عادت المادة 398 من قانون العقوبات للواجهة من جديد، وهو قانون زواج المغتصب والمتعلق بقضية إسقاط تهمة الاغتصاب عن المغتصب في حال قبوله الزواج من الضحية، وسبب إعادة فتح هذا الملف الحساس كان بسبب تصاعد حالات الزواج في بعض القرى والأرياف في المناطق الجنوبية من العراق، ووصول أكثر من 20 شكوى لمنظمات نسوية وحقوقية فقط في شهر أيار/مايو المنصرم.
بدأت وسائل إعلام محلية في تناول مادة القانون، وعلى إثرها اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات الاستنكار، وارتفعت المطالب بعد تصريح مدير وحدة "حقوق الإنسان" في نقابة المحامين العراقيين على إحدى القنوات الفضائية، عندما سألته المذيعة كيف يتم حل مشكلة الاغتصاب وفق المادة 398 من قانون العقوبات العراقي؟ فأجاب قائلاً: "كيف للمرأة أن تعيش بدون مغتصبها؟"، ما أثار ضجةً كبيرة وصلت إلى مطالبة البرلمان العراقي بالتدخل وتعديل القانون وإلغائه.
القانون العراقي 398 في المرصاد
يشير قانون العقوبات العراقي في الباب التاسع إلى "جرائم مخلَّة بالأخلاق والآداب العامة" مثل الاغتصاب؛ حيث يعاقب القانون في المادة 393 "بالحبس المؤبد أو المؤقت لكل من واقع أنثى بغير رضاها".
ولكن المثير للجدل هو نص المادة (398) التي تمنع معاقبة المغتصب عندما يتزوج الجاني ضحيته، وفق النص: "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجني عليها أوقف تحريك الدعوى والتحقيق فيها والإجراءات الأخرى، وإذا كان قد صدر حكم في الدعوى أوقف تنفيذ الحكم".
علّقت الحقوقية نجلاء الطائي لـ"عربي بوست" قائلة: "هذه المادة المعمول بها في العراق منذ العام 1969 حتى الآن، ترفع العقوبة عن المغتصب في حال زواجه من الضحية، شريطة أن يستمر الزواج بينهما 3 سنوات على الأقل". وهذا يعتبر تضييعاً لحق الضحية وإفلات المُغتصب المتورط من العقاب.
وأضافت الطائي: "وبحسب المادة 398 من قانون العقوبات العراقي، فإن الضحية لو تعرضت لاغتصاب جماعي، يمكن رفع العقوبة عن جميع المشتركين في الجريمة، إن تزوج أحدهم من الضحية".
وهذه معضلة أخرى خطيرة تُسهل عملية تدمير العدالة الاجتماعية، فتختلط أوراق جريمة الاغتصاب بين المتورطين وتُهمل القضية بشكل يخترق حقوق الإنسان في العراق.
تزوجت من مغتصبي مقابل 7500 دولار
تواصل مراسل موقع "عربي بوست" مع امرأة تبلغ 27 من العمر، اسمها زينب حسين من مدينة الناصرية جنوب العراق، وقد تعرضت للاغتصاب في عام 2018، ومضى على زواجها من مغتصبها ما يقارب 3 سنوات، وقد اضطرت لقبول الزواج خشيةً من جرائم الشرف ووصمة العار المرتبطة بعادات وتقاليد العشيرة.
تقول زينب: "تعرضت للاغتصاب من قِبَل أحد أقاربي من العشيرة التي أنتمي لها، وعندما كشفتُ ذلك لأهلي، أرغموني على الزواج من الشخص الذي اغتصبني، بتسوية قَبلية ودفع تعويض لأهلي بمبلغ 10 ملايين دينار عراقي (7500 دولار أمريكي)، وتعرضت لشتى أنواع الإهانات والضرب والشتائم طيلة فترة زواجي إلى أن طُلقت أخيراً".
كما أوضحت الطائي: "افتعلتُ الكثير من المشاكل من أجل التخلص من زوجي الذي تم فرضه عليّ، وبعد سنوات من العذاب، أخيراً تخلصت من زوجي أو مغتصبي قبل شهور، بعدها ذهبتُ للمحكمة كي تنصفني، فانصدمت من وجود قانون في العقوبات الذي يُبرئ المُغتصب من جريمته، ويسمح للمتورط بالإفلات من العقاب، في حال تزوج ضحيته، وهذه كانت إحدى أقوى الصدمات وأشدها في حياتي، فقد ضاعت حقوقي بين عائلتي وعشيرتي وحتى في محاكم دولتي".
موقف المنظمات الإنسانية والنسوية
تضغط منظمات المجتمع المدني غير الحكومية على البرلمان العراقي لإلغاء القوانين التي تُهمش حقوق المرأة، وتُثير أبرز الملفات الحقوقية الساخنة، وتحاول تعديل المواد القانونية والدستورية بالشكل الذي يُنصف المرأة ويصون كرامتها.
يقول مدير قسم حقوق الإنسان بمركز مستقبل العراق IFC، الدكتور أحمد الصالحي، في تصريح لـ"عربي بوست": "المرأة تضطر إلى الزواج من مغتصبها تجنباً للملاحقات العشائرية، وخشيةً من إلصاق تهمة العار بها وبعائلتها، فقانون العقوبات 398 يُكافئ المغتصب على ارتكاب جريمة الاغتصاب".
وأشار الصالحي إلى أن "تبرير المشرِّع العراقي، الذي يعتبر القانون المُقدم بمثابة حفاظ لشرف الضحية وحمايتها من الفضيحة، بينما في الحقيقة هو حماية للمُغتصِب من الفضيحة، ولا يؤخذ بنظر الاعتبار الحالة النفسية والجسدية للمرأة، ضاربين بكرامتها وإنسانيتها وحاملي مستقبلها للجحيم".
كارثة إنجاب أطفال محتملين
تقول الخبيرة الحقوقية هديل الراوي لـ"عربي بوست" إن معضلة الاغتصاب لا تنتهي عند نهاية زواج المغتصب بضحيته، بل تتعدى ذلك بمرحلة أكثر خطورة، والتي تتضح في اشتراط المشرّع العراقي استمرار الزواج لمدة 3 سنوات، مقابل تبرئة المُغتصب.
هذا الأمر يتسبب بالكثير من المشاكل التي تُضاف إلى الجريمة الأساسية، والتي تصبح فيها الزوجة بعد الاغتصاب ضحية للمشرع من جانب، ومن القبيلة من جانب آخر، والتي قد تقتلها إن لم يتزوجها المغتصب.
كما تتابع الراوي: "ربما في سنوات الزواج الثلاث، على الأغلب قد يولد طفل للزوج والزوجة، وهنا تكمنُ المشكلة الجيلية الكبرى، فأي طفلٍ هذا الذي يُولد لأب مغتصب وأُمٍ ضحية، وكيف سيعيش في ظل بيئة مبنية على التفكك الأٌسري وضياع الحقوق؟ وهذه التساؤلات تُحرج السلطات القضائية والبرلمان العراقي، لذلك على الجهتين تحمُّل مسؤولية تعديل قانون العقوبات 398 بالشكل الذي يُرجعُ حقوق المرأة المُغتصبة، ويُعاقب الجاني".
تبريرات المشرِّع العراقي
يُبرّر المشرّع العراقي "مجلس النواب العراقي" بأن تشريعَه للمادة 398 من قانون العقوبات، هو "اجتناب لسفك الدماء وللحفاظ على سمعة وشرف العائلة والعشيرة"، في وقت ترى فيه ناشطات حقوقيات التبرير بحد ذاته يُشير إلى ضعف وعجز القانون أمام العشيرة.
في هذا السياق يقف المحامي صفاء اللامي بجانب المشرِّع العراقي ويدعم المادة 398 بالقول: "هناك ضرورة واقعية تفرض اختيار أخف الضررين، فالمشرع العراقي حاول إيجاد طريقة مناسبة، تقتضي زواج المغتصب لضحيته لمدة 3 سنوات، وهذا الحل بإمكانه تقليل الجرائم وفض النزاعات العشائرية".
ويتابع اللامي: "من يُطالب بإلغاء القانون فهو يشترك بطريقة غير مباشرة باحتمالية قتل الضحية من عشيرتها، بدلاً من إعطاء فرصة لمغتصبها الذي سيصبح زوجها، وربما يعدل من سلوكياته إذا ما تعلق بها، وبهذه الحالة سيتم التخفيف من مشكلة الاغتصاب، وربما هو ليس الحل الأمثل، ولكنه الحل الأخير المتبقي".
محاولات إلغاء المادة
ووفق اللجنة الأممية التابعة للأمم المتحدة، فإن هذه الأحكام لا تزال تمييزية ضد المرأة العراقية في الوقت الحالي، ويجب على العراق مراجعة تشريعاتها المحلية لإلغاء أو تعديل الأحكام التي تسمح بالعنف ضد المرأة.
وقد شهد العراق محاولات متواضعة لتعديل المادة 398، إلا أنها لا تحصل على الدعم من صنّاعِ القرار ومن "مجلس القضاء الأعلى"؛ لأن المجتمع العراقي عشائري ويمارس بعض أفراده السلطة القبلية عن طريق القوانين التي تسمَح لهم باضطهادِ المرأة.
تحدث القاضي عباس العبيدي لـ"عربي بوست" قائلاً: "اليوم بالإمكان لفت نظر الرأي العام عبر توحّد المنظمات الحقوقية بحملات لإلغاء أو تعديل المادة 398، إلا أن أبرز الصعوبات تكمن في رفض بعض الأحزاب الدينية ومن أي فرد يتمتع بصفة معنوية مؤثرة ينتمي لأيديولوجية عنصرية وعشائرية".
وتابع العبيدي: "أولوية إلغاء أو تعديل المادة 398 من قانون العقوبات العراقي يفترض أن تكون من نصيب "لجنة المرأة النيابية"، وأن تتسلم اللجنة مسؤولياتها لتعديل المادة 398 عبر المطالبة بتشديد العقوبة على المغتصب وعدم تخفيفها، وإعداد ورقة تخص التعديل بالتعاون مع المنظمات الحقوقية والنسوية، ثم تقديمها إلى رئاسة البرلمان؛ ليأخذ دوره التشريعي ويتخذ الخطوات الدستورية والقانونية التي تُنصف المرأة".
تبقى حقوق المرأة في العراق محل جدل ساخن؛ إذ تضع الحكومة العراقية في موقف محرج أمام القوانين والأنظمة الدولية، حيث يتوجب على السلطات أن تتخذ إجراءات حاسمة لمنع الجرائم وإيقاف حالات الإفلات من العقاب.
في وقت سابق من شهر آذار/مارس 2021، أشارت "لجنة حقوق الإنسان" التابعة لـ"الأمم المتحدة" إلى أن الأحكام التشريعية في القانون الجنائي العراقي تنص على عقوبات مخففة لما تسمى "جرائم الشرف"، وهذا ما ينذر بأزمات اجتماعية خطيرة، إذا لم يتم إيجاد تعديلات عاجلة فيها..
وسط مطالبات كثيرة بإلغاء المادة "398" من قانون العقوبات العراقي، التي تنص على تزويج الضحية لمغتصبها، انشغلت الأوساط العراقية خلال اليومين الماضيين بمداخلة تلفزيونية لمدير وحدة "حقوق الإنسان" في نقابة المحامين، المحامي صفاء اللامي، حول الموضوع.