لا يزال مواطنو أقلية الإيغور المسلمة المنفيون قسراً في دولة النرويج، الواقعة داخل الدائرة القطبية الشمالية، يواجهون خطر وصول السلطات الصينية إليهم، خاصة أن كثيراً منهم تلقوا تهديدات متكررة، بعضها وصل حد الوعيد بالقتل والتنكيل بأسرهم التي تتواجد داخل الصين، وذلك طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، الثلاثاء 15 مارس/آذار 2022.
في هذا الإطار، كان مميتورسون عمر، وهو مسلم من إيغور إقليم شينجيانغ شمال غربي الصين، قد سافر لأبعد مسافة استطاع أن يذهب إليها هرباً من السلطات الصينية، بلدة كيركينيس النرويجية الصغيرة في الدائرة القطبية الشمالية.
ويقول إنهم حتى الآن ينجحون في العثور عليه، وإنه تأتيه عشرات الرسائل منذ مغادرته الصين من عملاء صينيين يهددون ويتوعدون، ويقول أحدهم في أحد هذه التسجيلات: "لم نرسلك إلى هناك حتى تتصرف بهذه الطريقة. إياك أن تنسى من أنت".
عمر أشار إلى أنه قبل ذلك بأربع سنوات أرسله العملاء أنفسهم إلى أوروبا في مهمة سرية، من أجل التجسس على مجموعات الإيغور الذين يسلطون الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب بحق الملايين منهم والأقليات العرقية الأخرى.
تعذيب من أجل التجنيد
كانت الدولة الصينية قد اعتقلت عمر، قبل أشهر من مغادرته الأخيرة، وذلك حينما عاد من العمل في الخارج. وقال إنه تعرض للتعذيب والضرب والاستجواب عن معارفه في أوروبا، قبل أن يتعرض لمحاولات استمالة وغسيل مخ وتهديدات. وفي النهاية قرر العملاء المشرفون عليه أنه أصبح مواطناً صينياً وفياً، وعلى استعداد لتنفيذ ما تطلبه الدولة.
لكن عمر لم تكن لديه أي نية لأن يصبح جاسوساً صينياً، فذهب إلى مدينة إسطنبول التركية، وحاول أن يبدأ حياة جديدة ويتزوج ويجتمع بوالده. وأشار إلى أنه طوال هذا الوقت كان يتعرض لتهديدات ومضايقات من العملاء الصينيين.
كما أوضح عمر أن أحد العملاء قال لعائلته عبر مكالمة بتطبيق واتساب، بعيد وصوله إلى تركيا: "سنقتلكم، لا داعي لأن نخبركم كيف نتعامل مع هذه الأمور، وسنعالج هذه المشكلة بطريقتنا".
في حين شعر عمر، خلال العام الماضي، أن استمراره في إسطنبول أمر شديد الخطورة عليه، ولذلك غادر تركيا، واستقر به المقام في معسكر لجوء في هذه المدينة النرويجية الصغيرة داخل الدائرة القطبية الشمالية، بالقرب من الحدود الروسية.
والنرويج، بقوانينها العادلة وديمقراطيتها النموذجية تبدو أكثر الأماكن أماناً على وجه الأرض للإيغور الفارين من اضطهاد الدولة الصينية. ويوجد حوالي 2500 طالب لجوء من الإيغور في النرويج، ولكن حتى هناك يقول الإيغور إنهم مطاردون.
مراقبة وتهديدات متواصلة
حيث يؤكد نشطاء الإيغور في أوسلو إن "جميع الإيغور في النرويج تقريباً" يتعرضون لمراقبة وتهديدات من الدولة الصينية. ويقولون إن هذا يخلق إحساساً جماعياً بالضغط النفسي، وشعوراً دائماً بالمراقبة.
ويقول عمر إن هذه المراقبة "تدمر الأعصاب. شعرت وكأنني ما زلت في السجن، وشعور الخوف والذعر يلازمني كل يوم".
بدوره، يوضح مردان، اللاجئ الإيغوري، صاحب الـ34 عاماً، أنه فر من شينجيانغ، المعروف بإقليم "تركستان الشرقية"، عام 2010 بعد تعرضه للتعذيب في السجون الصينية، وقد غيّر اسمه إلى "مارتن جونار" الذي يبدو نرويجياً عند وصوله إلى البلاد، حتى لا تكشفه الدولة الصينية.
لكن هذا لم يفلح، فقد اتصل به المسؤولون الصينيون أثناء إقامته في معسكر لجوء جنوب النرويج، وأخبروه بأنه إذا تحدث إلى أي شخص عما مر به في السجن، فعائلته ستصبح في خطر.
إلا أن مردان لم يتراجع، وأصبح ناشطاً، حيث بدأ في تصوير مقاطع فيديو على يوتيوب عن أزمة حقوق الإنسان التي يمر بها الإيغور من منزله.
على إثر ذلك تلقى مردان عام 2018 اتصال فيديو يظهر فيه والده وهو يبكي ووالدته والضمادات تغطي ركبتيها.
فيما أكد مردان أن ضباط أمن صينيين اتصلوا به مرة أخرى عامي 2019 و2020، وقال: "لقد هددوني بالقول إنني ربما أتعرض لحادث سيارة، أو لهجوم لصوص على منزلي أثناء وجودي في وردية ليلية".
بخلاف ذلك، نوه مردان إلى أن ضابطاً عرض عليه أموالاً مقابل التجسس على الإيغور الآخرين، لكنه رفض. ولديه الآن عدة كاميرات مراقبة حول منزله. وقال: "لا أحد يمكنه الوثوق بأحد".
الكتابة باسم مستعار
في السياق ذاته، بدأت اللاجئة موتير إليكود في كتابة مقالات باسم مستعار عن اضطهاد الإيغور على موقع نرويجي، زارت الشرطة الصينية منزل جدتها. وقالت موتير: "ليس لدي أي فكرة كيف اكتشفوا أنها أنا".
لاحقاً، توقفت موتير، التي وصلت إلى مدينة كيركينيس النرويجية في عمر 13 عاماً سنة 2011، عن الكتابة عبر استخدام اسم مستعار، وبدأت في النشر باسمها الحقيقي. وتقول: "أدركت أنه لا معنى لأن أكتب بهوية مجهولة لأنهم سيتمكنون من معرفتي على أي حال".
في المقابل، نفت السفارة الصينية في العاصمة النرويجية أوسلو اتهامات اضطهاد الحكومة الصينية للإيغور.
إذ قال متحدث باسم السفارة، في بيان، إن حكومة بكين، والسفارة الصينية في النرويج، لم تتصرفا بهذه الطريقة على الإطلاق، زاعماً أن السفارة أصدرت عدة تحذيرات من اتصالات احتيالية باسم السفارة الصينية وأبلغت الشرطة النرويجية بها.
المتحدث ذاته استطرد قائلاً: "ما تذكرونه شائعات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة اختلقتها القوى المعادية للصين. لا دليل حتى الآن يدعم أياً من تلك الاتهامات. وأمام حقائق لا تقبل الجدل تظل الكذبة كذبة حتى لو تكررت ألف مرة".
محو الهوية الدينية والعمل بالسُّخرة
جدير بالذكر أنه منذ عام 1949، تسيطر الصين على إقليم "تركستان الشرقية"، وهو موطن الأتراك الإيغور المسلمين، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".
فيما تشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليوناً منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز 100 مليون.
كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قد نشرت، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تقريراً كشف وثائق حكومية صينية مسربة، احتوت تفاصيل قمع بكين لمليون مسلم من "الإيغور"، ومسلمين آخرين في معسكرات اعتقال بتركستان الشرقية.
سبق أن أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2019، خلال شهر مارس/آذار 2020، والذي ذكرت فيه أن الصين تحتجز المسلمين بمراكز اعتقال؛ لمحو هويتهم الدينية والعرقية، وتجبرهم على العمل بالسخرة.
كذلك جرى تداول العديد من التقارير الإعلامية والحقوقية التي تثبت حالات اغتصاب، وتعذيب، وتعقيم قسري، وتدمير لعشرات المساجد والأضرحة، ومعسكرات اعتقال (غولاجات) القطن التي يُجبَر الإيغور على العمل فيها وسط ظروفٍ مُهينة بلا أجر أو مقابل أجرٍ زهيدٍ للغاية. وتُنتِج مقاطعة سنغان نحو خُمس إمدادات القطن في العالم.
غير أن الصين عادةً ما تقول إن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ"معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني" وترمي إلى "تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة"، على حد قولها.