أشعل التحول المفاجئ في موقف مدريد تجاه ملف الصحراء أزمة دبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا لا يمكن التنبؤ بنهايتها، وكان سحب السفير الجزائري لدى المملكة للتشاور أول بداياتها.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، توفيق بوقعدة، أن تتوتر العلاقات أكثر بين مدريد والجزائر التي ستضغط -بحسبه- اقتصادياً، لا سيما في مجال الطاقة والتجارة لإرغام حكومة بيدرو سانشيز عن التراجع على قراره الأخير.
وقالت الخارجية الجزائرية إن قرار إسبانيا اعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المتعلق بالصحراء، مفاجئ ويعد انقلاباً على موقف إسبانيا التاريخي من الصراع في الصحراء.
الجزائر وإسبانيا.. لماذا هذا التحول؟ ؟
جاء التحول الإسباني مفاجئاً للعالم، فرئيس الحكومة الإسبانية بنفسه كان قبل أشهر فقط يشيد بتعيين ستيفان ديمستورا مبعوثاً أممياً لبعثة "المينورسو" الخاصة بحل ملف الصحراء.
كما كانت مدريد أول من رفض اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، كما أنها استقبلت زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، المطلوب لدى المغرب للعلاج على أراضيها من تداعيات فيروس كورونا المستجد.
استقبال زعيم البوليساريو كلَّف إسبانيا توتراً كبيراً مع جارتها المغرب، وصلت حد سحب السفيرة كريمة بنيعيش من مدريد والتي عادت أمس الأحد 20 مارس/آذار 2022 لمزاولة مهامها مجدداً بمناسبة موقف إسبانيا الجديد.
ويرى توفيق بوقعدة الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أن التحول الإسباني مرتبط بالتحويل الأمريكي الذي له تأثير كبير على الدول الغربية، وأن زيارة نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شارما إلى مدريد والرباط والجزائر الأسبوع الماضي، ربما لعبت دوراً مهماً في قرار سانشيز الجديد.
ويضيف المتحدث أن حالة الانسداد في ملف الصحراء على مستوى الأمم المتحدة وعدم وجود مبادرات أخرى عدا خياري الحكم الذاتي وتقرير المصير وتراجع الكتلة الأخيرة وعدم تجديد طروحاتها ودعمها للملف، جعل مدريد تقفز إلى الجانب الآخر لا سيما مع تزايد الضغوط المغربية بملف المهاجرين.
وتوقع المحلل السياسي ذاته أن تكون مدريد والرباط قد توصلتا على أرضية اتفاق بخصوص ضبط الحدود، ووقف تدفق المهاجرين مقابل دعم اقتراح الحكم الذاتي، بالإضافة إلى الدعم الدعم الإسرائيلي وضغوطاته في بعض العواصم الغربية من أجل دعم وجهة نظر المغرب في ملف الصحراء.
خيارات الجزائر
لا شك أن الجزائر التي تصدِّر أكثر من ثلث احتياجات إسبانيا من الغاز قادرة أن تضغط على مدريد بقوة، لاسيما في ظل الأزمة الطاقوية التي تعيشها أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وإلى وقت قريب كانت تطمح إسبانيا لزيادة تدفق الغاز من الجزائر في إطار السياسة الأوروبية التي تعمد للتخلي تدريجيا عن الغاز الروسي.
ووفق ما كشفه "عربي بوست" مؤخراً فقد رفضت الجزائر طلباً أمريكياً، بإعادة تشغيل الأنبوب المغاربي – الأوروبي المار عبر المغرب للمساعدة في التخلي عن الغاز الروسي.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقعدة فإن الجزائر تملك عدة خيارات للضغط على إسبانيا أبرزها ملف الطاقة والتجارة، ويُمكن الضغط بطرق غير معلنة وبتدرج لتفادي التصادم مع القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة مع مدريد خاصة فيما يتعلق بالغاز.
ويقول بوقعدة إن الجزائر لا تستطيع المساس بالعقود طويلة المدى لأن ذلك سيكلفها شروطاً جزائية ضخمة، لكن بإمكانها الضغط عبر العقود القصيرة والمتوسطة، وهو ما من شأنه التأثير على إسبانيا في ظل شح الغاز وارتفاع أسعاره العالمية.
وتصدر الجزائر قرابة 6 مليارات دولار سنوياً من الغاز والمعادن والأسمدة والزيوت إلى إسبانيا.
أزمة سياسية داخلية
تعيش الطبقة السياسة في مدريد على وقع تحول تاريخي في الدبلوماسية الإسبانية بخصوص ملف الصحراء، بحيث ظلت إسبانيا على مدار 46 سنة على الحياد وتتبنى قرارات الأمم المتحدة رغم ضغوط الجانبين الجزائري والمغربي.
وأصاب قرار رئيس الحكومة الجديد الائتلاف الحكومي بشرخ كبير، إذ عبرت وزيرة العمل في حكومته يولاندا دياز رفضها للقرار، مؤكدة أنه على إسبانيا مواصلة دعم جهود الأمم المتحدة.
فيما أكدت وزيرة الحقوق الاجتماعية إيون بيلارا على ضرورة عدم الانحياز لأي طرف من أجل مصالح إسبانيا وتبني مواقف الأمم المتحدة.
ودعا حزب "سيودادانوس" إلى مثول سانشيز أمام مجلس النواب لاستجوابه بسبب القرار، بينما انتقد رئيس حزب الشعب البيرتو نونيز فيجو سانشيز، معتبراً قراره ضربة موجعة لتوافق الآراء حول ملف الصحراء في إسبانيا التي تريد البقاء دائما على الحياد.