يستعد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة لخوض المعركة الانتخابية في 15 مايو/أيار المقبل، بالرغم من عزوف تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري عن العمل السياسي.
السنيورة يتصدَّى- وفق ما يقول- لمحاولة حزب الله وحلفائه ضرب الساحة السياسية والوطنية، وتحديداً في الشارع السُّني الذي يغيب عنه الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، قائلاً إنه يخوض معركة الانتخابات مع أقطاب يصفها بـ"السيادية"، بهدف ملء الفراغ في الساحة السُّنية، ونزع سيطرة حزب الله لاستعادة سيادة لبنان واستقلالها، على حد تعبيره.
في مكتبه في شارع "بلس" المطل على الجامعة الأمريكية بالعاصمة اللبنانية بيروت، ينشغل السنيورة مع مجموعة من الشخصيات السياسية التي تولت مناصب وزارية وبرلمانية واستشارية إلى جانبه خلال السنوات الماضية، للتحضير للاستحقاق الانتخابي.
هناك، كان لنا في "عربي بوست" لقاء مع رئيس الحكومة الأسبق للحديث عن التحديات التي تواجه لبنان والاستحقاقات القادمة، ودور الساحة السُّنية فيها.
المواجهة ضد حزب الله
يقول فؤاد السنيورة، في مقابلته مع "عربي بوست"، إن الاستحقاق الانتخابي جزء من النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان، ويفترض به أن يتم كل أربع سنوات وفق الدستور اللبناني، مشيراً إلى أنّه حق وواجب على كل اللبنانيين.
وحول رفع شعار "المواجهة"، يقول رئيس الحكومة الأسبق إن المواجهة ستكون مع الخصم الرئيسي للقوى الرافضة للقبضة الإيرانية على البلاد، والذي يتمثل بشكل رئيسي من حزب الله، ومن خلفه التيار الوطني الحر وكل الأحزاب والشخصيات الموالية للنظام السوري.
وأوضح السنيورة أن هؤلاء عمدوا إلى تخريب النظام الديمقراطي والبرلماني وتعطيل تشكيل الحكومات، وفرض أعراف من خارج الدستور اللبناني، حيث ضربوا مفهومه الأساسي، القائم على قاعدة أن هناك أكثرية تحكم وتحاسب، وأقلية غير مهمَّشة تعارض في البرلمان وتراقب الحكومة.
هذه القوى- من وجهة نظر السنيورة- تسببت بخلل في توازنات لبنان وضربت الثقة، مما دفع نحو انهيارات متتالية طالت الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
الانتخابات والاستحقاقات القادمة
وبالحديث عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة، يلفت السنيورة إلى أنّه بالرغم من أنّ القانون الانتخابي سيئ وعزّز الخلافات والتشنجات الطائفية والمذهبية في لبنان، وأنه يؤدي إلى مشكلات بين المرشحين في نفس اللائحة، لكن لا بد من الالتزام به وخوض المعركة الانتخابية على أساسه.
وأكد فؤاد السنيورة ضرورة المشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابية؛ إذ يعتبر أنّ كل الاستحقاقات المقبلة (الحكومة الجديدة وانتخابات الرئاسة) تعتمد على نتيجة الانتخابات النيابية.
السنيورة يشير إلى أن كل هذه الاستحقاقات تأتي في خضم مرحلة خطيرة يمر بها العالم من جهة والمنطقة العربية من جهة ثانية، وهو ما يتطلب دراية وإداركاً لكل هذه المخاطر، وإرادة عالية للعمل من أجل تخطي هذه الخطورة.
وأضاف: "إذا جرى التساهل بهذه الانتخابات، فإنّ ذلك سيؤدي إلى مزيد من المخاطر على لبنان، لا سيما في ظل ما يشهده من تسلط على الدولة من قِبَل الأحزاب الطائفية والميليشياوية وفي مقدمتها "حزب الله"، على حد وصفه.
وحول الحديث المتكرر عن حصول حزب الله على الأكثرية البرلمانية، يرفض السنيورة القول إن النتائج محسومة لصالح حزب الله وحلفائه، معتبراً أن هذا الكلام للتشويش والتضليل ويهدف لإحباط اللبنانيين وتحديداً معارضي الخيارات التي يتخذها الحزب.
وأوضح "ما نسعى إليه هو أن يكون للقوى السيادية حضور قوي في البرلمان والدولة والمؤسسات الوطنية".
لكن السنيورة يبدي خشيته على نزاهة الانتخابات، إذ إن هناك مؤشرات غير مطمئنة في البلاد توحي بذلك، وهناك محاولات ترهيب مستمرة في كل المناطق، أبرزها الاعتداء على إعلان لائحة معارضين في الجنوب وقبلها التعرض للافتات مرشحي لائحة "بيروت تواجه" في العاصمة بيروت.
السنيورة: لست هنا لأرث الحريري
وعن عزوف رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري عن المشاركة في الانتخابات، يقول السنيورة إنّه منذ البداية لم يكن موافقاً على هذا القرار.
وأضاف: "أتفق مع الحريري على تشخيص المشكلة بأن لبنان أصبح مخطوفاً من قبل حزب الله وإيران اللذين سعيا لتخريب النظام الديمقراطي اللبناني بكل قواعده، ولكن من وجهة نظري المقاطعة والاستنكاف مرفوضان، ولا بد من التمييز بين جوهر المشكلة ومظاهرها وتجلياتها".
هنا يجدّد فؤاد السنيورة موقفه بالوقوف إلى جانب سعد الحريري، إذا قرر العودة إلى العمل السياسي من جديد.
وحول محاولة شيطنته من بعض كوادر تيار المستقبل لقراره بالانخراط في العملية الانتخابية، يشير رئيس الحكومة السابق إلى أن هناك من يريد أن يعطي لما قاله الحريري غير ما قصده.
وأضاف: "سبق أن تناقشت بشكل مستفيض معه ومع الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام، وكان موقفي واضحاً، أنني لست هنا لأرث سعد الحريري، وهو له زعامته وحضوره ومحبته عند الناس، وعندما يريد العودة، سيجد بانتظاره جمهور وليس فراغ".
بالمقابل، يؤكد السنيورة إلى أن جمهور الحريري وتياره العريض باقٍ في المعادلة الوطنية؛ لأنه يمثل الاعتدال السياسي. وهو مع صيغة الدولة اللبنانية واستعادتها، ومع استعادة دور لبنان في محيطه العربي.
ولكن هناك موقف اتخذه الرئيس الحريري أنه لا يريد أن يرشح نفسه أو ترشيح أي أحد باسم تيار المستقبل، لكنه لم يطلب من اللبنانيين ولا من السُّنَّة في البلاد ألا يقترعوا، وعلينا الاستمرار بالمعركة النضالية.
المشاركة الواسعة في الانتخابات
ويشير السنيورة في السياق نفسه إلى ضرورة تصويب البوصلة، وتضافر الجهود من قِبَل كل السياسيين في لبنان؛ لأن يكون لهم موقف موحّد، والعمل على المشاركة الكثيفة في الانتخابات والتعبير عن رأيهم للحؤول دون الإطباق الكامل على الدولة اللبنانية، وتزوير الإرادة اللبنانية من قِبَل جماعة "طارئة على العمل السياسي في لبنان"، على حد تعبيره.
السنيورة يوضح أنّ الخصوم يريدون تشتيت الأصوات وشرذمتها لصالح لوائحهم، وبالتالي لا بد من المشاركة الكثيفة في الانتخابات، والتصويت لصالح اللوائح السيادية. وعلى صعيد آخر، يشير السنيورة إلى أنّه يساهم إلى جانب اللبنانيين وما يريدونه في عملية استرجاع قرارهم وإرادتهم الحرة، وعلاقتهم مع المحيط العربي.
ويقول السنيورة إنّ الأيام العشرين المقبلة والمتبقية لموعد الانتخابات ستشهد تغييراً تدريجياً تجاه موقف اللبنانيين من المشاركة في هذه الانتخابات، وقال: "على كل لبناني أن يؤدي واجبه واختيار الأفضل والأصح لمستقبل ومصير لبنان، وعدم الانجرار وراء المغريات، والأيام كفيلة بجلاء الحقيقة".
ويقول السنيورة: من غير اللائق ترك الشعب اللبناني في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، بالرغم من كل المخاطر التي قد تلحق بنا.
توحيد الساحة السُّنّية
وعن الساحة السُّنية، يلفت إلى أنّه سعى لتوحيد الساحة خاصة في دائرة بيروت الثانية، وأصرّ على اختيار أشخاص مؤهلة لتمثيل الشعب اللبناني في المرحلة المقبلة.
وأشار فؤاد السنيورة إلى أن المشكلة اليوم ناجمة عن تراكمات على المستوى الوطني عموماً والمستوى السُّنّي بشكل خاص.
ويشدد على أنّ الحل الوحيد اليوم هو بالعودة إلى الدستور وتطبيق اتفاق الطائف، والعودة إلى المبادئ الأساسية التي قام على أساسها لبنان. وقال إن لبنان دفع غالياً من عمر أبنائه، ولا بد الآن من العودة إلى القواعد الأساسية.
ويلفت السنيورة إلى أنّ المجلس النيابي الجديد سيحدد صورة المرحلة المقبلة، ومستقبل البلد، مشيراً إلى أن التجربة التي مر بها لبنان بعد التسوية الرئاسية عام 2016، تؤكد أن اللبنانيين أساؤوا فهم الأمور.
رئيس جديد للبلاد
وجدَّد السنيورة موقفه على أنّ قرار اختيار رئيس الجمهورية هو قرار وطني وليس مارونياً، مشيراً إلى أن الرئيس القوي يجب أن يكون قوياً لدى كل اللبنانيين وليس في طائفته فقط، و"القوي قوي في عقله وليس في عضلاته"، على حد وصفه.
السنيورة يلفت إلى أنّ لبنان مقبل في المرحلة المقبلة على تحديات كبرى تتطلب كفاءات وممارسات مختلفة كلياً عما كانت تتم عليه في الماضي.
وحول الاسم الذي يراه مناسباً لتولِّي منصب رئاسة الجمهورية، أشار السنيورة لأمر أساسي أن التجربة الأخيرة مع الرئيس ميشال عون أثبتت أن لبنان بحاجة لشخصيات كفوءة لهذا الموقع وليس للشخص الأول في طائفته، في ظل حاجة لبنان لمسؤولين يعالجون الأزمات المحدقة والانهيارات المتتالية، وليس لتمثيل فريق سياسي على حساب اللبنانيين جميعاً.
العودة الخليجية للبنان
وعن العودة الخليجية، يقول إنّها طبيعية، لأن لبنان عربي الهوية والانتماء، ويقوم على قوة التوازن وليس على توازن القوى.
وعبّر السنيورة عن فرحته بهذه العودة لما لها من انعكاسات إيجابية على الواقع اللبناني، مؤكداً ضرورة إعادة تركيز علاقات لبنان مع أشقائه العرب بعد عودة سفراء السعودية والكويت وتعيين قطر سفيراً جديداً لها في بيروت.
وحول ما يُشار عن دعم السعودية لحركته الانتخابية والسياسية، أوضح السنيورة أن المملكة العربية السعودية تتعامل مع لبنان الدولة وليس مع فئات دون أخرى، وهناك شواهد على ذلك من خلال دعمها الكبير لإعمار لبنان في الحروب الإسرائيلية ودعم الاقتصاد اللبناني في مؤتمرات المانحين الخاص بلبنان.
لكن السنيورة يؤكد أن المملكة حريصة على مشاركة اللبنانيين في الانتخابات وعدم مقاطعتها من باب الحفاظ على التوازن الوطني وتعزيز دور الدولة والمؤسسات.