يسهم موطئ قدم روسيا على جزيرة الأفعى، وهي مساحة صغيرة من اليابسة قبالة الساحل الغربي لأوكرانيا، في تعزيز سيطرتها على البحر الأسود، ما يمنع السفن الأوكرانية من إيصال حبوب البلاد الحيوية إلى مصر والجزائر وليبيا وغيرها.
حيث يُنظَر إلى جزيرة الأفعى باعتبارها محورية بالنسبة للحصار الروسي لمدينة أوديسا، والتي تمثل ميناءً أوكرانياً رئيسياً لتصدير الحبوب والسلع الأخرى، إذ توفر الجزيرة قاعدةً بحرية غير قابلة للغرق، وإن كانت ثابتة لأسطول البحر الأسود، وذلك وفق ما نشرت مجلة Forbes الأمريكية في تقرير لها يوم السبت 28 مايو/أيار 2022.
تعطل شحنات الحبوب الأوكرانية
يُبقي هذا شحنات الحبوب الأوكرانية عالقة في أوديسا ويمنع وصول المواد الغذائية التي تحملها إلى الموانئ في إفريقيا والشرق الأوسط، وهي خسارة بالنسبة للبلدان المستوردة للحبوب يفاقمها التراجع في صادرات الحبوب الروسية نتيجة العقوبات وارتفاع تكاليف التأمين على التجار. ويؤدي تلغيم الأوكرانيين لموانئهم لأغراض دفاعية إلى تعقيد نشاط الشحن بصورة أكبر.
في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في وقتٍ سابق، قال الجنرال كريستوفر كافولي (القائد المحتمل للقيادة الأمريكية في أوروبا) للسيناتورات إنَّ الفاعلين الإقليميين أمثال جماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" سيسعون لاستغلال نقص الغذاء لصالحهم.
كانت مصر وتونس وليبيا والجزائر من بين أكبر مستوردي الحبوب الأوكرانية في عام 2020. وللمفارقة، احتلت الصين المرتبة الأولى في الاستيراد من أوكرانيا التي توفر 10% من صادرات الحبوب العالمية. وفي غياب المساهمة الأوكرانية، ستُجبَر البلدان الأصغر المذكورة أعلاه للتنافس مع الصين في أسواق الحبوب العالمية.
استبدال القدرات المضادة للطيران
من جانبها، تحاول الحامية الروسية على جزيرة الأفعى بصورة نشطة استبدال القدرات المضادة للطيران التي فقدتها بغرق الطراد "موسكو"، وفي نفس الوقت منع الاتصالات البحرية والاستطلاع الأوكراني حول أوديسا. ويؤدي احتجاز شحنات الحبوب أيضاً إلى حرمان أوكرانيا من العائدات المطلوبة بشدة والتي حققت لها 5 مليارات دولار عام 2021.
في مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم (وفقاً لوكالة رويترز، جاء قرابة 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا عام 2021)، أدى ارتفاع الأسعار إلى فرض قيود على أسعار الخبز في مارس/آذار 2022، وينظر المحللون إلى هذا التصاعد في أسعار الغذاء باعتباره خطراً على الاستقرار السياسي في أرجاء المنطقة. وذكَّر تيموثي كالداس، الزميل بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، شبكة CNN بأنَّ انتفاضة 2011 المصرية "جاءت بعد عقد من ارتفاع مستويات الفقر".
كما ذكرت بلدان أخرى مثل لبنان أنَّ الاحتياطيات تكفي لشهر واحد فقط. وأفادت مجلة The Economist البريطانية أنَّه اعتباراً من منتصف مايو/أيار 2022، طبَّق 26 بلداً "قيوداً صارمة على الصادرات الغذائية"، الأمر الذي يضع عشرات الملايين في خطر انعدام الأمن الغذائي.
ومع أنَّه أُفيدَ بأنَّ بعض الحبوب الأوكرانية قد انسلَّت عبر ميناء روماني على البحر الأسود، فمن شأن رفع الحصار أن يساعد مجموعات البلدان التي تعاني وكذلك أوكرانيا نفسها. ويعني هذا أنَّ الدفع باتجاه تقليص أسطول البحر الأسود الروسي والحامية الموجودة فوق جزيرة الأفعى يمثل أولوية قصوى.
الحصول على معدات دفاعية
من ناحية أخرى، قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير يوم الخميس، 26 مايو/أيار 2022 للصحفيين إنَّ الوجود البحري الروسي والسيطرة على جزيرة الأفعى يفرضان وجود حاجة لدى الأوكرانيين للحصول على معدات دفاعية ساحلية، وهو ما يبرر بصورة أكبر الإمدادات الأمريكية المحتملة من أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة للبلاد.
حيث تطلق أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة الأمريكية (HIMARS) من طراز M270 وM142 قذائف متماثلة من طراز 227 ملم. وقد نُظِرَ إليهما باعتبارهما دفعة للنيران الأوكرانية بعيدة المدى في ساحات المعارك في إقليم دونباس، لكنَّ قدرة نظام HIMARS على ضرب أهداف على بُعد يصل إلى 300 كم يمكن أن تسمح لأوكرانيا بضرب أهداف على جزيرة الأفعى انطلاقاً من ساحلها الجنوبي.
وفي وقتٍ سابق من شهر مايو/أيار 2022 استخدمت القوات الأوكرانية طائرة مُسيَّرة من طراز بيرقدار TB-2 لإغراق سفينة إنزال روسية أثناء رسوها على الجزيرة، وهو ما يشير إلى أنَّ مزيجاً من الطائرات المُسيَّرة القادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع ومنظومة HIMARS يمكن أن توسع القدرة على قطع خطوط الإمداد وعزل الحامية الروسية.
يمكن أن يؤدي ذلك إلى السماح بشحن القليل من الحبوب الأوكرانية مجدداً، وربما منع قدر من الجوع وعدم الاستقرار على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.