سادت حالة من الغضب والاستنكار السياسي والشعبي في محافظة الأنبار العراقية، إثر تحشيد مسلح لميليشيات "كتائب حزب الله" جناح العراق، على حدود المدينة، وجاء هذا الانتشار المسلح، مساء الأحد في السادس من شباط\فبراير 2022، بالتزامن مع جلسة البرلمان العراقي، التي فشلت في انتخاب رئيس للجمهورية في الحكومة الخامسة للعراق، وسط دعوات لردع تلك المجموعات المُصنفة في قائمة الإرهاب الدولي.
التحرك العسكري لكتائب حزب الله
بحسب ضابط برتبة عقيد في قيادة عمليات الأنبار، قال في تصريح خاص لـ"عربي بوست": "اجتاحت كتائب حزب الله محافظة الأنبار وأدخلت معها أرتالاً عسكرية بحجة استبدال قطعها المتواجدة في المحافظة، وأن الأرتال التي تحمل مسلحين دخلت إلى الأنبار بأوامر رسمية تابعة من الحشد الشعبي، وهي تأتي من أجل استبدال القطع الماسكة لبعض القواطع في الأنبار بمقاتلين جدد، وهي ضمن الإجراءات العسكرية الدورية".
وتابع العقيد: "فصائل الحشد الشعبي تحاول فرض الأمر الواقع وتتحدى أجهزة الدولة العراقية لفرض الإرادة العسكرية، وهذا خطر يهدد الأمن الداخلي للبلاد، خصوصاً أن كتائب (حزب الله) لا تلتزم بقرارات المؤسسة الأمنية، ولا تتبع أوامر رئاسة الوزراء".
ما هي الرسالة السياسية لكتائب حزب الله؟
يبدو أن الاجتياح العسكري لكتائب حزب الله تعدى مرحلة مسك الأرض وفرض الواقع الأمني المسلح، بل وصل لطريق التفاهم السياسي على مكاسب برلمانية في المرحلة القادمة، واستخدام المواطنين كوقود لتصفية الحسابات السياسية بين الكتل الفائزة والخاسرة في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وبحسب تحليلات من مراقبين سياسيين تحدثوا لـ"عربي بوست" وذكروا أن "دخول أرتال كتائب حزب الله بهذا التوقيت فيه رسائل إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بخصوص الأزمة السياسية، وكذلك مطالبة "الحلبوسي" بتسليح بعض العشائر في المناطق التي مرت عليها أرتال الكتائب في مدن الأنبار، رغم أن الهدف المعلن من ذلك هو تغيير القوات الماسكة للأرض".
كما تابع المراقبون أن كتائب حزب الله في العراق لديها جناح سياسي باسم "حركة حقوق" والتي يترأسها "حسين مؤنس" أحد أبرز المؤسسين لكتائب حزب الله في العراق، التي لم تفز بأي مقعد سياسي في الانتخابات النيابية المبكرة الأخيرة في تشرين الأول\أكتوبر 2021؛ لذلك تحاول الكتائب المسلحة ممارسة الضغوط العسكرية قبل تشكيل الحكومة من أجل تعويض جناحها السياسي "حركة حقوق" للحصول على مكاسب في المرحلة القادمة.
وبينّ المراقبون البعد الاقتصادي للفصائل المسلحة وأشاروا إلى محاولة "كتائب حزب الله" التوسع في محافظة الأنبار من أجل التموقع وحماية التجارة غير القانونية التي يمارسها وعمليات التهريب مع الجانب السوري، وهو ما يستدعي "تدخلاً حكومياً رصيناً يمنع الانتهاكات التي تفتعلها فصائل الحشد الشعبي في المناطق العراقية".
ما هي رواية حزب الله؟
الفصيل المسلح أوضح موقفه وبرّر أسباب التحرك العسكري المفاجئ، واعتبر ذلك بحسب قوله جزءاً من المسؤولية الوطنية والعقائدية التي لا تحتاج إلى إشعار للجهات الرسمية، لأن المناطق العراقية في خطر، ويجب الإسراع بالدفاع عنها، حتى وإن كان ذلك دون دراية القائد العام للقوات المسلحة.
تواصل مراسل موقع "عربي بوست" مع جعفر الحسيني، المتحدث العسكري لكتائب حزب الله في العراق، قائلاً: "إن القوة العسكرية لكتائب حزب الله، التي دخلت إلى الأنبار، انتشرت في منطقة الكرمة، وهي تحرك عسكري ضروري للتصدي لخلايا تنظيم داعش".
وتابع الحسيني: "الولايات المتحدة تعمل على تسهيل حركة الإرهابيين على الحدود، فالهدف من الوجود العسكري في الأنبار هو منع حدوث أي ثغرات أمنية والتصدي لتحركات داعش، وتثبيت السيطرة العسكرية على الأرض لتجنب الخروقات الأمنية".
تحدي الدولة والقانون
تواصل مراسل "عربي بوست" مع قيادة عمليات الأنبار لمعرفة إن كانت لديها دراية بتحركات حزب الله، وأشار ضباط في قيادة العمليات إلى أنه لا علم لقائد شرطة الأنبار ولا لقيادة العمليات ولا للاستخبارات بدخول الأرتال العسكرية إلى الأنبار، وتفاجأت قيادة العمليات بتمركز الأرتال العسكرية عند سيطرة التحدي بالقرب من سكة القطار، وهذا موقع قريب من نواب تابعين لتحالف تقدم الذي يقوده رئيس مجلس النواب "محمد الحلبوسي".
وفقاً للنائب عادل المحلاوي عن محافظة الأنبار، فقد صرّح لـ"عربي بوست" بالقول: "إن ما حدث قبل أيام من دخول حشد برفقة أرتال عسكرية مدججة بالسلاح، تابعة لكتائب حزب الله دون موافقة العمليات المشتركة، محاولة لبث رسائل سياسية للفرقاء السياسيين، ومحاولة لكسر إرادة الدولة والقانون".
وأضاف المحلاوي: "إن ما حدث لا يمكن التغافل عنه كونه سيؤسس لمرحلة غياب القانون ويشجع قوى اللادولة على التغوّل ومصادرة القرار العراقي الأمني والسياسي ويجعل الدولة ومؤسساتها في مهب الريح، ويهدد سيادة الدولة العراقية في فترة حرجة مرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة".
وأشار إلى "ضرورة توضيح التحرك العسكري المفاجئ، وتفكيك التحليلات والسعي لتهدئة الأوضاع دون المساس بأمن المواطنين المدنيين".
تحذيرات لعدم تكرار المجازر
حذّر باحثون في الشأن الحقوقي من خطورة التحركات العسكرية التي قام بها فصيل "كتائب حزب الله"، واعتبروها شرارةً للاقتتال الطائفي وإعادة لسيناريوهات قديمة دموية.
وبهذا الصدد، تحدث عمر الجابري في تصريح لـ"عربي بوست" وقال: "تابعنا اليوم ما تقوم به بعض الجهات المنفلتة من تحشيدات عند مدخل الأنبار الشرقي، فتلك التحشيدات غير المبررة والخارجة عن القانون تنذرُ بمشاكل أمنية كبيرة لا يُحمد عقباها".
كما تابع الجابري: "لقد تواجدت كتائب حزب الله من دون التنسيق مع الأجهزة الأمنية في الأنبار، ولا قيادة العمليات؛ لذا ما نراه من هذا التحرك العسكري المريب مؤشرات لتكرار حوادث مماثلة قديمة يمكن أن تحدث مرة ثانيةً؛ لذلك نطالب رئاسة الوزراء بإيقاف هذه الانتهاكات العسكرية لمنع أي صراعات أو نزاعات تشعل المدن في فترة حساسة قبيل تشكيل الحكومة".
بالرغم من توقف العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش المتشدد في الأنبار التي سيطر عليها، إلا أن فصائل الحشد الشعبي ما زالت تبسط سيطرتها على أغلب تلك المدن، خاصة محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين.
وتستمر بعض فصائل الحشد الشعبي بممارسات مثل الاحتكاك بالقوات الرسمية والشرطة المحلية، وعدم الانصياع إلى أوامرهم، أو الدخول في سجالات مع السكان المحليين، وتنفيذ بعض عمليات الاعتقال والحجز التعسفي؛ ما يثير غضب أهالي تلك المناطق الذين يطالبون عبر سياسييهم في مجلس النواب بين الحين والآخر بإحلال قوات محلية مكان الحشد الشعبي، تجنباً للصراعات الطائفية والمذهبية.