في ظل اتجاه الأنظار إلى الخطوات الإسرائيلية الأخيرة بالبدء بعمليات الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، رفعَت إسرائيل درجة مخاطر التهديدات الأمنية القادمة من البحر بسبب عمليات كوماندوز حماس البحري، في ضوء الكشف عن امتلاك كتائب القسام لصواريخ بحر- بحر، تم تهريبها مؤخراً إلى قطاع غزة.
وأشار الكاتب الإسرائيلي يوغاف كارميل، في تقرير "للقناة 12″، إلى أن سلاح البحرية الإسرائيلي يدير عملياته بشكل دقيق قبالة سواحل غزة؛ نظراً لحجم التهديدات والمخاطر المحدقة بالمصالح الاقتصادية الإسرائيلية داخل البحر التي تنامت مؤخراً بشكل كبير، بعد أزمة الطاقة التي أحدثتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
حقول الغاز والتجارة الإسرائيلية في دائرة الاستهداف
هذه المخاطر- وفقاً للمقال- تتمثل بحقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة التي كانت حتى وقت قريب ضمن دائرة الاستهداف من قِبَل حركة حماس في معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، حينما أحبط سلاح البحرية، عبر أنظمة القبة الحديدية في الأيام الأولى للحرب، هجوماً شنته كتائب القسام بالطائرات المسيَّرة كان ينوي استهداف الحفارة الغازية في حقل تمار، التي تعتبر المغذي الرئيسي للغاز لشبكات الكهرباء الإسرائيلية.
بالإضافة لذلك، فإن الخطر الآخر هو "تعطُّل حركة الملاحة داخل البحر، وهذا أمر كارثي بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي التي يعتمد بنحو ثلثي تجارته الخارجية على البحر؛ ما يجعل حركة حماس الرابح الأكبر في فتح جبهة اقتصادية جديدة داخل البحر، لا سيما أن الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بإسرائيل سيكون أكبر بكثير مما سيكون عليه الحال عند توقف السفن داخل الموانئ التي قد تضطر لسلوك ممرات مائية أكثر اتساعاً وطولاً لتفادي هذه المخاطر".
أخطر من ذلك، وفقاً للتقرير، هو "محاولة حماس استهداف البِنى التحتية الإسرائيلية داخل البحر، كخطوط الإنترنت التي تمر عبر كابلات بحرية تمتد بين البحرين المتوسط والأحمر، والتي تغذي مئات آلاف المنازل والشركات الإسرائيلية، بالإضافة لمخاطر تعرض كوابل الكهرباء بين إسرائيل وأوروبا لهجوم من وحدات كوماندوز حماس البحرية".
تُعد وحدات الكوماندوز البحرية إحدى أبرز القوات الخاصة التي أنشأتها كتائب القسام في السنوات العشر الأخيرة، وتضم عشرات المقاتلين، وفقاً لتقديرات استخبارية إسرائيلية، تقوم هذه الوحدات بتدريبات خاصة في المواقع التي أنشأتها كتائب القسام بالقرب من الساحل، بالإضافة للتدرب على استخدام الغواصات والسفن السريعة صغيرة الحجم التي استطاعت حماس تصنيعها يدوياً في قطاع غزة.
الخطر القادم من البحر
الجنرال الإسرائيلي السابق إيال فينكو أشار، في مقال بصحيفة يسرائيل ديفينس نُشر في 29 من مايو/أيار 2022، إلى أن "الجيش الإسرائيلي دأب على استهداف القوارب الراسية على شواطئ غزة، وبِرَك التدريب، وأنفاق سرية للمقاتلين من وحدات الكوماندوز من البر الرئيسي إلى الساحل، كجزء من خطط عملية تم وضعها من قِبَل مجتمع المخابرات بأكمله لتحييد هذا الخطر القادم من البحر، قبل أن يتحول إلى نقطة لا يمكن لإسرائيل مواجهتها".
وأضاف أن "تلميح رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار قبل شهر من الآن إلى أن حماس ستقود جهوداً مع دول المحور لكسر الحصار البحري عن غزة، هو إشارة مهمة لإسرائيل بأن حماس وضعت أعينها على الساحل كنقطة لأي مواجهة عسكرية قادمة، وهذا يأتي أيضاً من منطلق سعي حماس لتغيير شكل الحرب من حرب تقليدية إلى حرب خاصة وفريدة لإحداث مفاجأة لإسرائيل".
حضرت هذه التهديدات في مناورات "شهر الحرب" التي أنهاها الجيش الإسرائيلي قبل أيام؛ إذ كشف موقع مفزاك درومي العبري أن هيئة الأركان طالبت بزيادة كفاءة تدريب الوحدة 82 التابعة للبحرية الإسرائيلية، للتعامل مع إطلاق قذائف الهاون في البحر، تفادياً لأي سيناريوهات مفاجئة قد تنفذها حماس داخل البحر في أي مواجهة قادمة.
كما عكف سلاح البحرية الإسرائيلي في الأيام الأخيرة على تكثيف نشاطه قبالة سواحل غزة، عبر عمليات بحث وتمشيط وصلت حتى مناطق قريبة من الساحل عبر ملاحقة مراكب الصيادين ومحاولة إغراق مركباتهم، واعتقال العديد منهم واستجواب آخرين.
أبرز عمليات كوماندوز حماس البحري
وكشفت كتائب القسام في 8 يوليو/تموز 2014، عن أول عملية خاصة تنفذها قوات الكوماندوز البحري، بعد أن تمكنت خلية مكونة من ثلاثة أفراد من التسلل إلى موقع "زيكيم" العسكري الإسرائيلي بالقرب من الحدود الشمالية لقطاع غزة، كانت بصدد تنفيذ عملية خاصة من خلف خطوط العدو، إلا أن سلاح الجو الإسرائيلي تمكن من رصد الخلية وتتبعها، بعد أن خاضت اشتباكات مع قوات راجلة داخل الموقع؛ ما أدى إلى استشهاد أفراد الخلية.
تباعاً، كشفت الكتائب عن امتلاكها لغواصة بحرية وطرادات بحرية سريعة ومعدات غوص، تستخدمها قوات الكوماندوز البحري ضمن مهام التدريب ومحاكاة لمناورات ضد البحرية الإسرائيلية أثناء مهام الرصد وتنفيذ العمليات الخاصة داخل البحر.
فيما كشفت الرقابة العسكرية الإسرائيلية أن كتائب القسام أثناء معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، أجرت محاولة لاستهداف منصات الغاز الإسرائيلي قبالة سواحل غزة التي لا تبتعد سوى 21 كيلومتراً، عبر هجوم نُفِّذ بطائرات مسيَّرة قبل أن تسقطها أنظمة القبة الحديدية.
استهداف البِنى التحتية لكوماندوز حماس
ولم تتوقف المحاولات الإسرائيلية لضرب البِنى التحتية لقوات حماس البحرية، ويتم ذلك عبر أدوات مختلفة منها قصف مواقع التدريب لهذه القوات التي عادة ما تكون بالقرب من الشاطئ، بالإضافة لتشديد الرقابة على المعابر في محاولة لمنع تهريب معدات قد تستخدمها قوات الكوماندوز في مهامها.
بالموازاة مع ذلك، تقوم البحرية الإسرائيلية مؤخراً بعمليات بحث وتمشيط واسع النطاق للحدود البحرية الفاصلة بين مصر وقطاع غزة، وعلى إثرها تقوم بملاحقة مراكب الصيد في محاولة لمنع أي عمليات تسلل لتهريب معدات خاصة من الخارج لهذه الوحدات.
كما أن تشييد العائق الأرضي الذي شيدته إسرائيل على طول حدود غزة البرية وصولاً إلى شاطئ زيكيم المتاخم لقطاع غزة، جاء كجزء من استخلاص العِبَر لمنع تكرار حالات التسلل لقوات الكوماندوز داخل البحر.
استخبارياً، وصلت الجهود الإسرائيلية إلى تنفيذ جهاز الموساد لعملية اغتيال بحق المهندس الفلسطيني فادي البطش الذي اغتيل في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 21 من نيسان/أبريل 2018، والذي تتهمه إسرائيل بالوقوف وراء عمليات تطوير أداء قوات الكوماندوز البحري التابعة لحماس.
اللواء المتقاعد والخبير العسكري يوسف الشرقاوي قال لـ"عربي بوست" إن "امتلاك حماس لوحدات بحرية خاصة هو بمثابة تغيير لقواعد الاشتباك، فقوات الكوماندوز تعتبرها إسرائيل بمثابة سلاح كاسر للتوازن، ويعطي حماس خيارات أوسع في أي مواجهة عسكرية قادمة".
وأضاف أن "الاستنفار الإسرائيلي المثير في بحر غزة والمحاولات المتكررة لضرب البِنَى التحتية البحرية لحماس، هو بمثابة جزء من استخلاصات العِبَر لما أقدمت به حماس في الحروب الأخيرة من تنفيذ عمليات خاصة داخل البحر نجحت في جزء منها وفشلت في آخر، إلا أن الأهم بالنسبة لإسرائيل هو تفادي تكرار مثل هذه الحوادث؛ نظراً لما يمثله البحر من مصالح عسكرية واقتصادية كبيرة لا يمكن لإسرائيل التهاون معها".
وتابع المتحدث كما أن "التقدم الذي تحظى به كتائب القسام مكَّنها من تصنيع العديد من المعدات البحرية داخل غزة، دون الحاجة إلى الاعتماد على ما يتم تهريبيه من الخارج؛ لذلك نرى سياسة إسرائيلية مشددة في قصف وتدمير مواقع التدريب وورش التصنيع بهدف منع تعاظم هذه القوة في المستقبل القريب".