في ظل تصاعد التصريحات بين بيروت وتل أبيب بسبب سفينة التنقيب الإسرائيلية المتوجه لحقل كاريش، عاش لبنان فترة ترقب لما سينتج عن المحادثات التي أجراها الوسيط الأمريكي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، آموس هوكشتاين، مع المسؤولين اللبنانيين.
وتمخّض عن المحادثات موقف لبناني موحد يشدّد على حق لبنان في الخط 23 وما فوق، بمساحة تتراوح بين 400 و500 كلم مربع، ما يخلق خطاً جديداً بين الخطين 23 و29.
الآن باتت الكرة في ملعب الوسيط الأمريكي الذي غادر لبنان صباح الأربعاء 15 يونيو/حزيران.
"عربي بوست" استطاعت الحصول على تفاصيل ما دار في المحادثات، وما نتج عنه من مواقف المسؤولين اللبنانيين.
اتفاق ثلاثي
أكد مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست" أن الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري، كانوا قد اتفقوا، خلال اجتماع عقد بينهم قبيل زيارة الوسيط، على تحديد سقف التفاوض.
واتفق الثلاثة على أن يكون سقف التفاوض وفق ركائز لا يمكن المساومة عليها، بناءً على تقرير اللجنة الفنية التقنية التابعة للجيش اللبناني، التي قدّمت تحليلاً لطرح هوكشتاين، مع نتيجة الدراسة التي قام بها مكتب الهيدروغرافيا التابع للجيش.
وأكدت تلك الدراسة حق لبنان في خط 23 وما فوق، بمساحة تتراوح بين 400 إلى 500 كلم مربع؛ ما يجعل حقل "قانا" كاملاً ضمن نطاقها. وهو ما يعني أيضاً ولادة خط جديد بين الخطين 23 و29 يرتكز على تقسيم الحقول والبلوكات؛ بحيث لا يكون هناك ما هو مشترك فيها مع إسرائيل.
لا نريد حرباً وإسرائيل تريد الاستقرار!
وأشار المصدر الحكومي ذاته أن هوكشتاين أكد، خلال لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على أن السبب الأساسي لزيارته هو تخفيف التوتر واللهجة التصعيدية بين لبنان وإسرائيل.
وأضاف هوكشتاين، طبقاً للمصدر، قائلاً: "ما نريده هو منع الوصول إلى حرب إقليمية. نحن لا نريد للبنان أن ينهار، وجاهزون للمساعدة، ولا توجد أزمة لا يمكن حلها. وعليكم أن تستفيدوا من تجربتنا في حل أزمة الصومال وكينيا".
وأشار المصدر إلى أن المبعوث الأمريكي أكد لميقاتي أن الجانبين، الأمريكي والإسرائيلي، تم إبلاغهما بأخذ تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على محمل الجد، خصوصاً أنه هدد مباشرة بضرب باخرة التنقيب اليونانية في "حقل كاريش".
وأوضح المبعوث الأمريكي أن هذا أمر لا تريده الولايات المتحدة الأمريكية، وليس في مصلحة لبنان ولا المنطقة، مشدداً لميقاتي على رغبة الجانب الإسرائيلي استمرار حالة التهدئة والهدنة على الحدود، والاستمرار بالتفاوض غير المباشر.
فالجانب الإسرائيلي حريص على التفرّغ لإنهاء الاستخراج النفطي والغاز الذي يرتبه مع الدول الأوروبية، بغية إمداد أوروبا بالغاز بدلاً من الغاز الروسي، لذا "عليكم أن تفعلوا كما تفعل إسرائيل، وتتفرغوا لاستخراج ثرواتكم والعمل على تحصين بلادكم باستقرار دائم، يعيد ثقة الأسرة الدولية بكم"، على حد قوله.
حقل كاريش.. مقابل الكهرباء
وأوضح المصدر الحكومي المطلع لـ"عربي بوست" أن الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين نقل للبنان وسائل ترغيب واضحة للقبول بالصيغة الجديدة، والتي تعني تخلي لبنان عن الخط 29، الذي يتضمن "حقل كاريش" الذي بدأت إسرائيل عملية التنقيب به، والقبول بصيغة الخط 23، الذي دفع لبنان للمطالبة بالحصول على حقل قانا كاملاً، والذي يحمل كميات كبيرة من الغاز الطبيعي.
وذكر المصدر أن هوكشتاين أكد للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم في بيروت رسالة مفادها: "وافقوا على الصيغة المطروحة، وسنعطيكم استثناءات لازمة من قانون قيصر، عبر السماح باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، لأسباب إنسانية، والسماح بتجديد المساعدات النفطية العراقية، التي تزود لبنان بوقود مكرر للاستخدامات المتعلقة بمعامل الكهرباء، بالإضافة لاستمرار المساعدات الإنسانية".
وأشار المصدر أن لبنان حريص على إنجاز هذا الملف لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية عليه.
رسالة لإسرائيل
بالمقابل أوضح مصدر دبلوماسي غربي لـ"عربي بوست"، أن هوكشتاين غادر صباحاً إلى إسرائيل للقاء المسؤولين الإسرائيليين بغية نقل الرسالة اللبنانية إلى الحكومة الإسرائيلية، أي المطالبة بالخطّ 23 كاملاً، الذي يتضمن حقل قانا بالكامل".
بالإضافة إلى الطلب من اسرائيل عدم التنقيب في المنطقة المتنازَع عليها، ورغبة بيروت بالعودة إلى التفاوض غير المباشر للوصول إلى اتفاق يسمح باستخراج الغاز، الذي سيكون بداية خروج لبنان من انهياره المالي، وانتعاشه الاقتصادي.
بالمقابل يعتقد المصدر أن الجانب الإسرائيلي لن يرفض فكرة العودة للتفاوض بالرعاية الدولية، وسيدرس العرض، ومن المرجح أن يوافق عليه إذا شعر أن لبنان جاد في طرحه، ولا يناور سياسياً نتيجة صراعاته الداخلية.
لكن، بحسب المصدر، فإن هذه الرغبة لدى الجانب الإسرائيلي لا تعني في النهاية القبول بالخط 23 بعدما كانت رفضت المطلب في بداية المفاوضات.
بالتوازي يعتقد المصدر أن الحكومة الإسرائيلية سترفض الطلب اللبناني بوقف عمل السفينة اليونانية في حقل كاريش؛ لأن طلب لبنان وموقفه الجامع، والذي أبلغته للوسيط الأمريكي هو القبول بصيغة الخط 23؛ ما يجعل من حقل كاريش منطقة "إسرائيلية" بالكامل، باعتراف لبنان.
لذا فإن لبنان لا يمكنه الطلب من إسرائيل وقف نشاطات بحرية ونفطية في منطقة هي باعتراف لبنان إسرائيلية.
ماذا يحمل الرد اللبناني من خلفيات؟
يشير المصدر الدبلوماسي الغربي أن جولة هوكشتاين وما تمخض عنها من موقف لبناني موحد لأول مرة حول ملف ترسيم الحدود، يعني أن حزب الله لا يريد الحرب لمجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية، خاصة أن أي حرب محتملة مع إسرائيل تعني مزيداً من الانهيارات، وتدمير ما تبقى من البنى التحتية.
هذا أمر لا يرغب الحزب بتحمل تبعاته السياسية والشعبية، خاصة أن المناطق التي تؤيده ستكون أكثر المناطق التي قد تشهد نزاعاً عسكرياً.
بالمقابل، فإن المصدر يرى أن الحزب حريص على تمديد التفاوض حول البلوكات البحرية في البحر الأبيض المتوسط؛ لاستثمارها مستقبلاً من قبل الجانب الإيراني مقابل الحصول على مكاسب في أماكن أخرى، لذا فإن المسؤولين في لبنان لن يتصرفوا بهذه الحكمة المفرطة لولا وجود ضوء أخضر من الحزب لذلك.
وأشار المصدر إلى أن الموقف اللبناني الموحد، وزيارة المبعوث الأمريكي للبنان تؤكد على تسليم لبناني بضرورة الدور الأمريكي كوسيط في المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وأن رفض الحرب ومنع التوتر والتصعيد، يقتضيان إيجاد حلّ ملائم للطرفين.
لكن المصدر يعتقد أن المسارعة لإيجاد حل سريع لملف الترسيم وخطوط الغاز في البحر، يهدف أيضاً لعدم السماح بتوفر أية ظروف تتيح لحزب الله أن يبقى قادراً على ابتزاز الدول الغربية في عمليات استخراج الغاز وتصديره.
لأنه، من دون العمل على إيجاد حلّ واضح توافق عليه غالبية الأطراف اللبنانية، فإن عناصر الابتزاز تبقى قائمة، على حد تعبيره.