"لاجئون متحضرون" و"لاجئون بشعر أشقر وعيون زرقاء"، و"لاجئو أوكرانيا بيض ومسيحيون"، و"أوكرانيا متحضرة نسبياً مقارنةً بأفغانستان والعراق"، كلها تصريحات خرجت من صحافيين ومذيعين ومحللين ظهروا على شاشات وسائل الإعلام الغربية والأجنبية، بالإضافة إلى تحدث طلاب أفارقة وهنود عن تعرضهم للتمييز على الحدود الأوكرانية، كلها أظهرت وجهين في التعامل مع الأزمات الإنسانية.
وقد لاقت- سواء التصريحات أو عمليات التمييز في إجلاء اللاجئين- انتقادات غربية بجانب الانتقادات العربية التي ظهرت بوضوح على الشبكات الاجتماعية، بسبب ما أظهرته من تمييز وعنصرية، ما جعل بعض وسائل الإعلام وحتى الدول تتراجع عن مواقفها التمييزية، وتصدر اعتذارات وتوضيحات.
"عنصرية الإعلام الغربي" وازدواج المعايير مع اللاجئين
"أوكرانيا متحضرة مقارنة بالعراق وأفغانستان"
بدأ سيل التصريحات من شاشة CBS الأمريكية، بتصريح مراسل الشبكة، الذي لاقى انتشاراً وانتقاداً دفعه للاعتذار في النهاية.
إذ اعتبر المراسل الأجنبي لمكتب لندن التابع للشبكة تشارلي داغاتا أن "أوكرانيا متحضرة مقارنة بدول مثل العراق وأفغانستان"، بتعليقه: "هذا ليس مكاناً- مع كل الاحترام الواجب- مثل العراق أو أفغانستان، حيث يدور صراع محتدم منذ عقود، هذه مدينة حضارية وأوروبية نسبياً- لا بد لي من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضاً- مدينة لا تتوقع فيها ذلك".
لكنه اعتذر بعد حملة استهجان واسعة، وقال: "لقد تحدثت بطريقة آسف لقولها"، وأكد أنه كان يحاول إيصال فكرة أن أوكرانيا لم تشهد حرباً بهذا الحجم منذ سنوات عكس البلدان الأخرى وفق موقع HuffPost الأمريكي.
"بيض ومسيحيون وأكثر تحضراً"
أدلت كيلي كوبيلا، مراسلة محطة NBC الأمريكية بتعليق قريب بسؤالها عن أوضاع اللاجئين الأوكرانيين في الدول المجاورة، إذ قالت: "بصراحة تامة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة. هؤلاء مسيحيون. إنهم بيض. إنهم مشابهون جداً للأشخاص الذين يعيشون في بولندا".
"شعب مزدهر لا يهربون من الشرق الأوسط"
كما وصف مذيع قناة الجزيرة الإنجليزية بيتر دوبي الأوكرانيين الفارين من الحرب بأنهم "الثياب التي يلبسونها تبين أنهم شعب مزدهر من طبقة وسطى ميسورة.. ليس من الواضح أنهم لاجئون يحاولون الهروب من مناطق في الشرق الأوسط لا تزال في حالة حرب كبيرة.. هؤلاء ليسوا أشخاصاً يحاولون الابتعاد عن مناطق في شمال إفريقيا، إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية قد تعيش بجوارها".
وقد اعتذرت الجزيرة الإنجليزية عن هذا التصريح واعتبرته "غير لائق، وغير مسؤول"، وأكدت التزام الشبكة بالحياد والتنوع والاحتراف في جميع أعمالها، واعتبرت التصريح "خرقاً لتلك المهنية"، وقالت إنها ستتعامل معه من خلال إجراءات تأديبية.
"بشعر أشقر وعيون زرقاء"
أيضاً؛ استضافت شبكة BBC البريطانية نائب المدعي العام الأوكراني السابق ديفيد ساكفاريليدزي، الذي أدلى بتصريح مشابه، حين قال: "إنه أمر مؤثر بالنسبة لي لأنني أرى الأوروبيين ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر يُقتلون كل يوم بصواريخ بوتين وطائراته الهليكوبتر".
"ليسوا سوريين.. بل أوروبيين يغادرون في سيارات تشبه سياراتنا"
كذلك قال الصحفي فيليب كورب على قناة BFM إحدى القنوات الأكثر مشاهدة في فرنسا: "نحن لا نتحدث هنا عن فرار السوريين من قصف النظام السوري المدعوم من بوتين، نحن نتحدث عن الأوروبيين الذين يغادرون في سيارات تشبه سياراتنا".
"ليست دولة نامية بالعالم الثالث بل أوروبا"
في غضون ذلك، قالت مراسلة قناة ITV البريطانية في بولندا: "هذه ليست دولة نامية في العالم الثالث، هذه هي أوروبا".
"أوربيون أذكياء"
لم يكن الصحفيون وحدهم من يدلي بتصريحات تفرّق بين لاجئي أوكرانيا ودول الشرق الأوسط، إذ أدلى رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف بتصريح مشابه حينما قال: "هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم. إنهم أوروبيون وأذكياء ومتعلمون وبعضهم مبرمجون لتكنولوجيا المعلومات.. هذه ليست موجة اللاجئين المعتادة للأشخاص الذين ليس لديهم ماضٍ مجهول".
"يملكون حسابات نتفليكس وإنستغرام"!
كما كتب الصحفي البريطاني دانيال هنان في مقال بصحيفة The Telegraph البريطانية "إنهم (الأوكرانيين) يشبهوننا كثيراً. وهذا ما يجعل الأمر صادماً للغاية"، وأضاف: "إنهم يشاهدون نتفليكس ويملكون حسابات إنستغرام"، وذكر أن الحرب لم تعد تحدث في مجتمعات "السكان الفقراء والنائية".
"هجرة ذات نوعية عالية"
كذلك قال جان لويس بورلانغ، عضو الجمعية الوطنية الفرنسية، إن اللاجئين الأوكرانيين سيكونون "هجرة ذات نوعية عالية، ومثقفين، وسنكون قادرين على الاستفادة منها".
تمييز على الحدود الأوكرانية
بجانب التمييز على الشاشة، كان هناك تمييز على الأرض؛ إذ تحدث طلاب هنود وأفارقة وأجانب ملونون كانوا يقيمون في أوكرانيا عن تعرضهم للتمييز وصعوبات أخرى عند محاولتهم الفرار، إذ لم يسمح لهم بصعود القطارات، وجرى احتجازهم، بينما يتم السماح للأوكرانيين بالمرور أولاً، وفقاً لشهادات عدد من الطلاب الأجانب على الحدود الغربية لأوكرانيا في تقرير للنسخة العربية من شبكة BBC البريطانية.
"الإعلام الغربي" نفسه سلط الضوء على "العنصرية"
رغم أن التصريحات التي أغضبت عدداً من نشطاء حقوق الإنسان والجمهور العربي على الشبكات الاجتماعية بثتها ونقلتها وسائل الإعلام الغربية، لكنها أيضاً سلطت الضوء على ما اعتبرتها "عنصرية" في تغطياتها، وهنا نستعرض أبرز التغطيات في الصحف الغربية ووسائل الإعلام:
سلط تقرير لشبكة CNN الأمريكية الضوء على قضية الطلاب الأجانب الفارين من أوكرانيا، وفي عنوان التقرير قالت الشبكة إنهم "يواجهون الفصل العنصري والعنصرية".
تحدثت صحيفة The Independent البريطانية عن الأزمة نفسها في تقريرٍ حمل عنوان: "أوكرانيا: تتزايد المخاوف مع إبلاغ ذوي البشرة السوداء عن العنصرية أثناء فرارهم من منطقة الحرب"، وكذلك فعلت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقريرٍ بعنوان: "التمييز والعنصرية يتنشران على الشبكات الاجتماعية مع فرار الناس من أوكرانيا".
أيضاً ركزت النسخة الإنجليزية من وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) على القضية في تقريرٍ بعنوان: "(دُفعنا للوراء لأننا سود): أفارقة تقطعت بهم السبل على الحدود بين أوكرانيا وبولندا"، كما فعل موقع شبكة CBC الكندي، الذي سلط الضوء على معاناة سوريين ولبنانيين من الأزمة نفسها.
أما بخصوص تصريحات وسائل الإعلام؛ فمع الاعتذار المقتضب من بعض الصحفيين أو المنصات على ما بثته، فقد مرت وسائل إعلام على تغطيات الصحفيين التمييزية، إذ أشارت شبكة NBC الأمريكية إلى التغطية ضمن إحدى فقراتها، وتساءل المذيع عن سبب استغراب زملائه من المشهد بينما شهدت أوروبا واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في رأيه وهي "الهولوكوست"، وأيضاً تحدث عن أن التصريحات كلها تعني أنه يجب مساعدة الأوكرانيين لأنهم "بيض"، رغم أنه يجب مساعدتهم لأنهم يعانون من أزمة إنسانية.
https://www.instagram.com/tv/CaiCasFKX_Q/?utm_medium=copy_link
أيضاً نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقال رأي حمل عنوان: "التغطية الإعلامية لأوكرانيا كشفت عن تحيزات عنصرية طويلة الأمد في وسائل الإعلام الغربية"، وتحدث كاتبه عن التغطية الإعلامية واعتبرها غير أخلاقية، كما نشرت صحيفة The Independent البريطانية، مقال رأي بعنوان: "التحيز العنصري في تغطية وسائل الإعلام الغربية لأوكرانيا مخزٍ"، وسردت الكاتبة أبرز المشاهد واعتبرتها دليلاً على أننا "نعيش في واقع مرير، بينما يهتم البعض بلون بشرة الذين يعانون من أزمة إنسانية". هذا بجانب تغطية خبرية متواضعة في مواقع وصحف أخرى لتصريحات الإعلاميين وقت صدورها.