"هتتسحلوا كلكم .. اللي جاي جحيم.. لازم نقف نحافظ على مصر".. هكذا صرخت الإعلامية هالة فهمي من أمام مبنى ماسبيرو (التلفزيون الرسمي للدولة المصرية)، وواصلت المذيعة وهي من أبرز وأقدم مقدمي البرامج التليفزيونية بث فيديوهات عبر صفحتها، وتنقل أحداث الاعتصام داخل ماسبيرو ومحاولة أحد قيادات أمن الهيئة إغلاق البث ومضايقتها على الهواء.
لم يكن فيديو المذيعة فقط هو ما أثار التساؤلات عما يحدث داخل المبنى العريق، إذ تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر لسيدة تدعى صفاء الكوربيجي استنجدت فيه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، لإنقاذ العاملين من اعتداءات أمن المبنى الذي يستعين ببلطجية لضرب السيدات داخل المبنى، وتساءلت عن أسباب غياب الرئيس والدولة عما يحدث، مؤكدة أنهم مستمرون في المطالبة بحقوقهم، وأن ماسبيرو لن يباع للمخابرات ولا الشركة المتحدة (شركة تابعة لجهاز المخابرات تسيطر على معظم وسائل الإعلام وشركات الإنتاج الفني والإعلاني).
ويبدو أن أزمة حقيقية تُلقي بصداها على ماسبيرو، يمكن أن تجر معها تداعيات سياسية، فهي ليست كغيرها من المظاهرات الفئوية، ذلك أنها تعبّر عن قطاع بعيد كل البعد عن السياسة.
حاول فريق "عربي بوست" الوقوف على ما يحدث في المبنى، وأدى إلى تجمهر أعداد ليست قليلة، هؤلاء لا ينتمون إلى أي جماعات أو أحزاب معارضة ولا تيارات سياسية كما صوَّرهم رئيس الهيئة الوطنية للإعلام السيد حسين زين بتصريحه: "بينهم فئات مندسة أو عناصر غير شريفة تسعى إلى المتاجرة بمصلحة الوطن".
وردد أصحاب الوقفات عبارات سياسية في تطور هو الأخطر منذ سنوات ولا يمكن تجاهله أو التقليل منه.
ماذا يحدث داخل مبنى ماسبيرو؟
اعتقد المتابع لشرارة الاحتجاج التي اندلعت في مطلع العام الجاري أنها لن تستمر أكثر من ساعات وكانت تلك الاحتجاجات بسبب تطبيق الهيئة الوطنية للإعلام لنظام البصمة الذي يلزم العاملين الحضور يومياً لمقر عملهم في ماسبيرو، بصرف النظر عن ممارسة عمل حقيقي أم لا،
وساد السخط وجوه العاملين في أول يوم لتطبيق نظام توقيع الحضور ببصمة الوجه، إذ تكدس المئات على البوابات الإلكترونية واصطفت أعداد كبيرة احتجاجاً على الوضع.
ويبدو أن ذلك كان القشة حيث تطور الأمر إلى مظاهرات فئوية تطالب بمستحقات مالية متأخرة من سنوات، ثم تحول إلى مطالب مهنية وانضم إلى المتظاهرين زملاء لهم من المحليات وأصحاب المعاشات وتصاعدت الهتافات لإقالة حسين زين نفسه رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، الذي يتهمه المحتجون بالتسبب في تأخير هذه المستحقات بسبب سياسة الإنفاق على ما يسمى بـ"التطوير"، وخرجت الاحتجاجات من بهو ماسبيرو للعلن بعدما استخدم أبناؤه، وخاصة السيدات منهم وسيلة البث المباشر عبر صفحات الفيسبوك لنقل ما يحدث بالداخل.
وتشمل المستحقات المتأخرة كما تحدث أحد الموظفين بالمبنى لـ"عربي بوست" 24 علاوة متأخرة و54 حافزاً شهرياً تقدر بـ14 ألف جنيه كحد أدنى لكل فرد.
يشرح الموظف وهو أحد المشاركين بشكل مستمر في الاحتجاجات التي ظهرت في البهو الرئيسي لمبنى التلفزيون، أن مستقبل عشرات الآلاف في مهب الريح فأصحاب المعاشات الذين أفنوا عمرهم في الخدمة يستجدون مستحقاتهم من رصيد الإجازات ومكافأة نهاية الخدمة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 وحتى بداية 2022، وطرقوا كل الأبواب وأرسلوا مئات الشكاوى لجهات كثيرة لنجدتهم لكن لا حياة لمن تنادي متسائلاً: كيف تدفع ما عليك ولا تسترده عندما يحين الموعد؟! كيف تحول من تفانى في خدمة الوطن إلى ذليل يستجدى مستحقاته؟
يستكمل الموظف: وهي ذات المشكلة التي يعاني منها العاملون الحاليون بالهيئة الوطنية للإعلام من مذيعين وفنيين وإداريين، وقائمة طويلة من الموظفين، بسبب عدم صرف علاواتهم الدورية المقررة منذ عام 2017 وحتى الآن، ودائماً ما تكون المبررات جاهزة وهي أن الهيئة الوطنية للإعلام "مثقلة" بالديون.
تبلغ تلك الديون، طبقاً لبيان صادر عن الهيئة 42 ملياراً و600 مليون جنيه يخص مدينة الإنتاج الإعلامي التي يشرف عليها وزير الإعلام السابق أسامة هيكل 947 مليون جنيه و900 ألف وتمثل قرضاً قديماً يعود لعام 1981 من بنك الاستثمار القومي بلغت قيمته 9 مليارات و600 مليون جنيه وبلغت فوائد القرض غير المسدد 32.9 مليار جنيه حتى يناير 2021.
تلتقط إحدى المذيعات طرف الحديث من الموظف قائلة: إن مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي والمفترض أن عليها جزءاً من الديون المستحقة على ماسبيرو اتخذت قراراً بزيادة مستحقات بعض أعضاء مجلس الإدارة بما لا يقل عن 4000 جنيه للعضو، فلماذا لا تسدد ما عليها للهيئة أو يعاملوننا بالمثل؟
وتوضح المذيعة أن هناك زيادة في موازنة الهيئة الوطنية للإعلام للعام الحالي ۲۰۲۱-۲۰۲۲، تتضمن تخصيص مبلغ 189 مليوناً و730 ألف جنيه تحت مسمى (خامات ووقود وقطع غيار) بزيادة 4 ملايين و735 ألف جنيه عن موازنة العام الماضى، فأين تذهب تلك الأموال؟!
وتستكمل كلامها بغضب: "زملاؤنا يقومون بدهان مقر عملهم من أموالهم الخاصة ويصرفون على ضيوف البرامج من جيوبهم ويستأجرون لهم سيارات خاصة لنقلهم للمبنى وهناك فنيون اشتروا أدوات كهربائية لتحسين الإضاءة، وآخرون اشتروا كراسي وإنتريهات "عشان الصورة تطلع حلوة".
تشير المذيعة إلى أن الاعتراض ليس على النظام والحضور كما يدعي مسؤول فالبعض يعمل أيام متصلة لإنجاز مهام بأقل التكاليف التي يصرفها مثيله في القنوات الخاصة، لكننا نعترض على إذلال العاملين بفرض نظام البصمة، ولأننا نعلم جيداً أن الغرض من ذلك الخصم من مستحقاتنا والأخذ من جيوبنا لتغطية تكاليف نفقات رئيس الهيئة بعدما فشل في تدبير مكافآت المعاشات الواجب سدادها وغيرها من المستحقات.
طلب لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات
وفي إشارة توحي بعدم الثقة في الإدارة الراهنة طالب العاملين المحتجين فى بيان لهم بتشكيل لجنة من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية وجهاز الكسب غير المشروع لفحص التصرّفات والمستندات المالية والعقود التي تم إبرامها بين الهيئة الوطنية للإعلام والشركات الإعلامية والقنوات وشركات الخدمات والتحقق من بنود صرف الإيرادات المحققة.
وطالب آخرون بعودة وزارة الدولة للإعلام (مجمدة حالياً) بكامل صلاحياتها للإشراف على المجالس والهيئات الإعلامية وتعيين وزير كفء، مشددين على أهمية إلغاء كافة برامج التطوير المقدمة على شاشات التلفزيون والشبكات الإذاعية وعدم الاستعانة بإعلاميين من خارج الهيئة الوطنية للإعلام والاكتفاء بالعاملين تحت مظلتها، وإعادة تشغيل قطاع الإنتاج الدرامي وصوت القاهرة.
يقول أحد العاملين إن ما زاد من غضبهم أنهم تأكدوا من ضياع علاواتهم المتأخرة الخاصة بعام ٢٠١٥ و٢٠١٦ بشكل نهائي، مشيراً إلى أن قوانين الصندوق التأميني تسقط أي مستحقات مالية مرت عليها خمس سنوات وهذا يعني أنهم لن يحصلوا على علاواتهم المتأخرة.
وفي تصعيد جديد تقدم مجموعة من العاملين في ماسبيرو، في الثامن من مارس/آذار ببلاغ للنائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي، ضد حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ونائلة فاروق رئيس قطاع التليفزيون بصفتهما، وتضمن البلاغ اتهامات موجهة لهما بالإضرار بأموال الغير طبقاً للمادة ١١٦أ مكرر من قانون العقوبات.