لجأت السلطات الجزائرية إلى إطلاق "أسواق رحمة" في معظم ولايات البلاد، لمواجهة ندرة وغلاء أسعار مواد استهلاكية أساسية تزامناً مع حلول شهر رمضان.
إذ أعلنت قبل أسابيع وزارة التجارة الجزائرية فتح أكثر من 1000 سوق عبر 58 ولاية في إطار ما يسمى أسواق الرحمة، ستعرض مختلف المنتجات للبيع بأسعار موحدة ومنخفضة مقارنة بباقي المحلات التجارية.
ويهدف الإجراء، حسب وزارة التجارة، إلى توفير السلع والمنتجات عبر هذه الأسواق والحد من نشاط المضاربين الذي عادة ما يتسبب فعلهم في الندرة والغلاء، وحسب الوزارة فإن تموين هذه الأسواق بالسلع والمنتجات ومختلف البضائع سيكون مباشرة من المنتجين والفلاحين دون المرور عبر وسطاء.
ندرة وطوابير
ويأتي هذا التحرك في وقت تعيش فيه الجزائر منذ أشهر على وقع أزمة ندرة مست بعض المنتجات الواسعة الاستهلاك على غرار الزيوت الغذائية والسميد (طحين القمح الصلب) والحليب.
وعجت المنصات الاجتماعية كما وسائل الإعلام المحلية بصور وفيديوهات تظهر طوابير لمواطنين طلباً لهذه المنتجات في عديد من المحافظات، بينما أظهرت أخرى خلو المحلات وخاصة المساحات الكبرى بالمراكز التجارية من مواد أساسية خصوصاً الحليب والزيت والطحين.
وأفاد وزير التجارة كمال رزيق، في تصريحات له بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، قبيل حلول شهر رمضان، بأن إنتاج البلاد من الزيوت الغذائية يكفي لعدة أشهر، وحسب رزيق فإن ظاهرة تكديس المنتجات من طرف العائلات أدت إلى تسجيل ندرة في الزيوت الغذائية وبعض المنتجات.
من جهتها أكدت وزارة الفلاحة أن مخزون البلاد من الحبوب وخصوصاً القمح الصلب واللين يكفي حتى نهاية العام الجاري، دون احتساب كميات القمح المتوقعة في حملة الحصاد والدرس التي تنطلق مايو/أيار القادم.
غلاء مستمر منذ 2020
وإضافة للندرة فإن الجزائر تعيش على وقع غلاء وصفه متابعون بأنه فاحش وغير مسبوق، استمر منذ الموجة الأولى لكورونا في مارس/آذار 2020، وسط تحذيرات لجمعيات حماية المستهلك من آثار الغلاء المدمرة على القدرة الشرائية للمواطنين.
وطال الغلاء السلع والمنتجات الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، على غرار الألبان ومشتقاتها والعجائن والطحين والزيوت الغذائية واللحوم البيضاء والحمراء والسمك والبن والسكر، إضافة للخضر والفواكه على اختلافها.
وبرر اتحاد التجار الجزائريين في بيان سابق (مستقل) هذا الغلاء بنقص العرض مقارنة بالطلب بسبب نقص وتأخر وصول بعض المواد الأولية المستوردة من الخارج.
ومطلع فبراير/شباط الماضي، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلغاء ضرائب ورسوم وتجميد أخرى، وردت في قانون الموازنة العامة 2022، وسببت ارتفاعاً حاداً في أسعار مختلف السلع والمنتجات، خصوصاً الغذائية والأجهزة الإلكترونية، وحسب تبون فقد تم تجميد كل الضرائب والرسوم حتى إشعار آخر، لا سيما الرسوم التي تضمنها قانون المالية 2022 على بعض المواد الغذائية.
خطوة مستحسنة بشروط
رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة) مصطفى زبدي قال إن فتح ما يعرف بـ"أسواق الرحمة" التي صارت عادة ترافق حلول رمضان، خطوة مستحسنة شرط أن يتم تموينها وفق المعايير المطلوبة.
وأشار مصطفى زبدي إلى أن الجزائر تعاني عجزاً كبيراً في الأسواق الجوارية (التجزئة)، موضحاً أن العاصمة مثلاً بها بلديات تفتقد لسوق جواري واحد رغم تعداد سكانها الكبير، وهذا وليد تراكمات سنوات سابقة بحسبه.
كما لفت إلى أن إطلاق أسواق جوارية بحلول رمضان يقرب المنتجات الواسعة الاستهلاك من المواطن، ويجعل هناك منافسة وانخفاض في الأسعار خاصة إذا كانت هذه الأسواق تمون بصفة مباشرة من مصانع وفلاحين، وختم بالقول: "هذه الخطوة مستحسنة وجيدة وتعود بالفائدة على المواطن إذا كانت الأسواق مسيرة وممونة وفق المعايير المطلوبة".
ثلاثة أهداف وملاحظتان
أما رئيس الجمعية الجزائرية للتجارة والحرفيين الطاهر بولنوار، فذكر أن هذه الأسواق لها ثلاثة أهداف رئيسية، وشرح الطاهر بولنوار أن الهدف الأول يتمثل في تغطية العجز المسجل في عدد الأسواق الجوارية بالجزائر.
أما الهدف الثاني فهو ضمان وفرة مختلف المنتجات وخصوصاً المواد ذات الاستهلاك الواسع، فيما يتمثل الهدف الثالث في ضمان استقرار الأسعار في ظل غلاء العديد من المنتجات.
وأبدى بولنوار ملاحظتين بخصوص الأسواق الجوارية أو ما يعرف بـ "أسواق الرحمة"، الأولى حسبه تتمثل في أن عديد البلدات لم تتمكن من تحديد مواقع فتح الأسواق، ما دفع بمصنعين وفلاحين إلى العزوف عن المشاركة، أما الملاحظة الثانية فهي أن عدة مصنعين لم ينخرطوا في هذه الأسواق، لذلك تجد بعض المنتجات مفقودة في عدد من الأسواق.
فيما أفاد التاجر عبد الحميد بوروبة، ممثل شركة المالكي لتجارة المواد المنتجات المجمدة بسوق الرحمة المسمى "رمضان في قصر"، المتواجد بقصر المعارض بالعاصمة، بأن شركته تعرض منتجات للبيع بأسعار ملائمة.
وأضاف المتحدث أن الشركة تسجل أول حضور في هذا النوع من الأسواق، موجهاً نداءه للمواطنين للتوجه إلى هذه الأسواق؛ نظراً لما توفره من منتجات وبأسعار مناسبة.
أما زائر سوق "رمضان في قصر" سلمان حجام، فأكد أن الأسعار ارتفعت بنسبة كبيرة في البلاد، ولم يقتصر الغلاء على سلعة واحدة بل كان شاملاً، وذكر سمان حجام أن المواطن الجزائري واجه صعوبات كبيرة مع حلول شهر رمضان الكريم، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار.
وبسوق الرحمة لبلدية سيدي أمحمد بوسط العاصمة، أفادت المواطنة نادية براهيتي بأن أسواق الرحمة تساعد كثيراً المواطنين الجزائريين، ومن السهل الحصول على مختلف المنتجات، عكس أسواق أخرى حيث لا يمكن العثور على كافة السلع.