منذ أن أمسك الرئيس قيس سعيّد بكل السلطات في البلاد، في 25 تموز/يوليو 2021، ارتفع عدد المحاكمات العسكرية في تونس للمدنيين، الأمر الذي رفضه بالإجماع الطبقة السياسية والحقوقية.
ويرفض المحاكمات العسكرية في تونس كل الأطياف في البلاد، من مجتمع مدني، ومنظمات، وأحزاب، وتيارات سياسية، خاصة بعد إيداع عميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني السجن من طرف القضاء العسكري.
ووُجهت بعد 25 تموز/يوليو 2021، دعوات للمثول أمام المحاكم العسكرية لعديد من النواب، والسياسيين، والصحفيين المعروفين بمعارضة قرارات الرئيس قيس سعيد بتعليق نشاط واختصاصات البرلمان وما تبعها من قرارات وإجراءات أخرى.
وعرض على المحاكمات العسكرية في تونس نواب بالبرلمان، كعبد اللطيف العلوي، وسيف الدين مخلوف، ونضال السعودي، وعصام البرقوقي، وياسين العياري، الذي سُجن بعد 25 يوليو/تموز 2021 بحكم قضائي عسكري، إلى جانب المحامين مهدي زقروبة، وأنور أولاد علي وغيرهما.
المحاكمات العسكرية في تونس.. عملية انتقام
عبد اللطيف العلوي، النائب بالبرلمان عن كتلة "ائتلاف الكرامة" وأحد الذين عرضوا على المحاكمات العسكرية في تونس قال إنه "اتهم بالإساءة لرئيس الجمهورية بسبب قصيدة انتقد فيها ما سماه انقلاب 25 تموز/يوليو 2021″، على حد قوله.
وقال عبد اللطيف العلوي، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "ما حصل مع نواب كتلة "ائتلاف الكرامة" ومعارضي قيس سعيّد الحقيقيّين لا يتجاوز كونه عملية انتقام وتشفّ لم تشهدها تونس في تاريخها، بدليل أن سعيّد لم يفتح أي ملف فساد حقيقي، بل قام أساساً باستهداف طرف وحيد وهو ائتلاف الكرامة".
وأكد العلوي أنه و7 نواب آخرين على الأقلّ من كتلة "ائتلاف الكرامة" بالبرلمان المعلقة اختصاصاته لديهم قضايا معروضة أمام القضاء العسكري بـ"تهم مُختلقة وملفّقة من طرف سلطة الانقلاب التي حرمتهم من أبسط حقوقهم في التنقّل"، وفق تعبيره.
عضو هيئة الدفاع عن نقيب المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني والنائب عن حركة النهضة بالبرلمان سمير ديلو قال إن "حادثة النقيب وما يُضاف إليها من إحالات بالجملة لمدنيين على المحاكمات العسكرية في تونس، يتجاوز عدد ما تم تسجيله من محاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري من 30 سنة".
وعلى تلك الحجّة يستند سمير ديلو للتأكيد على أن "السلطة القائمة ممثلة في الرئيس قيس سعيد تقوم بتوظيف المحاكمات العسكرية في تونس، التي أصبحت أداةً في يد الرئيس لتصفية الخصوم السياسيّين بكل انتماءاتهم والتعدّي على أبسط مقوّمات دولة القانون المتمثلة في تكفل القضاء المدني بالقضايا التي تخصّ المدنيّين".
وأشار ديلو في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن البرلمان وقبل تعليق نشاطه اقترح إلغاء النص القانوني يمنع المحاكمات العسكرية في تونس للمدنيين لعدم دستوريّته، لكن لم يتوصّل إلى اتفاق للإلغاء، وتحفّظ ديلو على شرح تفاصيل أسباب ذلك.
لماذا لم يُفعل منع المحاكمات العسكرية في تونس؟
مقابل ذلك كشف رئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان نعمان العشّ أن "التجاذبات السياسية والاعتقاد السائد لدى حركة النهضة آنذاك ستبقى في الحكم والسلطة للأبد، وهي الأسباب وراء عدم تفعيل النص القانوني بمنع المحاكمات العسكرية في تونس"، وفق تعبيره.
وأضاف العشّ أن "الأغلبية البرلمانية آنذاك وعلى رأسها حركة النهضة عطّلت النص القانوني، اعتقاداً منها بأنها لن تكون خارج السلطة، ليمثّل القضاء العسكري تهديداً لها، ولكنّها اليوم تحترق وحلفاؤها بنار الحسابات السياسية الضيّقة"، وفق تعبيره.
لكن في المقابل، أكد القيادي في حزب التيار الديمقراطي أن موقفه وحزبه المبدئي برفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لا نقاش فيه ولا يخضع لأي حسابات سياسية أو انتقائية؛ إذ عبّر عن تضامنه ودعمه لكل من سلّطت عليه السلطة القائمة القضاء العسكري.
سعيّد يدافع عن نفسه
في المقابل، دأب الرئيس التونسي قيس سعيّد على نفي كل تلك الاتهامات الموجّهة له بتطويع القضاء العسكري واستخدامه لضرب خصومه السياسيين ومن ينتقده تمشيه أو يصنّف قرارات 25 تموز/يوليو كانقلاب.
وكانت آخر تصريحات الرئيس التونسي، خلال اجتماع مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن السبت 5 مارس/آذار 2022، حين أكد في كلمة بثتها رئاسة الجمهورية أنّه "لم يتدخل في الأحكام التي صدرت عن القضاء العدلي أو القضاء العسكري، وأنّه لم يرفع دعوى في شأن أحد من أجل رأيه أو من أجل مواقفه".
وقال الرئيس التونسي قيس سعيّد: "أريد التوجه للرأي العام لأقول له نحن لسنا في حالة تيه (…) مثلما يُقال في وسائل الإعلام، وهذا دليل على أن الحريات مضمونة عكس ما يروجون له في الخارج".
وأضاف: "نحن في الطريق الصحيح لنفتتح آفاقاً جديدة معاً في التاريخ ليس فيها علامة قف أو علامة ممنوع من المرور، إلاّ إذا كان هناك نصّ قانوني لأننا نحترم القانون والحريات والحقوق أكثر مما يحترمونهم".
وختم سعيّد كلامه أمام رئيسة الحكومة نجلاء بودن بالإشارة إلى أن كل من يريد تطبيق القانون يُتّهم بكونه "حاكماً ديكتاتورياً يسوق الناس بالسيف والعصا، نحن نتولى هذه الفترة بناء على القانون حتى نعلي كلمة القانون، وليعلم العالم أننا لن نحيد عن القانون وعن الحقوق والحريات".