بمجرد أن أعلنت الجزائر إيقاف الصادرات والواردات من وإلى إسبانيا؛ اتجهت كل الأنظار إلى إمدادات الغاز التي توردها الجزائر إلى مدريد، وما إن كانت معنية بالقرار أم لا.
مصدر جزائري قال لـ"عربي بوست" إن الجزائر لا تنوي وقف ضخ الغاز باتجاه إسبانيا، باعتبار أن هذه الخطوة ليست في صالحها من الجانب القانوني والتجاري.
وأضاف المصدر نفسه أن إسبانيا يُمكنها أن تلجأ للتحكيم الدولي في حالة ما فكرت الجزائر في قطع إمدادات الغاز عنها، بالإضافة إلى الإضرار بسمعة الجزائر الدولية في مجال التعاقدات والالتزامات، فضلاً عن إمكانية دفعها شرطاً جزائياً ضخماً كتعويض لمدريد.
من جهته كشف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل البارسا لوسائل إعلام محلية، اليوم 9 يونيو/حزيران 2022، أن الجزائر لن تقطع إمدادات الغاز عن مدريد رغم توتر العلاقات بين البلدين.
الأمر نفسه أكده الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر حوار تلفزيوني له مع وسائل إعلام محلية، حين قال إن بلاده ستفي بالتزاماتها الطاقوية مع إسبانيا حباً واحتراماً للشعب الإسباني، وليس لحكومة بيدرو سانشيز.
وكانت الجزائر قد أبلغت إسبانيا بمراجعة أسعار الغاز حصراً، بينما ستبقى الأسعار نفسها مع زبائنها الآخرين، ومن المتوقع أن تراجع الأسعار مجدداً السنة القادمة؛ حيث تسمح لها الاتفاقية المبرمة مع مدريد بذلك، وينتهي العقد بين البلدين سنة 2030.
ما هي معاهدة الصداقة وحسن الجوار؟
تتضمن معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي وقعتها الجزائر وإسبانيا سنة 2002 عدة بنود واتفاقيات، وتمخض عنها إبرام أكثر من 50 اتفاقية بين البلدين طيلة السنوات الـ20 الماضية.
وتنص المعاهدة التي وقعها رئيس الحكومة الإسباني خوسي ماريا أزنار والرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، على تعزيز الحوار السياسي على جميع المستويات، إلى جانب تطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والدفاعية.
وتحث المعاهدة، التي وقعت يوم 8 أكتوبر/تشرين الثاني 2002، على ضرورة احترام القانون الدولي وسيادة البلدين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والامتناع عن اللجوء إلى القوة أو التهديد عند أي خلاف، مع الإقرار بتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والتعاون في سبيل التنمية، واحترام البلدين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعبين، وتنمية الحوار بينهما.
كما تشير المعاهدة في شقها الأمني إلى تعزيز التعاون بين القوات المسلحة للبلدين، وتنظيم تدريبات مشتركة ودورات تدريبية.
أما في الجانب الاقتصادي فتشدد المعاهدة على ضرورة تعزيز وتقوية التعاون الاقتصادي والمالي.
وتؤكد أيضاً على عقد اجتماع رفيع المستوى بين رئيسي حكومتي البلدين سنوياً بالتناوب في إسبانيا والجزائر، وعقد اجتماع مماثل بين وزيري خارجية البلدين.
تصعيد الجزائر مقابل تهديد مدريد
لا يبدو أن الجزائر ستتوقف عن التصعيد ضد إسبانيا بعد تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون، حيث قال مصدر دبلوماسي جزائري إن إسبانيا في ظل حكم بيدرو سانشيز لم تعد شريكاً موثوقاً.
وأضاف المصدر ذاته لـ"موقع الشروق الجزائري" أن هناك قرارات أخرى ستتخذها الجزائر ضد مدريد.
وأرجع الدبلوماسي الجزائري أن سبب تصعيد الجزائر الأخير مرده خروج بيدرو سانشيز أمام الكونغرس الإسباني، والذي تباهى فيه بالصفقة التي أبرمها مع المغرب بخصوص ملف إقليم الصحراء.
من جانبها تأسفت مدريد على تعليق الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين البلدين، مؤكدة أنها متمسكة بعلاقات جيدة مع جارتها الجنوبية.
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه ماريا ألبارس إن بلاده تدرس تقديم الرد المناسب على قرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار على المستويين الوطني والأوروبي.
وهددت النائبة الثالثة لرئيس الحكومة الإسبانية ووزيرة التحول البيئي، تيريزا ريبيرا، بمقاضاة الجزائر في حال قطعت إمدادات الغاز عن بلادها، وفقاً لما نقله موقع أوبجيكتيف الإسباني.
واستدركت بأنها ليست سعيدة بما وصلت إليه العلاقات بين البلدين، مؤكدة أنها تكن احتراماً كبيراً للحكومة الجزائرية، وأن بلادها متفتحة على استعادة العلاقات في أسرع وقت.
أصل الخلاف
لم يكن أشد المتشائمين أن يتوقع أن تصل العلاقات الجزائرية الإسبانية إلى هذا الحد، فقبل سنة فقط كان البلدان يتمتعان بعلاقات ثنائية متميزة؛ حيث كان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أول المسؤولين الذين زاروا الجزائر بعد انتخاب تبون رئيساً للبلاد، نهاية 2019.
كما زارت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أرناتشا غونزليس لايا الجزائر مرتين خلال سنة، كما زار نظيرها السابق صبري بوقدوم مدريد للتأكيد على المستوى الرفيع الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين.
وقال الرئيس الجزائري، في حوار تلفزيوني قبل سنة، إن إسبانيا بلد صديق وجار ومحترم؛ لذلك فإن بلاده ستفي بكل التزاماتها اتجاهه.
ومع اتخاذ إسبانيا قراراً مفاجئاً بخصوص ملف الصحراء، غيرت بموجبه موقفها من الوضع هناك، فبعد أن كانت تتخذ موقفاً محايداً وتدعم الجهود الأممية باعتبارها المستعمر السابق للمنطقة، أصبحت تدعم مقترح المغرب لحل القضية وفق الحكم الذاتي، وانقلبت العلاقات مع الجزائر رأساً على عقب، وباتت تواجه توتراً كبيراً لا يبدو أنه سيتوقف إلا بانفراط عقد الائتلاف الحاكم، وسقوط حكومة بيدرو سانشيز.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”