حذَّر صندوق النقد الدولي من أنَّ الخسائر في الأرواح والممتلكات المرتبطة بالمناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ستزداد سوءاً إذا فشلت المنطقة في التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة والظواهر الجوية القاسية، وفق ما ذكره موقع Bloomberg الأمريكي.
وفقاً للتقرير الذي صدر الأربعاء 30 مارس/آذار 2022: "تسببت الكوارث المناخية في مقتل أكثر من 2600 شخص، وتضرر 7 ملايين آخرين، وخلّفت أضراراً مادية مباشرة بلغت ملياري دولار في أي عام منذ عام 2000".
كما أشار الموقع الأمريكي إلى أنه على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في جميع أنحاء المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية؛ وهو ما يمثل ضعف الزيادة العالمية البالغة 0.7 درجة مئوية. وقال صندوق النقد الدولي إنَّ هذا له تأثير مدمر، تحديداً في الدول الحارة بالفعل.
كما ذكر التقرير أنَّ النمو الاقتصادي في 5 من أكثر البلدان حرارة -البحرين وجيبوتي وموريتانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة- من المتوقع أن يعاني نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
إذ تؤدي زيادة درجات الحرارة بدرجة مئوية واحدة في تلك البلدان إلى انخفاض فوري في نصيب الفرد من النمو الاقتصادي بنحو نقطتين مئويتين.
أوضاع غير مستقرة في الشرق الأوسط
لكن ذلك ليس الشيء الوحيد الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط، إذ نشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية تحليلاً أعدته مها يحيى، مديرة مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، بعنوان "الشرق الأوسط على الحافة من جديد".
رصد التحليل الأوضاع في المنطقة بعد ما يزيد على عقد من الربيع العربي، الذي أطاح بالعديد من النظم السلطوية في الشرق الأوسط، وأدخل أخرى في فوضى، وكيف بدأ نظامٌ سلطوي جديد يتشكل في المنطقة.
فمصر وتونس، أول بلدين يُخلِّصان نفسيهما من الديكتاتوريين طويلي الأمد عام 2011، واجهتا انقلابَين أعاداهما إلى السلطوية. وشهد السودان، الذي كان قد انتظر حتى 2018 كي تنجح ثورته، هو الآخر عملية انتقاله الديمقراطي، التي كانت واعدة سابقاً، تخرج عن مسارها نتيجة انقلاب.
في الوقت نفسه، وسَّعت إيران مجال نفوذها بأرجاء الشرق الأوسط، لاسيما في العراق ولبنان واليمن، في حين زادت الصين وروسيا نفوذهما بالمنطقة، وبفضل هذه الاتجاهات جزئياً تجري بهدوءٍ إعادة نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا إلى الحظيرة العربية.
يمثل هذا في جزءٍ منه رد فعل سلطوياً، إذ قمعت النظم السلطوية التي نجت من الموجة الأولى من الربيع العربي، والتي شعرت بالقلق من المشاهد غير المسبوقة لخروج المواطنين إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، أولئك الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وقدَّمت عطايا لكسب أولئك الذين كانوا ينوون فعل ذلك.
أنظمة سلطوية دون إغراءات اقتصادية
كانت الوعود البحرينية بتوفير فرص العمل ورفع الأجور في مطلع 2011، وما تلا ذلك من اعتداء على المتظاهرين في المنامة -بمساعدة قوات من السعودية- أول مثال لهذا النهج.
أعقبت ذلك أعمال قمع أكثر وحشية بكثير، انتهت بصراعات أهلية في ليبيا وسوريا واليمن، ومزيج من القمع والاستيعاب في بلدان أخرى شهدت حركات احتجاجية صغيرة مثل الأردن والمغرب. وانتزع القادة السلطويون لاحقاً السلطة في مصر والسودان وتونس.
بعيداً عن الانتقام من النظام القديم، تُمثل العودة السلطوية البادية في أرجاء الشرق الأوسط قصة الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والتحولات الجيوسياسية التي سبَّبها ذلك.
فقد سعت آخر ثلاث إدارات أمريكية، خصوصاً آخر إدارتين، لتقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية بالشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تركيز واشنطن طويل الأمد على مكافحة الإرهاب.
أدَّى ذلك إلى تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وجعل الولايات المتحدة أكثر تساهلاً مع الشركاء السلطويين، ما داموا يدعمون أولوياتها الرئيسية. وفتحت أيضاً الباب أمام نشاط إقليمي أكبر من جانب الصين وروسيا والقوى الإقليمية مثل إيران والسعودية وتركيا ودول الخليج، وكلها تتصور أنَّ مصالحها الوطنية تمتد بعيداً خارج حدودها.
كانت النتيجة إعادة إحياء جزئية للنظام السلطوي القديم، فضلاً عن أنَّه بدون الصفقة السلطوية -أن يتقبَّل السكان على مضض، الرخاء الاقتصادي بديلاً عن الحرية السياسية- التي كانت توطده سابقاً.
إذ تقمع الحكومات المستبدة في أرجاء المنطقة حقوق الإنسان، وتعيد الديمقراطية إلى الوراء، لكن لا يمكنها تقديم شيء يُذكَر فيما يتعلَّق بفرص العمل أو الفرص الاقتصادية الأخرى في المقابل.