ما زالت ردود الفعل الرافضة لقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء تتقاطر على قصر قرطاج، داعية الرئيس للتراجع عن قراره والحفاظ على استقلالية القضاء، متهمين الرئيس التونسي بـ"ضرب سيادة القانون في البلاد".
إذ أعلن قيس سعيّد ليل السبت/الأحد 6 فبراير/شباط 2022 خلال اجتماع في وزارة الداخلية أن المجلس الأعلى للقضاء "بات في عداد الماضي"، داعياً أنصاره للتظاهر تأييداً لقراره.
كما قال قيس سعيّد، الإثنين، وفق فيديو بثه حساب الرئاسة على "تويتر" خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، إن "المجلس الأعلى للقضاء تم حله"، ثم قال في ذات اللقاء إن "مشروع حل المجلس الأعلى للقضاء جاهز وستتم مناقشته".
كبار المانحين قلقون من وضع تونس
فقد عبر كبار المانحين الغربيين لتونس، الثلاثاء 8 فبراير/شباط، عن "القلق البالغ" إزاء إعلان الرئيس التونسي حل المجلس الأعلى للقضاء، بعد أن حاز سلطات واسعة في العام الماضي، في خطوة وصفها منتقدوه بأنها انقلاب، بينما سعى وزير الخارجية لتهدئة المخاوف.
إذ قال سفراء دول مجموعة السبع الغنية لدى تونس في بيان: "قيام قضاء مستقل ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم شعبها".
بينما استقبل عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة التونسي، الثلاثاء، سفراء المجموعة وممثلة مفوضية حقوق الإنسان، وأبلغهم أن قرار الرئيس قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء يهدف لإصلاح القضاء.
قال الوزير إن قرار الرئيس "لا ينطوي بأي شكل من الأشكال على إرادة للتدخل في القضاء أو وضع اليد عليه".
فيما تواجه تونس أزمة ضخمة في المالية العامة، كما تشكو بالفعل من نقص في بعض السلع، مع تحذير حاكم البنك المركزي من انهيار مالي مشابه للانهيار المالي في فنزويلا أو لبنان.
كما بدأت تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل صفقة إنقاذ تعتبر ضرورية لتدفق مساعدات مالية أخرى، حث المانحون سعيّد على تبني صيغة إصلاحات شاملة.
قلق أممي بعد قرار قيس سعيّد
من جهته، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريح للصحفيين في نيويورك: "نحث الرئيس التونسي قيس سعيّد على عكس القرار الذي اتخذه بحل مجلس القضاء الأعلى".
بدورها، حثت مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، سعيّد على "إعادة العمل بمجلس القضاء الأعلى"، محذرة من أن "حله سيقوض بشكل خطير سيادة القانون"، وفق بيان صادر عن المفوضية.
قالت باشيليت: "من الواضح أنه لا بد من بذل المزيد من الجهود الحثيثة كي تتماشى تشريعات قطاع العدالة وإجراءاته وممارساته مع المعايير الدولية المعمول بها".
استدركت بالقول: "إلا أن حل مجلس القضاء الأعلى شكل تدهوراً بارزاً في الاتجاه الخاطئ، فحله يعد انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويقوض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء في البلاد".
فيما شددت المفوضة على "ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أعضاء المجلس وموظفيه"، مؤكدة أن "قوى الأمن الداخلي طوّقت مكاتب مجلس القضاء الأعلى ومنعت أعضاءه وموظّفيه من دخول المبنى، وفي موازاة ذلك استهدفت حملات من الكراهية والتهديد عبر الإنترنت أعضاء المجلس".
دعوة لاحترام استقلال القضاء
من جهتها، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة التونسية بالوفاء بالتزاماتها باحترام استقلال القضاء كما ينص على ذلك دستورها.
إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في بيان صحفي، الإثنين، إن بلاده "تشعر بقلق بالغ إزاء ما دعا إليه الرئيس التونسي من حلّ للمجلس الأعلى للقضاء وما تناقلته الأخبار عن منع موظّفيه من دخول مقرّه".
كما اعتبر برايس أن "القضاء المستقلّ دعامة محورية من دعائم كلّ نظام ديمقراطي فعّال وشفّاف، ومن الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام استقلال القضاء كما ينصّ على ذلك دستورها".
بينما جدّدت الولايات المتّحدة دعواتها "للتعجيل بإطلاق مسار إصلاح سياسي في تونس يستجيب لتطلّعات شعبها وتشارك فيه أطياف متنوّعة تمثّل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات، بما من شأنه أن يضمن استمرار احترام حقوق الإنسان لمواطنيها".
حثّت الحكومة التونسية، أيضاً، على "إيلاء تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة الأولويّة اللازمة من أجل تحقيق استقرار الوضع المالي والتصدّي للتحدّيات الاقتصادية المتزايدة في تونس".
حلّ المجلس الأعلى للقضاء يقلق الأوروبيين
بدوره، أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه البالغ" حيال الوضع في تونس بعد قرار قيس سعيّد حل "الأعلى للقضاء"، مؤكداً على "أهمية استقلال القضاء بالبلاد".
جاء ذلك وفق تصريح لنبيلة مصرالي، المتحدّثة باسم مفوض السّياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، نقلته إذاعة "موزاييك" التونسية (خاصة)، وفق مراسل الأناضول.
في بيان مشترك، الثلاثاء، أعرب سفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكية والاتّحاد الأوروبي لدى تونس عن قلقهم البالغ إزاء خطوة قيس سعيّد.
أضاف البيان المشترك أن "هذا المجلس (الأعلى للقضاء) تتمثّل مهمّته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته".
كما اعتبر السفراء الثمانية أن "قيام قضاء مستقلّ ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريّان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس من سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية".