حالة من التكتم والغموض تكتنف قرار الحكومة المصرية الأخير ببيع حصصها في 3 شركات، منها شركة أبوقير للأسمدة لشركة أبوظبي التنموية القابضة التابعة لحكومة أبوظبي قبل أيام.
فأبوقير للأسمدة واحدة من أكثر شركات قطاع الأعمال العام نجاحا في مصر في العامين الأخيرين، كما أن أسهمها من أنشط الأسهم في البورصة المصرية خلال شهر مارس/آذار الماضي وتحديداً في المركز الثاني خلف سهم البنك التجاري الدولي بحسب تقرير البورصة المصرية عن الشهر الماضي.
كانت وكالة بلومبرج الإخبارية الاقتصادية قد نشرت قبل أيام، نقلاً عن مصدر مصري لم تسمه، أن صفقة مصرية إماراتية، لشراء حصص في شركات تتضمن شركة أبوقير للأسمدة، ومصر لإنتاج الأسمدة موبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات.
لكن مصدراً في وزارة قطاع الأعمال العام قال في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" إن الوزارة ليس لديها علم بأي تفاصيل إضافية وإن كل ما تم إبلاغهم به أن الدولة قررت بيع حصص في الشركات الثلاث لشركة إماراتية، دون اطلاعهم على التفاصيل المتعلقة بالصفقة، حول موعد تنفيذها وتكلفتها والنسبة التي ستباع للإمارات، وشكل الإدارة في الشركة بعد تنفيذ الصفقة وهل سوف تنتقل الإدارة إلى الجانب الإماراتي أم تكون بالشراكة مع الحكومة المصرية.
وأضاف المصدر أن ما نما إلى علم الوزارة بشكل رسمي حتى الآن أن الجانب الإماراتي هو من حدد الشركات المطلوب شراء حصص فيها أو شرائها بالكامل، وبحسب علمه فإن هناك بعض الممانعة من الجانب المصري في بيع نسب كبيرة من حصص تلك الشركات لخطورة ذلك على الاقتصاد المصري نفسه في المستقبل.
قررت الإمارات مؤخراً عدم منح الحكومة المصرية تسهيلات من دون مقابل لأصول في شركات تختارها هي بعناية، في قطاعات الصناعات الكيماوية والصحة.
لجنة خبراء تحذر وزير قطاع الأعمال
كشف المسؤول عن مفاجأة بقوله إن لجنة مكونة من خبراء من الوزارة رفعوا تقريراً للوزير هشام توفيق يحذرون فيه من بيع شركات الأسمدة (تنوي أبوظبي شراء شركة أبوقير التي تعد الأكبر في مجال الأسمدة وكذلك شركة مصر لإنتاج الأسمدة) لما يحمله البيع من تأثيرات محتملة سيئة على قدرات مصر الزراعية، خصوصا أن شركة أبوقير وحدها تقوم بتسليم 55% من إنتاجها السنوي الذي بلغ في نهاية عام 2021 نحو 2.250 مليون طن، للجمعيات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة بالأسعار التي تحددها الدولة (الأسعار المدعومة) فضلًا عن بيع 10% من إنتاج الشركة للسوق المحلي بالأسعار الحرة والباقي للتصدير، وهي نفس النسب التي تتبعها باقي شركات الأسمدة المصرية بموجب قرار مجلس الوزراء.
وأضاف المسؤول أن تقرير لجنة الخبراء تضمن الإشارة إلى أن بيع حصة من شركتي الأسمدة يضر بخطط الحكومة المصرية التي تم الإعلان عنها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بأن يكون تصدير الأسمدة القاطرة التي تدفع بالصادرات المصرية إلى الأمام في ظل خطة تستهدف رفع صادرات الأسمدة المصرية إلى 6 مليارات دولار خلال عامين بدلاً من ملياري دولار حالياً، رغم التزام أغلب الشركات المحلية بتوريد 55% من إنتاجها للجمعيات الزراعية التزاماً بقرار مجلس الوزراء للحفاظ على الإنتاج الزراعي المصري.
وتبلغ حصة الحكومة في شركة أبوقير للأسمدة أكثر من 70% (تتركز أكبرها لدى بنك الاستثمار القومي والهيئة العامة للبترول) وباعت 10% من أسهمها في البورصة في ديسمبر/كانون الأول الماضي مقابل 2.2 مليار جنيه، كما باعت 1.9 مليون سهم بقيمة إجمالية قدرها 40.9 مليون جنيه تقريباً لاتحاد العاملين في الشركة في فبراير/شباط الماضي لترتفع حصة اتحاد العاملين من أسهم الشركة إلى 5% بدلاً من 4.87% كما كانت من قبل.
التصريحات متضاربة!
ورغم تأكيد عماد الدين مصطفى، رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، أن المفاوضات الدائرة بين مصر والإمارات حول شركة "أبوقير للأسمدة" تتضمن حصول شركة "أبوظبي التنموية القابضة" على نسبة لا تزيد على 10% من رأسمال الشركة فقط وأن الشركة الإماراتية ستحل مكان بنك الاستثمار القومي.
لكن باحثاً في مركز حكومي للدراسات الاقتصادية وصف تلك التصريحات في اتصال مع "عربي بوست" بالمتضاربة، خصوصاً أن المسؤول عاد ليؤكد في تصريحه الإعلامي أن البنك سيبيع 10% فقط من حصته البالغة 21 % في ملكية "أبوقير للأسمدة" لصالح الشركة الإماراتية.
ما يعني أن المسؤول نفسه لا يملك تفاصيل عن عملية البيع، وهذا هو الأغلب لأن أحداً في الدولة لا يعرف الكثير عن الصفقة التي تم الاتفاق عليها- بحسب الباحث- في اجتماع بين السيسي ومحمد بن زايد عقب انتهاء القمة الثلاثية التي أقيمت في شرم الشيخ نهاية شهر مارس/آذار الماضي بحضورهما معاً إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
كانت صفقة البيع فيما يبدو جزءاً من حزمة الدعم المالي الإماراتي لمصر الذي بلغ في دفعته الأولى ملياري دولار مقابل شراء حصص في البنك التجاري الدولي وشركة فوري للمدفوعات الإلكترونية، لكن تم الاتفاق على بيع حصص أخرى في شركات معينة حددها الجانب الإماراتي مقابل ضخ المزيد من الأموال للحكومة المصرية لعلاج النقص المخيف في العملات الأجنبية.
ويبقى السؤال الأبرز: هل ستلتزم الشركة بعد بيع حصة منها إلى الإمارات بقرارات مجلس الوزراء بتسليم الجمعيات الزراعية 55% من إنتاجها السنوي الكامل بالأسعار المدعومة؟! أظن أن ذلك سيكون أمراً مستبعداً في ظل أن استحواذ الإمارات على حصة من الشركة يعني بالضرورة رغبتها في تطوير أعمالها وزيادة أرباحها وهو أمر يمكن أن يتحقق ببساطة عبر رفع معدلات تصدير إنتاج الشركة من الأسمدة للأسواق الخارجية للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية والتي بلغت مؤخراً نحو 1000 دولار للطن.
بيع أبوقير للأسمدة بدأ منذ فترة
عضو سابق بمجلس إدارة شركة أبوقير للأسمدة لم يستبعد في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" نظرية المؤامرة في مسألة بيع حصة من الشركة للشركة القابضة الإماراتية، مضيفاً أن الموضوع لم يكن وليد الصدفة، ولا الحاجة لسيولة من العملات الأجنبية كما قيل، لأن هناك خطوات تمت على الأرض تثبت أن الحكومة كانت تملك نية سيئة بخصوص البيع.
ويشرح العضو السابق فكرته فيقول إن المسألة بدأت بطرح 10% من أسهم الشركة في البورصة في ديسمبر/كانون الأول الماضي مقابل نحو 2.2 مليار جنيه (120 مليون دولار)، وما قيل وقتها أن عملية الطرح تلك كان هدفها توفير سيولة مالية للحكومة التي مثلت النسبة المباعة من الأسهم جزءاً من حصتها في ملكية الشركة، على وعد بأن يكون هذا الطرح هو الأخير خصوصاً أن الشركة كانت تحقق معدلات ربح عالية جداً رغم التزامها بتسليم نصف إنتاجها تقريباً للجمعيات الزراعية بالأسعار المدعومة.
قبل ذلك كانت الخطوة الأولى التي تمت عن طريق وزير قطاع الأعمال العام حين أقدم على "تطفيش" أنجح رئيس مجلس إدارة للشركة في العقدين الماضيين، وهو الكيميائى سعد أبو المعاطي، الذي نجح في قيادة الشركة لتحقيق صافي ربح وصل إلى 3.5 مليار جنيه في نهاية العام المالي 2020/2021 بعد الضريبة، مقارنة بـ 2.7 مليار جنيه خلال العام المالي السابق وبنسبة نمو 30.5%، كما واصلت الشركة نجاحها حيث حققت خلال النصف الأول من العام المالي الجاري أرباحاً بلغت 3.2 مليار جنيه.
ورغم تلك النجاحات فوجئ مجلس ادارة الشركة في مارس/آذار من العام الماضي بأن الوزير قام بتعيين مسؤول على المعاش في الهيئة المصرية العامة للبترول عضواً منتدباً بالشركة دون علم رئيس مجلس الإدارة، ما دفع الأخير للاستقالة وأصر عليها رغم مناشدة أعضاء مجلس الإدارة مجتمعين له بالتريث، حيث اعتبر الرجل أن تعيين المهندس عابد عز الرجال تمهيد لتوليه رئاسة الشركة، الأمر الذى دفعه لتقديم استقالته من أجل الخروج بشكل لائق.
وتساءل العضو في انفعال واضح عن الأسباب التي تدفع الحكومة إلى بيع أسهم شركة ناجحة تحقق مليارات الجنيهات وتدر على الدولة عوائد ضخمة من العملة الصعبة رغم كل المعوقات التي وضعت في طريق مجلس الإدارة ورئيسه السابق ومنها بيع أكثر من نصف إنتاج الشركة كاملاً للجمعيات الزراعية بأسعار تقل بنسبة تصل إلى 500% عن الأسعار العالمية.
وإذا كانت نية البيع معقودة لدى الحكومة أو كبار المسؤولين في الدولة فلماذا تم الانتظار حتى أعلنت الشركة في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي عن إطلاق مشروعها "الحلم" المتمثل في مجمع "العالمية للميثانول" باستثمارات تبلغ 2.6 مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة شرقي القاهرة، ويقام المشروع على مرحلتين، الأولى تستغرق 3 سنوات تنتهي في 2025 بتكلفة استثمارية حوالي 1.6 مليار دولار، وبطاقة إنتاجية مليون طن ميثانول و400 ألف طن أمونيا سنوياً، والمرحلة الثانية تُقدّر تكلفتها الاستثمارية بحوالي مليار دولار وتنفذ على مدى 3 سنوات أيضاً.
ويتكون هيكل مؤسسي المشروع من شركة أبوقير للأسمدة وشركة حلوان للأسمدة وشركة الأهلي كابيتال إحدى الشركات المتخصصة في الاستشارات المالية، وسيكون أكبر مجمع صناعي متكامل لإنتاج الميثانول والأمونيا ومشتقاته بالمنطقة الصناعية في العين السخنة.
ويختم العضو كلامه قائلاً بأن الحكومة المصرية رأت أن تبيع للإمارات الشركة ومشروعها الطموح وأحلامها "على الجاهز" دون مراعاة لأن ذلك المشروع وحده يمكن أن يكون الدجاجة التي تبيض ذهباً من العملات الأجنبية للدولة المصرية لعشرات السنين في المستقبل بدلاً من انتظار معونة من دولة شقيقة أو الرضوخ لضغوط ببيع أصول الدولة المصرية لفك ضيقتها المادية كما يحدث الآن.
جدير بالذكر أن شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية (أبوقير للأسمدة)، تأسست كشركة مساهمة مصرية في جمهورية مصر العربية، في 20 يوليو/تموز عام 1976م. وتم إدراج أسهم الشركة في البورصة المصرية في 12 سبتمبر/أيلول عام 1994م، ويبلغ رأس المال السوقي للشركة 25.376.320.729 (مليار) جنيه مصري، ويتمثل النشاط الأساسي للشركة في إنتاج وتسويق الأسمدة الآزوتية والمخلوطة والسائلة بكافة أنواعها وذلك لتلبية احتياجات السوق المصري وتصدير الفائض إلى الأسواق الإفريقية.