارين دويل، من منظمة الحركة من أجل العدالة، التي كانت على اتصال ببعض طالبي اللجوء، فإنَّ إجبار الأشخاص على الصعود إلى الطائرة يرقى إلى مستوى "التعذيب الخالص".
تقول كارين: "هذه حلقة من الصدمة تضاف إلى صدمات أصابت هؤلاء الأفراد بالفعل، الذين خاطروا بكل شيء، وكافحوا عبر العديد من العقبات والحواجز للوصول إلى المملكة المتحدة".
في غضون ساعات من محاولة الترحيل الفاشلة، تعهدت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، بالمضي قدماً في الخطة المثيرة للجدل. وقالت لنواب البرلمان يوم الأربعاء 15 يونيو/حزيران: "نعتقد أننا نمتثل تماماً لالتزاماتنا المحلية والدولية، وقد بدأت بالفعل الاستعدادات لرحلاتنا القادمة والمستقبلية".
يقول محمد: "هذه السياسة أنانية للغاية. وكنا نحن فئران التجارب، لكن لحسن الحظ لم تُطَبّق".