كشف تقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية نقله موقع Middle East Eye البريطاني، الأربعاء 9 فبراير/شباط 2022، عن اتساع نطاق الاعتقالات السرية في تونس في ظل حالة الطوارئ التي أُعيد فرضها في عام 2015 لأول مرة منذ الثورة التونسية.
التقرير لفت إلى أن هذه الإجراءات، التي تسميها السلطات التونسية "الإقامة الجبرية"، وإن شاع اللجوء إليها لسنوات قبل الثور التي شهدتها البلاد، فإن استخدامها تَصاعَد منذ أن استحوذ الرئيس التونسي قيس سعيّد على السلطات التنفيذية لنفسه في يوليو/تموز 2021.
كما سلَّط التقرير الجديد للمنظمة الضوءَ على قضية فتحي البلدي، الموظف السابق بوزارة الداخلية، ونور الدين البحيري، وزير العدل السابق، اللذين اعتُقلا في 31 يناير/كانون الثاني بالقرب من منزلَيهما.
في حين يمكث البحيري حالياً في المستشفى جرَّاء تدهور حالته الصحية، فإن البلدي لا يُعرف مكانه على وجه التحديد، وإن قال محاميه لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إنه محتجز في مكان ما بالقرب من معتمدية برج العامري بولاية منوبة غرب العاصمة تونس.
فيما قالت زوجة البحيري، التي تشغل أيضاً منصب نائب رئيس حزب النهضة، إن زوجها احتُجز قبل نقله إلى المستشفى في مبنى "مهجور" و"شبه فارغ" في ولاية بنزرت.
كما فرضت السلطات التونسية الإقامة الجبرية على عشرات الأشخاص منذ يوليو/تموز، وهو إجراء قالت هيومن رايتس ووتش إنه "تعسُّفي ويُستخدم بلا إشراف قضائي".
وفي سياق التقرير، قالت سلسبيل شلالي، مديرة مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في تونس: "إن عدم الكشف عن مكان احتجاز شخص ما خطوةٌ مقلقة نحو دولة ينعدم فيها القانون، وهو أمر لا يمكن تبريره مطلقاً بحالة الطوارئ التي مُدِّدت مراراً وتكراراً منذ 2015″، وأضافت شلالي: "على السلطات إنهاء هذه الاعتقالات التعسفية فوراً واستخدام السبيل القانوني والشفاف بالكامل للسماح بالطعن القضائي".
ويُشار إلى أن تحركات قيس سعيّد الأخيرة ضد معارضيه أثارت غضباً دولياً؛ إذ طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، السلطات التونسية، بالإفراج الفوري عن نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري والمسؤول السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي الموضوعَين قيد الإقامة الجبرية.
حيث قالت المفوضية، في بيان، إن "التطورات الأخيرة في تونس عمَّقت انشغالنا بتدهور أوضاع حقوق الإنسان، ويجب على السلطات إما الإطلاق الفوري لسراح نور الدين البحيري وفتحي البلدي، أو توجيه تهم قضائية لهما وتقديمهما للمحاكمة، بشكل يضمن حقوقهما".
إجراءات غير مسبوقة
تأتي هذه القرارات والإجراءات الأمنية غير المسبوقة بالبلاد في وقت ما زال فيه الاحتقان السياسي على أشدِّه.
منذ 25 يوليو/تموز الماضي، تشهد تونس أزمة سياسية، جرَّاء إجراءات استثنائية للرئيس قيس سعيّد، منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.
في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس سعيّد عن رزنامة مواعيد للخروج من "المرحلة الاستثنائية"، تبدأ بما سمّاه "الاستشارة الشعبية الإلكترونية"، وتنتهي يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 بانتخابات مبكرة، وتنظيم استفتاء يوم 25 يوليو/تموز 2022.
إلا أن معارضين لسعيّد يؤكدون أن إجراءاته الاستثنائية عززت صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، وأنه يسعى إلى تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
على أثر ذلك، ترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس -على رأسها حركة النهضة- تلك الإجراءات الاستثنائية، وتعتبرها "انقلاباً على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).