بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن دعوته لعقد حوار وطني خلال إفطار الأسرة المصرية يوم الثلاثاء 26 أبريل/نيسان، تدور التساؤلات حول السر وراء هذه الدعوة والغرض منها في هذا التوقيت بالتحديد.
كان السيسي كلّف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة ورفع نتائج هذا الحوار إليه شخصياً، مع وعده بحضور المراحل النهائية منه.
كما أعرب الرئيس المصري عن سعادته بالإفراج عن دفعات من أبناء مصر خلال الأيام الماضية، قائلاً: "إن الوطن يتسع لنا جميعاً وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية".
يأتي هذا في وقت تتباين فيه الآراء حول جدية هذه الدعوة وأهدافها وإمكانية وصول الحوار إلى النتائج المرجوة من تحقيق انفراجة حقيقية في ملفات حقوق الإنسان وحرية الإعلام والتعددية السياسية.
"عربي بوست" استطاع الوصول إلى بعض التفاصيل حول السبب وراء الإعلان عن هذه الدعوة إلى الحوار السياسي في هذا التوقيت بالذات.
محاولة لطمأنة المؤسسات الدولية للموافقة على قروض جديدة
قال مصدر في مجلس الوزراء المصري في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" إن المجلس لا يملك معلومات رسمية عن تفاصيل الدعوة التي أطلقها الرئيس للحوار السياسي، مشيراً إلى أن الدعوة تخص مكتب الرئاسة وبعض الأجهزة الأخرى التي تدير المشهد السياسي في مصر في السنوات الأخيرة، بينما تركز الحكومة على أداء الأدوار التنفيذية دون المشاركة في رسم السياسات.
لكن المصدر أضاف أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن هذه الدعوة هي محاولة من الدولة لطمأنة المؤسسات الدولية التي أبدت انزعاجها في الأسبوعين الماضيين من أداء النظام الحالي السياسي والاقتصادي، وانعدام الشفافية وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة، خصوصاً المؤسسة العسكرية التي تزاحم القطاع الخاص في مجال الاستثمار بشكل غير عادل.
هذا الانزعاج- بحسب المصدر- يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على استجابة صندوق النقد الدولي لطلب مصر الحصول على قرض جديد لمواجهة تداعيات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.
كانت 7 منظمات حقوقية دولية طالبت يوم 4 أبريل/نيسان الحالي صندوق النقد الدولي بأن يتضمن أي قرض جديد لمصر شروطاً تتعلق بالشفافية فيما يتعلق بشركات الجيش التي لا تخضع لأي إشراف مستقل أو مدني، معتبرة أن شركات الجيش المصري تعمل في سرية تامة تقريباً، وتخفي "أوجه القصور والخسائر الخفية".
كما ترافق التوسع الاقتصادي الشرس- بحسب تعبيرها- للجيش مع القمع السياسي المتزايد، بما فيه قمع نخبة رجال الأعمال الذين يُعتبرون معارضين سياسيين، مشيرة إلى اعتقال صفوان ثابت ونجله سيف صاحبَي "شركة جهينة للألبان"، بعد أن رفضا تسليم أسهم في شركتهما إلى شركة تملكها الدولة.
كما أكدت المنظمات ضرورة أن يطالب صندوق النقد السلطات المصرية بوقف قمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات بإطلاق سراح الصحفيين والبرلمانيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
الإفراج عن سياسيين وعودة لجنة العفو
ويشير المصدر إلى أن النظام السياسي وأذرعه كانوا مطالبين بتحسين الصورة أولاً وتأكيد الجدية وحسن النوايا قبل الحوار؛ وهو ما يفسر ما شهده مساء الأحد 24 أبريل/نيسان الجاري بعد يومين فقط من حديث السيسي من الإعلان عن إخلاء سبيل 41 شخصاً من المسجونين احتياطياً في قضايا بعضها ذات خلفية سياسية في مصر.
ويتوقع المصدر أن يتم الإعلان عن عودة لجنة العفو الرئاسي بشكل رسمي لممارسة عملها بعد أن توقفت عام 2018، لتشهد الفترة القادمة العفو عن أعداد أخرى من المحكوم عليهم أحكاماً نهائية وباتة.
هذا فضلاً عن الدعوة لمشاركة كافة التيارات في الحوار السياسي بما فيها التيار الإسلامي، لكن سيقتصر في الوقت الحالي على السلفيين أو الصوفيين، حسب ما ذكره المصدر.
احتقان الشارع بسبب التضييق الأمني والضغوط المعيشية
مسؤول مطلع في جهاز الأمن الوطني المصري، قال لـ"عربي بوست" إن دعوة الرئيس جاءت مبكرة عما كان مخططاً له.
وأوضح أنه كان من المفترض أن يتم الدعوة لهذا الحوار بعد الانتهاء من المشروعات التي دشنتها الدولة، لكن تغيير التوقيت وتبكيره وراءه ضغوط خارجية يعرفها الجميع.
لكن المسؤول أشار أيضاً إلى وجود ضغوط داخلية شديدة كان لها دور في تبكير موعد الحوار السياسي. تتمثل هذه الضغوط في تقارير سرية قدمتها قيادات الأمن الوطني للرئيس خلال الأسابيع الماضية تفيد بوجود حالة احتقان كبيرة لدى المواطنين من استمرار التضييق الأمني والسياسي والقبض على أشخاص غير مسيسين.
واستشهد المسؤول بالتضييق على بعض العاملين في مبنى ماسبيرو للإذاعة والتليفزيون بسبب المظاهرات المندلعة بين موظفي المبنى منذ أسابيع ولم تخمد حتى الآن احتجاجاً على سوء أوضاعهم الوظيفية والمالية.
كما زاد الاحتقان مؤخراً بسبب غلاء الأسعار وحادثة مقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود في ظروف غامضة. وأخيراً إقدام وزير الأوقاف على منع صلاة التهجد وكذلك الاعتكاف في المساجد وهما من العادات الرمضانية الراسخة عند المصريين.
كما دشن مصريون هاشتاج #العيد_ثورة على تويتر ليصبح الأعلى تداولاً، رفضاً لقرارات وزير الأوقاف بجعل تكبيرات صلاة العيد الفطر، لمدة سبعة دقائق.
واعتبرها البعض خوفاً من الدعوة بشكل واضح وصريح لأن ينزل الشعب في صلاة العيد ويعلن عن احتجاجه، وعدم قدرة الحكومة على تطويق تلك الاحتجاجات.
ودعا مغردون للدعوة إلى المشاركة في الاحتجاج بكتابة هاشتاج "العيد ثورة" على الأوراق النقدية، لتنتشر الفكرة بين أكبر عدد من الناس وليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف المسؤول السابق أن تلك التقارير استشهدت أيضاً بعدة وقائع حتى تثبت للرئيس خطورة الوضع ليتعامل مع الأمر بجدية وليس بالتجاهل، مثلما تم مع تقارير سابقة من الأمن الوطني.
من بين هذه الشواهد وقائع سقوط هاني ضاحي في انتخابات نقيب المهندسين وهو المرشح الذي كانت الدولة تدعمه في مواجهة طارق النبراوي المرشح عن تيار اليسار.
وتزامن ذلك مع سقوط بهاء الدين أبو شقة وكيل مجلس الشيوخ والمقرب من النظام الحالي في انتخابات رئيس حزب الوفد المعارض أمام منافسه عبد السند يمامة.
وقد كشفت الواقعتان- بحسب المسؤول- عن تزايد الرغبة لدى المصريين في السير عكس الاتجاه الرسمي للدولة. وأخيراً الواقعة التي هزت أرجاء الرئاسة بشدة وهي انتشار استمارات لسحب الثقة من رئيس الجمهورية، بحسب تعبير المصدر.
وكانت هذه الاستمارات سبباً في القبض على الإعلامية هالة فهمي، بعدما نشرت الاستمارة على صفحتها على فيسبوك بهدف الترويج لها.
ولفت المسؤول السابق إلى تغير نبرة وطريقة الرئيس المصري في الرد على الانتقادات الموجهة لطريقة إدارته للمال العام في الفترة الأخيرة، فبعد أن كان يتصدى للرد على الانتقادات بعنف مثلما حدث عام 2019، حين اتهمه المقاول الهارب محمد علي وقتها ببناء قصور رئاسية فاخرة بأموال الشعب، اتسمت ردوده في لقائه الأخير مع الإعلاميين في توشكى باللين والهدوء.
فقد رد السيسي على الانتقادات الموجهة له بالإسراف في الإنفاق على مشروعات غير منتجة، أو مبادرة حياة كريمة، بقوله إنه لا يتصور أن أحداً يقبل أن "أختك أو أخوك الذين يعيشون في الريف لا يكون عندهم صرف صحي".
الأجهزة السيادية لم تتلقَّ تفاصيل عن الحوار السياسي
مسؤول بأحد الأجهزة السيادية المصرية كشف لـ"عربي بوست" حقيقة اضطلاع الأجهزة السيادية بالتجهيز للحوار السياسي الذي أشار إليه الرئيس، فقال إنهم لم تصلهم أية تفاصيل عن شكل هذا الحوار والمشاركين فيه.
كما لم يطلب من الجهاز حتى هذه اللحظة تجهيز تصورات بخصوص المدعوين للمشاركة في الحوار أو أجندة عمل له تحدد الموضوعات التي سوف تجري مناقشتها خلال الحوار، وبالتالي موعد انعقاد هذا الحوار أو مكانه.
من جهته، رجح الإعلامي مصطفى بكري أن يكون الحوار السياسي ممثلاً لكل قوى المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وبرلمان وصحافة وإعلام، فيما سوف تتضمن أجندة عمله مناقشة قضايا مهمة وملحة داخل المجتمع المصري، من بينها كيفية تطوير أداء الأحزاب وقوى المجتمع المدني وتوفير البيئة المناسبة لها، ومناقشة مستقبل الصحافة والإعلام وضمان حريتها واستقلاليتها في إطار من المسؤولية المجتمعية، إضافة إلى تنظيم الانتخابات المحلية والنيابية، بحيث تضمن تمثيلاً مناسباً للقوى والتيارات المختلفة في المجتمع، وربما يتطرق إلى تعديل بعض بنود ومواد دستور البلاد بما يتناسب ومتطلبات الجمهورية الجديدة، دون أن يكشف عن طبيعة تلك التعديلات.
هل تواجه دعوة الحوار السياسي مصير دعوات سابقة أطلقها عبد الناصر وحسني مبارك؟!
باحث سياسي في مركز حكومي للدراسات قدّر في اتصال مع "عربي بوست" دعوة السيسي للحوار السياسي أنها بمثابة "هروب للأمام" مستدلاً على تقديره هذا بعبارة قالها الرئيس المصري في معرض حديثه مع الإعلاميين بأن مشاكل مصر أكبر من أي رئيس وأي حكومة، وهو ما يعد أول اعتراف منه بالفشل في إدارة الدولة وملفاتها السياسية والاقتصادية.
وأضاف قائلاً إن الدعوة تبدو في توقيتها مغازلة للغرب الذي بدأ يشدد ضغوطه على النظام المصري في الأسابيع الأخيرة بسبب تجاوزاته في ملفات حقوق الإنسان والحبس العشوائي ليس فقط للمعارضين، ولكن لكل من يتحدث عن الحقوق وآخرهم الإعلامية هالة فهمي التي تم اعتقالها قبل يومين بسبب تجرئها على نشر فيديوهات تندد فيها بتعامل الدولة وأجهزتها الأمنية مع الإعلاميين خصوصاً العاملين في ماسبيرو.
الباحث لم يبدِ متفائلاً بنتائج الحوار السياسي إذا انعقد، قائلاً إنه من المعتاد في مصر أن يلجأ الرئيس إلى المناورة بالحديث عن حوار سياسي وانفتاح على المعارضة كلما تورط في أزمة تفوق قدراته، على حد تعبيره، مثلما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب نكسة 67، التي تسببت في إصابة قطاعات كبيرة من المثقفين وأبناء الشعب العاديين بالاكتئاب وأطلقت مظاهرات الطلبة في مناسبة نادرة للتظاهر ضد عبد الناصر.
كما لجأ الرئيس الراحل حسني مبارك لإطلاق نفس الدعوة لحوار سياسي عقب الأزمة الاقتصادية العنيفة التي مرت بها مصر عام 1988، لكن في الحالتين لم يسفر الحوار عن شيء ولم يكتمل من الأساس؛ لأن هدف الرئيس من إطلاق الحوار لم يكن الإصلاح وإنما كان بمثابة المسكّن.
حوار سياسي بلا الإخوان المسلمين
ناشط سياسي قضى عدة سنوات في السجن خلال فترة حكم السيسي قال لـ"عربي بوست" إن الدعوة لحوار سياسي تحتاج إلى مجموعة مقومات حتى تكون جادة وحقيقية وليست مجرد أداة لتجميل وجه النظام أمام الغرب.
أول هذه المقومات- حسب الناشط- تحديد الهدف من الحوار، والذي يجب أن يكون إصلاح هياكل الدولة ومؤسساتها عبر بناء نظام تعددي يضمن مشاركة الجميع في رسم السياسات الكفيلة بتحقيق الحاجات العامة للمصريين مثل تحسين مستوى معيشتهم، وضمان حفظ أمنهم الإنساني وأمن الدولة القومي.
وأضاف أن هناك شكوكاً عميقة في أن يوافق الرئيس على أهداف كهذه في ضوء ممارساته منذ توليه السلطة قبل 8 سنوات التي يتضح منها تحفظه الشديد والعنيف ضد الحديث عن إصلاح في إدارة الدولة، وكذلك ضيقه الواضح من الآراء التي تنتقد سياساته.
المقوم الثاني هو تحديد المشاركين في هذا الحوار، فلا يجب إقصاء أي فصيل سياسي من المشاركة في هذا الحوار، وأولهم جماعة الإخوان المسلمين التي تمثل- شئنا أم أبينا- المؤسسة السياسية الوحيدة في مصر التي تملك تواجداً مؤثراً في الشارع المصري.
وأضاف: "لا أظن بحسب معلوماتي أن الدولة سوف تقبل مشاركة الإخوان في الحوار السياسي سواء كجماعة- وهذا أمر يمنعه القانون الذي صنفها جماعة إرهابية وبالتالي لا يحق لها العمل السياسي ناهيك عن الجلوس على مائدة واحدة مع رئيس الجمهورية- أو حتى كأفراد يمثلون تيار الإسلام السياسي".
وفي غياب الإخوان ستكون قائمة المشاركين في الحوار السياسي المنتظر مثيرة غالباً لسخرية الشارع المصري، لأن الجميع في مصر يعرفون أن الأحزاب السياسية الموجودة والتي يصل عددها إلى 84 حزباً مجرد كيانات كارتونية لا تمثل إلا نفسها ومصالح مؤسسيها، على حد تعبيره.
أما الحزب الذي يمثل الأغلبية في البرلمان وهو حزب مستقبل وطن فلا يحظى بثقة ولا احترام الشعب أو النشطاء والمعارضين.
وختم الناشط تصريحه بالإشارة الساخرة إلى أنه شخصياً قضى 3 سنوات في السجن بسبب مشاركته في وثيقة تدعو لحوار سياسي يساعد على تجنب الاستقطاب السياسي، كما تعرض أشخاص معروفون للاعتقال بسبب دعوات مشابهة مثل السفير السابق معصوم مرزوق وغيره.