قالت صحيفة The Times البريطانية، الخميس 24 مارس/آذار 2022، إن الصين تتقدم لعقد صفقات جديدة مع موسكو من أجل شراء النفط والغاز الروسيين، في ظل العقوبات الغربية التي فرضت مؤخراً ضد روسيا على خليفة غزوها لأوكرانيا، فيما تحدثت تقارير عن أن مصافي النفط الصينية تشتري في الخفاء الخام الروسي الرخيص.
ففي الأيام التي أعقبت إعلان بكين دعمها الثابت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رأت مقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرق الصين فرصة للنمو بقوة مرة أخرى في حزام الصدأ المحروم في الصين.
من جهته، دعا شو تشين، رئيس الحزب الشيوعي الحاكم في الإقليم، إلى تكامل أكبر بين الصين وروسيا على الرغم من العملية العسكرية الروسية التي دخلت شهرها الثاني.
الانفتاح الشامل على روسيا
حيث نقلت صحيفة Heilongjiang Daily المحلية عن شو قوله: "علينا تعميق التعاون العملي في مجال الطاقة بين الصين وروسيا، وتسريع الانفتاح الشامل على روسيا وتقديم مساهمات جديدة لضمان أمن الطاقة الوطني وخدمة التنسيق الاستراتيجي بين الصين وروسيا".
فيما حث شو المسؤولين المحليين، خلال زيارته لمنشأة نقل غاز على الحدود، على "التكيف مع التغييرات الجديدة في التجارة بين الصين وروسيا"، قائلاً إنَّ المدينة يمكن أنَّ تصبح بوابة للشرق الأقصى وروسيا.
يُذكر أن الصين اتُهمِت سابقاً بنهب الموارد الطبيعية في جميع أنحاء العالم، من تلبية حاجتها النهمة إلى الطاقة، وغالباً ما تواجه معارضة ضد النفوذ الاقتصادي المتزايد لبكين.
أما الآن، مع ابتعاد الغرب عن النفط والغاز الروسيين، ربما وجدت بكين مصدر طاقة أقرب إلى بلادها.
أكبر مشترٍ للفحم الروسي
كانت الصين بالفعل أكبر مشترٍ للفحم الروسي؛ إذ بلغت مشترياتها 54 مليون طن العام الماضي. ومع ذلك، فإنَّ المقاطعات تأمل في زيادة الواردات. وروسيا الآن هي ثاني أكبر مصدر للفحم في الصين، بعد إندونيسيا، لكنها تقدمت على أستراليا بعد سلسلة من المواجهات الدبلوماسية مع كانبيرا.
كما أعرب العديد من مستوردي الفحم الصينيين عن اهتمامهم بالشراء من مصنعي ومصدري الفحم الروس، وذلك خلال مؤتمر عُقد عبر الإنترنت لجمعية نقل وتوزيع الفحم الصيني هذا الشهر.
بدورها، قالت شركة Jidian International Trade لتجارة السلع المملوكة للدولة ومقرها في مدينة تشانغتشون الشمالية الشرقية، لصحيفة The Financial Times إنها اشترت ما لا يقل عن 50000 طن من الفحم من روسيا منذ بدء العملية العسكرية.
في حين أضاف قال مسؤول من الشركة الصينية، لم يُذكَر اسمه: "الصين بحاجة إلى الفحم الروسي ليس لأننا نريد تقديم الدعم لبوتين. نفعل ذلك لأنه يساعد في حل مشكلاتنا الاقتصادية".
بحسب الخطة الخمسية الرابعة عشرة للفترة من 2021 إلى 2025، التي نُشِرَت قبل أيام، تمر الصين في "مرحلة حرجة" لضمان أمن الطاقة بعدما أصبحت المخاطر الجديدة والقديمة "متشابكة".
كذلك أكد لين بوكيانغ، عميد معهد الصين لدراسات سياسة الطاقة بجامعة شيامن، أنَّ السياسة الجديدة تشكّلت بعد العملية العسكرية في أوكرانيا"، مضيفاً: "لم يقتصر الأمر على الأزمة الروسية الأوكرانية، لكن أيضاً نقص الطاقة في العام الماضي، قد أيقظ الصين"، في إشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد العام الماضي عندما اضطرت عدة مدن إلى تقنين استخدام الكهرباء على أسعار الفحم المرتفعة.
من جانبه، لفت مسؤول لم يذكر اسمه من إدارة الطاقة الوطنية، في بيان صدر مع مخطط السنوات الخمس، إلى أنه يجب عليهم تعزيز قدرات الدعم الشامل لديهم من أبعاد متعددة مثل الأمن الاستراتيجي والأمن التشغيلي وأمن الطوارئ.
وذكر رين زيبينج، الاقتصادي الصيني الشهير، أنَّ الصين قد تواجه عقوبات من الولايات المتحدة وأوروبا إذا اشترت المزيد من الطاقة الروسية، لكنها قد تتعرض لضغط تضخمي أكبر إذا اختارت عدم فعل ذلك، متابعاً: "في ظل التغيرات الكبيرة في الطاقة العالمية، فإنَّ أمن إمدادات الطاقة في الصين يواجه قدراً أكبر من عدم اليقين".
"مفاوضات سرية"
في غضون ذلك، أكدت تقارير أن مصافي التكرير الحكومية في الصين تتفاوض مع البائعين الروس سراً، وذلك مع استمرار تدفق معروض البلاد إلى السوق. أيضاً تشتري مصافي التكرير المستقلة في الصين بتكتم.
يُشار إلى أن استهلاك الصين من الطاقة بلغ ما يعادل قرابة 5 مليارات طن من الفحم في عام 2020، وسط دعوات إلى إنتاج ما لا يقل عن 4.6 مليار طن من الفحم بحلول عام 2025، بما في ذلك 200 مليون طن من النفط الخام و230 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
تعد الصين بالنسبة لروسيا أكبر شريك اقتصادي، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين نحو 140 مليار دولار في 2021، ولقاء الرئيس الروسي بوتين، بنظيره الصيني شيجين بينغ، ببكين في 4 فبراير/شباط، كلل بتوقيع صفقات بقيمة 117 مليار دولار للشراء البترول والغاز.
إذ إن الصين تستورد أمرين أساسيين من روسيا، المحروقات (نفط وغاز) والسلاح، بينما تصدر لها كل شيء تقريباً، وهذا ما يجعل الاقتصاديين متكاملين، رغم أن الاقتصادي الصيني أكبر بكثير من نظيره الروسي.
فالناتج الداخلي الإجمالي لروسيا يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار، في حين أن الناتج الداخلي الإجمالي يبلغ 18 تريليون دولار.
بينما الاقتصاد الصيني الضخم يمثل المنقذ للاقتصاد الروسي بعد تشديد العقوبات الغربية، خاصة ما تعلق باستمرار تصدير النفط والغاز إلى السوق الصينية في حال أغلقت الأسواق الأوروبية والغربية أبوابها أمام صادرات الطاقة الروسية.