لقد كان يستغل الأغنياء والفقراء معاً في وقت واحد، يتحدث مهدي بـ(اسم مستعار) عن الطبيب الحسن التازي أشهر طبيب تجميل في المغرب، جرى اعتقاله بتهم جنائية أخطرها الاتجار في البشر والنصب والاحتيال.
"مهدي" أحد المحسنين الذين قدموا شكاية ضد الطبيب، قال لـ"عربي بوست"، والأسف يعلو صوته، "لقد تقدمت بشكاية قبل أشهر قليلة من الآن ضد الدكتور التازي، والسبب أنني وقعت ضحية لهذا الطبيب".
وحكى مهدي الواقعة: "من خلال عدد من المحسنين كنا نتواصل مع الطبيب دعماً لعمله الخيري، وحدث في مرة أن أطلعنا على حالة مريض يحتاج إلى جراحة عاجلة وضرورية، وزودنا بصور الشخص المعني والملف الطبي كاملاً، وهذا ما دفعنا إلى تحمل كامل أعباء العملية الجراحية".
وتابع متأففا: "بعدها بحوالي السنة تشاء الأقدار أن ألتقي ذاك المريض في مناسبة عائلية، كانت الندوب على وجهه مثيرة جداً، واقترح عليه بعض الجلوس الذهاب إلى الطبيب التازي باعتباره محسناً يساعد أمثال حالاته".
غير أنه فجَّر في وجوهنا القنبلة، يقول مهدي، لقد كشف أنه ذهب عند الطبيب، الذي أخذ ملفه الطبي وعرضه على المحسنين، لكنه في المقابل طلب منه دفع مبلغ العملية الجراحية، والتي كانت تبلغ حسبه 7 ملايين (حوالي 7 آلاف دولار).
وسجل مهدي، أن هذا الخبر كان مربكاً، فمن جهة يستحيل أن طبيباً مشهوراً بالإحسان يقوم بمثل هذا العمل، ومن جهة ثانية ما الفائدة التي يربحها هذا الشخص دون أسباب.
وواصل: حديث الشخص زعزع ثقتي في الطبيب، وهو ما دفعني إلى التحقق من وجه الشخص، والحصول على اسمه، وهذا ما تم، وبعدها طلبت من بعض الأصدقاء الحصول على الملف الطبي.
كانت مفاجأة مؤلمة لنا جميعاً، فالشخص الذي اتهم الطبيب، هو نفسه الذي دفعنا مبلغ عمليته بشكل قبلي للدكتور ومصحته.. لقد كانت ساعات ثقيلة على القلب، لقد خدعنا الطبيب.
مسار التحقيق
تقول مصادر مقربة من التحقيق، أن مصالح النيابة العامة تتوصل منذ حوالي سنة بشكايات تتهم الطبيب والمستشفى الخاص بالنصب على المحسنين الأغنياء وعلى المرضى الفقراء في نفس الملفات.
وتابعت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ"عربي بوست"، أن هذا الشكايات تحولت إلى كرة ثلج كبيرة، دفعت النيابة العامة إلى أمر عناصر الضابطة القضائية بفتح تحقيق في الملف، أثمر متابعة ثمانية أشخاص.
من جهته كشف مهدي أنه نجح في التواصل مع الشخص المريض، وجمع المحسنين الذين سبق لهم المساهمة في العملية الجراحية، الذين تواصلوا مع الطبيب والمصحة التي كان مقرراً أن تجري فيها الجراحة لمعرفة تفاصيل العملية.
وأكد مهدي أن تعامل الطبيب وإدارة المصحة كان مريباً، لقد تعرضنا لعملية "تجاهل" منظمة، إذ لم نصل إلى معرفة أي شيء عن العملية الجراحية التي دفعنا مسبقاً ثمنها.
ومضى مهدي يقول: لقد تبين لنا أن أي لقاء مع الطبيب أو إدارة المستشفى سيكون بلا فائدة، لهذا قررنا الذهاب إلى النيابة العامة، حيث فوجئنا بأننا لسنا وحدنا ضحايا طبيب الفقراء.
صك الاتهام
يقول ملتمس النيابة العامة، الذي يتوفر "عربي بوست" على نسخة منه، إن الطبيب الحسن التازي متابع في حالة اعتقال منذ الإثنين 4 أبريل/نيسان الجاري رفقة أربعة أشخاص آخرين ضمنهم زوجته وأخوه، في السجن المحلي بالدار البيضاء.
ووفق صك الاتهام، فإن النيابة العامة قررت متابعة هؤلاء بجناية الاتجار بالبشر، عن طريق استدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وحاجتهم وهشاشتهم لغرض الاستغلال في القيام بأعمال إجرامية بواسطة عصابة إجرامية، عن طريق التعدد والاعتياد، وارتكابها ضد قاصرين دون سن 18 سنة ممن يعانون من المرض.
ويواجه طبيب الفقراء عقوبة في حالة ثبوت جناية الاتجار بالبشر وحدها تتراوح بين 5 سنوات و20 سنة، طبقاً لأحكام الفصلين 448 ـ و448 ـ 3.
وتابع ملتمس النيابة العامة المتهمين بجنح المشاركة في النصب والتزوير في محررات تجارية واستعمالها في صنع شواهد تتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها، والمشاركة في ارتكاب مقدم الخدمات الطبية غشاً أو تصريحاً كاذباً وفي الزيادة غير المشروعة في الأسعار وفي استغلال ضعف المستهلك وجهله.
وأضاف ملتمس النيابة العامة أن جنحة المشاركة في تسجيل وتوزيع صور أشخاص دون موافقتهم، وهي الأفعال الإجرامية المنصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون الجنائي، ومدونة التغطية الصحية الأساسية، والقانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب، والقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
ويتابع في هذه النازلة كل من الطبيب الحسن التازي، والممرضة الرئيسية بالمصحة "أمينة. ف"، و"عبد الرزاق. ت"، مسؤول إداري بالمصحة وشقيق الطبيب، و"زينب. ب"، وسيطة، و"مونية. ب"، زوجة الطبيب المسؤولة المالية بالمصحة المتهمة بالتلاعب بالفواتير.
كما قررت النيابة العامة متابعة المستخدمات في المصحة "فاطنة. ك"، و"فاطمة. ح"، و"سعيدة. ع"، في حالة سراح.
حسن التازي والتواصل الاجتماعي
"طبيب الفقراء" لم يستسلم للتهم الموجهة إليه، حيث واصلت الصفحة الرسمية للطبية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك نشاطها، من خلال نشر الأعمال التي يقوم بها الطبيب.
ففي أول تفاعل مع خبر الاعتقال، نشرت الصفحة الآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" صدق الله العظيم.
ثم صورة كتب عليها: "اسمعو مني ولا تسمعوا عني فالإشاعة يؤلفها حاقد وينشر الأحمق ويصدقها غبي".
استغرب مهدي تعليق صفحة "طبيب الفقراء" على الاعتقال والتهم، وقال متحسراً: "الله يهدينا ويثبتنا، نسأل الله السلامة والله يهدي ما خلقه".
صدمة جمهور الشبكات الاجتماعية كانت بدورها كبيرة، فالفضيحة الشنيعة التي لم يكن يتصور حدوثها حتى أشد المشككين في ما يقوم به "طبيب الفقراء" من أعمال في إعادة البسمة لأفواه الفقراء ضحايا حوادث السير والاعتداءات الإجرامية.