كيف يمكنك الاستمرار في عيش بفاعلية عندما تشعر أن كل شيء مُحبط أو مؤلم أو ممل للغاية في حياتك؟
تتمثل إحدى طرق اجتياز الظروف والعقبات التي تدفعك للشعور باليأس وفقدان الأمل في ابتكار شخصية بديلة لنفسك، تستغل الفرصة مهما كان الوضع مرهقاً بالنسبة لك والبدء في تحقيق الإنجازات كما لو أنك أصبحت شخصاً جديداً. وتُدعى تلك التقنية في علم النفس "تأثير باتمان".
ما هو تأثير باتمان؟
التكتيك النفسي يعتمد بشكل أساسي على أن تبتكر لنفسك شخصية "بطل خارق" تكون قادرة على التعامل بمهارة في الظروف والأوقات العصيبة التي عادة ما تشعر بقلة الحيلة حيالها، لذلك تم إطلاق اسم تأثير باتمان عليها.
وانطلقت تلك التسمية وفقاً لموقع Medium بسبب كفاح شخصية بروس واين في القصة المعروفة، لقمع المشاكل التي تواجهه ويضعف كبشري أمامها، لكنه حينما يرتدي عباءة الشخصية يبدأ في امتلاك قدرات أكبر بكثير.
واتضح من هذا المُنطلق قدرة الأطفال على الأداء بشكل أفضل في المهام المختلفة إذا قاموا بمحاكاة شخصية أخرى، ووجدوا أنهم يحققون نجاحاً ملحوظاً عن المعتاد.
واكشفت الدراسات السابقة أن الأطفال الذين يتظاهرون بأنهم شخصية بارعة أو لديها قدرات خارقة، يستمرون لفترة أطول في المهام الشاقة ويعملون بشكل أفضل في مهام الوظيفة التنفيذية مقابل الأطفال الذين يفكرون في أنفسهم من وجهة نظر الشخص الأول الأصلي لأنفسهم.
كما ثبت وفقاً لموقع BBC، أن تبني وجهة نظر الشخصيات الأكثر كفاءة من أنفسهم يمكّن الأطفال من التفكير في التحدي وإدراكه من زوايا مختلفة والابتكار أكثر في إيجاد الحلول. فهو يشكل مساحة ذهنية أو "مسافة نفسية" بينهم وبين المهمة التي تتطلب جهداً مكثفاً، ويساعدهم في تصور نموذج النجاح بشكل أوضح وبدون ارتباطات شخصية.
وفي دراسة أجريت عام 2016 بجامعة مينيسوتا، حول مزايا الابتعاد عن الذات بالنظر إلى موقفك من منظور الشخص الغريب أو الطرف الآخر- على مثابرة وقدرة الأطفال على الاحتمال.
وطُلب من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة وأربعة أعوام إنجاز مهمة متكررة لمدة 10 دقائق مع اختيار أن يأخذوا فترات راحة من خلال ممارسة ألعاب فيديو مغرية.
وعبر كلتا الفئتين العمريتين، قام الأطفال بتقمُّص شخصية خارقة وأبطال أو نموذج يحتذى به – مثل شخصية باتمان، ووجدوا أن تلك الفئة كرست معظم الوقت في إنجاز المهمة، تبعهم الأطفال الذين تبنوا منظور الطرف الآخر، وفي النهاية جاء الأطفال ذوو منظور الشخص الأول.
كيف يمكنك استغلال تأثير باتمان في تحفيز الأطفال؟
بغض النظر عن سعيك للتأثير على أطفالك لتنظيف غرفتهم أو محاولة تحفيزهم على إنهاء واجباتهم المدرسية، فإن تأثير باتمان قد يمنحهم التشجيع الذي يحتاجون إليه.
وينصح الخبراء في الصحة النفسية وفقاً لموقع Psychology Today، بتجربة تلك التقنية من خلال تجريبها على الأطفال بشكل غير مباشر من حين إلى آخر وبشكل منتظم.
مثلاً، قم بسؤال طفلك أثناء أداء الواجبات المدرسية قائلاً: "كيف تجري الأمور هناك يا باتمان؟" أو أي بطل يتحمس طفلك من ذكر اسمه والحديث عن شخصيته في المنزل.
سترى بالتأكيد أنهم قادرون على القيام بعمل أفضل من المعتاد.
ففي كل مرة يستمر أطفالك في المضي قدماً بنجاح، ستتعزز لديهم القوة العقلية التي يحتاجون إليها للقيام بالوظائف الصعبة والمهام الثقيلة بالنسبة لهم. وكلما ازدادت ثقتهم في أنفسهم بالتبعية، زاد عدد العقبات التي سيتعاملون معها والمشكلات التي سيتمكنون من حلها وتجاوزها بمفردهم.
تأثير باتمان مُجْدٍ مع الكبار أيضاً
تتمثل إحدى طرق التغلب على الفوضى التي نعيش فيها في اختلاق "الأنا" الأخرى المتغيرة، وتخيُّل الطريقة التي يمكن أن يؤدي بها تغيير شخصيتنا في إدارة المشكلة التي نواجهها.
نتخيل دوماً، لو كنت أتمتع بالمزيد من الشجاعة لفعلت كذا، ونقول مراراً لو كانت شخصيتي أكثر وعياً وذكاءً لتخيلت العديد من الحلول للمشكلة المحددة التي تقف في طريقي. لماذا إذاً لا نقوم بذلك التخيُّل بشكل أكثر وعياً وتأثيراً؟
فمن خلال اتباع تأثير باتمان حتى بالنسبة لنا نحن البالغين، وعبر النأي بالنفس عن الأمر والتفكير فيه من منظور خارجي موضوعي، يمكننا تحقيق المعجزات.
اعتناق الأنا البديلة هو شكل مكثف من "النأي بالنفس" والذي يتم عن طريق التراجع عن مشاعرنا الفورية والسماح لأنفسنا برؤية الموقف بشكل أكثر حيادية وموضوعية.
وقد أثر هذا على بعض المؤسسات الفكرية للتساؤل عما إذا كان بإمكانها أيضاً تعزيز جوانب ضبط النفس مثل التصميم والعز وقوة الإرادة من خلاله.
في هذا السياق، تم إجراء تجربة سُئل فيها الأشخاص عما إذا كان بإمكانهم التركيز بشكل أفضل في حل ألغاز الكلمات الصعبة إذا طُلب منهم أن يمارسوا تقنية الخروج من شخصيتهم والنأي بالذات قبل البدء في المهمة.
كذلك طُلب من المشاركين في التجربة التي نشرتها مجلة European Journal of Social Psychology عام 2014، تقديم المشورة لأنفسهم من منظور الشخص الغريب، بمعنى أنه لو كنت تعرف نفسك من بعيد كيف كنت ستنصحها؟
وبالفعل، بدأ المشاركون في التعامل كما لو كانوا يتفاعلون مع أحد معارفهم بدلاً من تفاعلهم مع أنفسهم بصورة ذاتية مباشرة ومُعتادة.
ووجدت الدراسة أنه من خلال تقوية إحساسهم بضبط النفس، يمكن أيضاً أن يعزز النأي بالنفس السلوك الصحي للناس وقدرتهم على رؤية الصواب من الخطأ.
مثلاً، من بين أولئك الذين قالوا لأنفسهم: "أتمنى لو عملت على تحسين نظامك الغذائي"، كما لو كانوا شخصاً غريباً، تحسّنت بالفعل عاداتهم في تناول الطعام وامتناعهم عن استهلاك الوجبات السريعة.
كذلك تكرر الأمر عندما قارنوا أنفسهم بشخصية خارقة مثلت القدوة بالنسبة لهم، بمعنى "هل سيكون باتمان قادراً على مقاومة برجر بالجبن؟"، وبالفعل نجحت الحيلة في تعزيز السلوكيات الإيجابية.
لذلك قد يكون كل ما تحتاجه الآن لتكتسب العادات الصحية التي لطالما حلمت بها هي أن تخبر نفسك: "يمكنك فعل ذلك، يا باتمان!".