يزداد الوضع الليبي سوءاً يوماً بعد يوم، فقد أصبحت ليبيا ساحة صراع دولية لا تقل خطورةً عن سوريا مثلاً، وإن كانت الحرب بالنيابة هنالك، أي ليست تصريحية كالوضع في سوريا، ولكن ألسنة اللهب تستعر وتعلو مجدداً مع كل معركةٍ يشنها حفتر على حكومة الوفاق الوطن ويظل السؤال الأبرز، من يحسم معركة دخول طرابلس ؟
منذ أشهر يسعى اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالدخول إلى طرابلس عبر المعركة التي يشنّها، معارك طاحنة على أبواب جبهة طرابلس الجنوبية، في وقت يثير فيه تحرك أرتال كبيرة من العربات المسلحة من مدينة مصراتة إلى العاصمة الليبية منذ 30 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، تساؤلات عدة حول خلفيات إرسال هذه القوة الكبيرة، وكأن طرابلس على صفيح ساخن، تستعد لمعركة حاسمة عقب تأجيل الانتخابات وتداعياتها، يأتي هذا وسط حالة انقسام سياسي تشهدها ليبيا، عقب تنصيب مجلس النواب بطبرق (شرق) باشاغا رئيساً لحكومة جديدة، بدلاً عن حكومة الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.
معركة دخول طرابلس
تستمر المفاوضات، فبالأمس وصلت مجموعة من قيادات مصراتة إلى لقاء رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا في تونس ضمن الحوارات التي تقوم بها القيادات العسكرية أبرزها محمد الحصان ومختار الجحاوي بين الطرفين، اجتماعات تنضم إلى اجتماعات في روما ضمت قيادات من مصراتة وصدام حفتر للتفاوض على إبقاء عبد الحميد دبيبة في رئاسة الحكومة وباءت كلها بالفشل لرفض حفتر وجود عبد الدبيبة في السلطة.
يعتمد المشهد الحالي وحسمه على موقف الفصائل المسلحة التي ترتكز بشكل كبير في 3 مناطق رئيسية: طرابلس، مصراته، والزاوية، في وقت يقول فيه مراقبون إن الفصائل الغربية هي من ستحسم دخول طرابلس، وفي التقرير نستعرض أهم القوات الفاعلة في المناطق الثلاث.
طرابلس:
أكبر قوة في طرابلس "قوة دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الكيكلي، وقوة الردع الخاصة ومكافحة الإرهاب بقيادة عبد الرؤوف كاره، تدعم الكتيبة تلك باشاغا بقوة وترى أنه الأصلح لقيادة المرحلة المقبلة.
تعتبر هي وكتيبة النواصي من أهم القوات الموجودة في طرابلس، بالإضافة إلى قوة 444 بقيادة محمود حمزة، وقوة 777 بقيادة هيثم التاجوري، فيما قوات عسكرية أخرى تتواجد على تخوم طرابلس من بينها قوة "رحبة الدروع" بقيادة بشير خلف الله،و قوة مشتركة جنزورة.
هذه القوات تعد من أكبر القوات العسكرية التي تتواجد في طرابلس وهي التي صدت هجوم 44 الذي شنه حفتر في العام 2019، هذه القوات تتماهى مع الوضع السياسي الحالي في ليبيا، وضع اللاسلم واللاحرب؛ إذ لا تحمل موقفاً سياسياً واضحاً ولا تتبنى وجهة نظر على حساب الأخرى فهي لا تدعم باشاغا ولا الدبيبة، وينتظر أن تحسم أمرها بعد حسم قوات مصراتة.
مصراتة:
تسيطر على مصراتة قوة "مكافحة الإرهاب" بقيادة مختار الجحاوي، وقوة 166 بقيادة محمد الحصان، و لواء الحلبوص ولواء المحجوب، ولواء المرسى.
ومصراته أمرها يخالف ما في طرابلس والزاوية، فقوات مصراتة مترابطة جداً، يجمعها موقف عسكري وسياسي موحد فلم يحدث أن انقسمت على نفسها من قبل طيلة الـ 11 عاماً المنصرمة، هذه القوات لا تزال تجري محاولات حثيثة في التواصل مع طرفي النزاع، عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا لحسم موقفها وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة، وفي حال ما ققررت الفصائل موقفاً أو اتخذت طرفاً لدعمه فبذلك تكون قد حسمت مصير منطقة مصراتة بأكملها في مسار الأزمة، ومن خلفها تنضم طرابلس.
ويرى مراقبون أن قوات مصراتة تميل إلى ناحية باشاغا فبسياسة النفس الطويل التي اتبعها الرجل أنها رجحت كفته على كفة نظيره الدببية خاصة بعد التقارير التي صدرت باتهامات فساد واضحة وشبهات طالت حكومته.
الزاوية "غرب طرابلس"
تسيطر على منطقة الزاوية وضواحيها قوتين رئيسيتين، وهما أكبر قوتين هناك، قوة المباحث الجنائية بقيادة محمد بحرون والتابعة لرئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة وبالتالي تدعمه، وقوة دعم الاستقرار المتحالفة مع الكتيبة 155 بقيادة معمر الضاوي وحسن بوزريبة وهما الداعمان لباشاغا، وقوات الزاوية متكافئتان عسكرياً.
الدبيبة متمسك بالشرعية
ولا تزال المعركة بين الأطراف السياسية لم تحسم حتى الآن رغم كل محاولات الدول الخارجية في احتواء الوضع، إذ لا توجد مؤشرات على نهاية الانسداد السياسي ولا سيناريو العنف المسلح في ظل تمسك كل طرف بـ"الشرعية"، فباشاغا يرى أنه كلف من البرلمان وشكل حكومة نالت الثقة من الهيئة التشريعية الوحيدة في البلاد والدبيبة يبدو مقتنعاً أنه يمارس الشرعية بمنطق أن حكومته تشكلت من أجل قيادة مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات ديمقراطية رئاسية وتشريعية وهو ما لم يحدث خاصة بعد تأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى أجل غير مسمى.
ويستند الدبيبة في تمسكه باستمرار حكومته إلى أن ملتقى الحوار السياسي حدد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهرا تمتد حتى 24 يونيو/حزيران القادم.
وجراء خلافات بين المؤسسات الرسمية الليبية بشأن قانوني الانتخاب، ودور القضاء في العملية الانتخابية، تعذر إجراء انتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضمن خطة ترعاها الأمم المتحدة.
وحتى الآن لم يتحدد تاريخ لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تساهم في إنهاء نزاع مسلح عانى منه بلدهم الغني بالنفط لسنوات.
وسبق لقوات وجماعات مسلحة لباشاغا الذي كان وزيراً للداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج، أن احتشدت في محيط العاصمة بينما تدفقت جماعات مسلحة موالية للدبيبة على طرابلس وانتشرت في عدة أحياء رئيسية.
لكن رئيس الحكومة الجديدة تراجع عن خطوة دخول العاصمة تفادياً لاشتباكات مسلحة وأيضاً استجابة لدعوات دولية بتجنب الصدام.